ماذا تعني استقالة الحريري من الرياض… وما تداعياتها اللاحقة؟
محمد شريف الجيوسي
تذكّر استقالة الحريري بزعماء وملوك اضطروا لمغادرة مناصبهم اختياراً أو قسراً، وانتهى مستقبلهم السياسي بمغادرتها أو نكّل بهم بعد مغادرتها، أذكر على سبيل المثال لا الحصر، الرئيس التونسي زين الدين بن علي الذي غادر كرسيه وهو لا يعلم تماماً أنه لن يعود إليه.. والرئيس الأوكراني فيكتور بانوكوفيتش الذي فرّ بجلده.. أو رئيس وزراء سورية الفار رياض حجاب الذي هرب بلباس امرأة وبقي الطيران الأميركي يبحث عنه لوقت غير يسير لضمان تهريبه سالماً، فيما كان أمير قطر يوقظ الرئيس الأميركي أوباما من نومه مبلّغاً مباركاً !؟ أنه تمّ تحرير سورية من السوريين!
وممّن غادروا الحكم مضطرين شاه ايران محمد رضا بهلوي صديق أميركا وهراوة الخليج الذي لبّى نصيحة أميركية بمغادرة طهران مؤقتاً فإذا به لا يجد دولة تستضيفه سوى مصر في عهد السادات.
وحسني مبارك اضطر لمغادرة موقعه تحت ضغط الشارع المصري، وواشنطن الذي رأت أنه بات عبئاً على ربيعها في المنطقة العربية وما توصلت إليه من اتفاقات مع الإخوانيين.
والملك فاروق الذي عزلته حركة الضباط الأحرار البيضاء في مصر وثورة 23 يوليو/ تموز، على أن يولَّى ابنه عند بلوغه السنّ القانونية فلا عاد هو ولا وُلّي ابنه.
واضطر الرئيس الأميركي ريشارد نيكسون إلى الاستقالة تحت ضغط فضيحة ووترغيت ومن بعد نائبه، ليتولى جيرالد فورد الذي عيّن نائباً لنائب الرئيس منصب الرئاسة بعد استقالتهما على التوالي. وهناك آخرون مثلهم.. ما يعني أنّ سعد الحريري الذي تخلى عن منصبه الرئاسي طوعاً وكرهاً لن يعود إليه يوماً بخاصة انه قدّم الاستقالة من بلد ليس صديقاً لقوى لبنانية نافذة بالمعنيين السياسي والطائفي، مشكلاً بذلك إهانة قصوى للبنان، من أنّ رئيس حكومته لا يملك من أمره شيئاً، بخاصة بعد أن بدا الحريري الثاني على وشك أن يخطو خطوات أكثر استقلالية تجاه قضايا المنطقة وما تفرضه التطورات الحاصلة على الأرض، حيث التقى مستشار المرشد الإيراني في بيروت علي أكبر ولايتي الذي قال بعد اللقاء إنّ بلاده تدعم لبنان وقوته وحكومته، وقبل ذلك بأيام وقّع مع رئيس الجمهورية العماد عون قراراً بتعيين سفير للبنان في سورية.
إنّ استقالة الحريري المفاجئة تضع بين احتمالاتها أنه كان على علاقات طيبة، مع مَن باتوا ليسوا على علاقة جيدة مع القيادة السعودية الراهنة، وقد اتهموا بالفساد وتبييض الأموال والرشى وغير ذلك، وإن صحّ هذا الاحتمال، فهذا يعني أنّ الحريري الثاني بات أسيراً ممنوعاً من مغادرة السعودية وهو ما قد يفسّر استقالته من الرياض وليس من بيروت، وبعد ما أشرنا إليه من تطورات.
ومهما يكن من أمر الاستقالة وخلفياتها، فإنّها ستضع لبنان على صفيح صراعات ساخنة مجدّداً، وهذا يعني أنّ أميركا ومعسكرها الإقليمي تريد تمديد أمد الحرب في سورية والعراق، وإعادة ترتيب أوراق الهزيمة، والتقليل من حجم ونوعية خسائرها وتحقيق مكاسب، قبل فتح جبهتيْ صراعٍ جديدتين في ميانمار وأميركا الجنوبية.. وبدء تنفيذ ما أطلق عليه صفقة القرن من جيبوتي حتى قطر.. وضمان مزيد من الاشتعال في وسط أفريقيا في حرب تختلط فيها الطائفية المذهبية المقيتة باحتكارات الماس الصهيونية وبالأطماع الأميركية الغربية.
وستضمن جبهات الصراع الجديدة عدم تحوّل أفراد العصابات الإرهابية إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والكيان الصهيوني ودول تابعة، فيما َستنشغلُ دول منافسة في صراعات إقليمية مجاورة، لكونها أسهمت في تخريب المشاريع الإمبريالية في العالم كروسيا والصين وكوريا الديمقراطية وإيران وفنزويلا.. كما أسهمت في إسقاط ربيع أميركا الغربي الصهيوني الرجعي.
وتريد أميركا وتابعوها بفتح جبهات صراع جديدة، تعويض خسائرها من خلال مشروع صفقة القرن الذي بدأت تفاصيله تظهر للعيان، وسيعمل فيه تابعون متخاصمون في ما بينهم ولكن لكلّ دوره سينفذه بإتقان وتفانٍ!؟ وهو مشروع يهدف في ما يهدف دمل القضية الفلسطينية.
الحريري الثاني الذي قال إنه مستهدَف بالقتل، ليس مستهدفاً من محور المقاومة فهو محور أذكى وأشدّ قوّة من أن يلجأ إلى أساليب دنيئة ورخيصة، لكن مَن سيستهدفه بالإسقاط أو الاغتيال السياسي أو المعنوي أو الإفلاس التجاري والمالي أو التصفية الجسدية، من هو محسوب عليهم من حلفاء في الداخل أو متبوعين في الخارج، لغايات من ضمنها استخدامه كورقة ابتزاز واتهام لتيار المقاومة أو حلفائها، وقد سبق ان ضحّوا بوالده في حربِ خلطِ الأوراق وابتزاز سورية والمقاومة فيما تحالفوا مع قتلة الرئيس رشيد كرامي، وهو ما كشف عنه السناتور الأميركي تشاك غراسلي ممثل ولاية ايوا رئيس المجلس القضائي في مجلس الشيوخ الأميركي في مقابلة مع مجلة بولوتيكو، عن أنّ إسرائيل هي مَن قتلت الحريري بمساعدة سعودية، لكن الحريري الثاني لا يريد أن يسمع الحقيقة أو أنه أصبح عاجزاً عن سماعها.
بكلمات، استقالة الحريري صفحة جديدة صعبة بغضّ النظر عن أهمية شخص الحريري أو عدم أهميته، ذلك انه سيستخدم كورقة بشكل معيق لكلّ ما هو إيجابي في المنطقة، وقد يأتي الوقت لأن يكشف الحريري نفسه عن دوره في المسرحية الجديدة، وسابقاتها، كما سبق أن أعلن نائب رئيس الوزراء وزير خارجية قطر الأسبق حمد بن جاسم عن دور بلاده ومَن كانت معهم في المؤامرة الكونية على سورية.
m.sh.jayouso hotmail.co.uk