«فرنسبنك»: الوضع الحالي لمالية الدولة يستوجب اتخاذ تدابير حاسمة
أشار تقرير لمصرف «فرنسبنك» أنّ «العوامل الموسمية وحلول عيد الأضحى خلال فترة صيف 2017 كان لها أثر إيجابي على الحركة في الأسواق اللبنانية، حيث شهدت معظم قطاعات التجزئة تحسناً حقيقياً عما كانت عليه أرقام الأعمال في الفصل الثاني».
وأضاف: «إنما لم يكن هذا التحسن كافياً لتصحيح المسار العام التنازلي لنشاط الأسواق، بما أن نتائج الفصل الثالث لسنة 2017 ظلت تعكس تراجعاً حقيقيا بالنسبة لما كانت عليه في نفس الفترة من السنة السابقة. والسبب الأساسي لربما يكمن وراء المخاوف من الأعباء الإضافية التى كان يعد لها المشرعون خلال هذه الفترة للبنانيين من ضرائب ورسوم لتمويل سلسلة الرتب والرواتب مباشرة، فباتت تلك المخاوف الرادع الأساسي لمحركي الأسواق الأساسيين الأسر اللبنانية أولا والزوار تباعا، للإقدام على أي إستهلاك يخرج عن السلع الأساسية والضرورية للحياة اليومية».
وأشار إلى «أنّ هذه الظاهرة، أي تقلص الاستهلاك، ليست بمفاجئة، إذ إنها تنطوي تماماً ضمن النظرية الاقتصادية المبدئية التي توضح أن استعداد المرء للاستهلاك يحدده المدخول المرتقب في المدى القصير إلى المتوسط وليس المدخول الحالي، وذلك يغني عن أي توضيح إضافي لحالة التباطؤ التي لم تنته الأسواق التجارية من المعاتاة منها».
وتابع: «إذاً، وكما في الفصول السابقة، ظل الشأن السياسي – بما فيه الشق التشريعي منه، موضع قلقٍ وعدم وضوح للرؤية المستقبلية لدى كافة الأفرقاء الاقتصاديين، لا سيما المستهلكين منهم والتجار، بالرغم من الإنجازات التى تمـت على الصعيد الأمني والعسكري لجهة إبعاد المجموعات الإرهابية عن الحدود الشرقية للأراضي اللبنانية، فجاء الصيف وحل عيد الأضحى المبارك وأقدم الزوار من مغتربين وغيرهم دون أن يرافقهم تحسن ملموس بالمقارنة مع فصل الصيف للسنة الماضية في معظم قطاعات تجارة التجزئة، في حين أن الارتفاع الطفيف في أرقام الأعمال الحقيقية المجمعة لكافة قطاعات تجارة التجزئة، والتى تمّ تسجيلها بالمقارنة مع الفصل السابق أي الفصل الثاني لسنة 2017 ، جاء فقط نتيجة لعوامل موسمية بحتة، ليس إلا».
وأشار التقرير إلى «تباطؤ مستمر في الاستهلاك وركود في معظم قطاعات تجارة التجزئة وضعف بات هيكلي في المحركات الاقتصادية، وفي الوقت عينه، وبالرغم من كل التضحيات التى اعتاد عليها تجار التجزئة من حيث العروضات والتخفيضات والتكسير في الأسعار، لا بل أيضاً التقسيط، جاءت أرقام الإدارة العامة للإحصاء المركزي لتبين أن مؤشر غلاء المعيشة قد ارتفع ما بين الفصل الثالث لسنة 2016 والفصل الثالث لسنة 2017 بنسبة 4.15 في المئة، الأمر الذى يفاقم بالطبع من شدة التراجع ما بين أرقام الأعمال الحقيقية أي المثقلة بنسبة التضخم المسجلة خلال هذين الفصلين. أما الفارق في مؤشر غلاء المعيشة الفصلي – أي ما بين الفصلين الثاني والثالث لسنة 2017، فقد بلغ 1.47 في المئة، متابعاً المنحى التضخمي الفصلي الذي كان قد بدأ في الفصل الثاني لسنة 2016 ولم يشهد تباطؤا سوى في الفصل الثاني لسنة 2017».
ورأى أنه «لا يمكن تحديد مدى أو نسبة التأثير المباشر للمنحى التضخمي على حجم الإستهلاك، أنما لا شك في أنه يشكل عاملاً إضافياً يساهم في تقليص القوة الشرائية للأسر اللبنانية المتراجعة أصلاً من جراء أزمة سوق العمل من جهة وهشاشة الوضع الاقتصادي وضعف النمو من جهة أخرى. فماذا لاحقاً عن التأثيرات المعاكسة لسلسلة الرتب والرواتب من جهة، والضرائب والرسوم الإضافية من جهة أخرى، على حركة الأسواق؟»
وختم التقرير: «لا شك في أنّ الوضع الحالي لمالية الدولة يستوجب اتخاذ تدابير حاسمة، إنما المنطق الاقتصادي ينص على اتخاذ مثل تلك التدابير عندما يكون الاقتصاد على غير ما هو عليه اليوم في لبنان من انكماش وشبه انعدام النمو. والخوف يكمن في أن تؤدي هذه السياسة إلى عكس ما ترجوه الحكومة مع مزيد من التباطؤ وتراجع في الإيرادات على خزينة الدولة، وتزايد في التهريب والتكتم والنشاط الاقتصادي غير الشرعي، إن لم تبادر الحكومة بمحاربة الهدر والفساد بفاعلية وإن لم تحدد مقاييس صارمة للإصلاح والإنتاجية والأداء في القطاع العام. والحق يقال إنّ النوايا موجودة، والوزارة قائمة، والمقاييس والمعايير واضحة، إنما عناصر وأدوات التطبيق على الأرض تبدو لغاية الآن غير كافية، والمطلوب هو التنشيط الفوري لها».