أبعد من مصالحة فلسطينية… أبعد من تسوية إقليمية
أسامة العرب
وقّعت حركتا فتح وحماس في 12 تشرين الأول اتفاق مصالحة في القاهرة برعاية مصرية. وبموجب هذا الاتفاق يُفترض أن تستعيد السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس بحلول الأول من كانون الأول. ولم يتطرّق اتفاق المصالحة إلى مستقبل الجناح العسكري لحماس، وترفض الأخيرة فكرة البحث في هذه المسألة، فيما ترى مصر أنه لا بدّ من تأجيل ذلك إلى المرحلة الأخيرة من المصالحة، تفادياً لانهيار ما تحقّق.
وبموجب الاتفاق الذي تمّ توقيعه في القاهرة، سيسعى الطرفان إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، بينما يمكن لحماس أن تنضمّ في نهاية المطاف إلى منظمة التحرير الفلسطينية، لمفاوضة «إسرائيل» في محادثات السلام. كما قامت حماس في الأول من تشرين الثاني بتسليم معابر قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، لكن ملف المعابر لم يُحَلّ بأكمله بعد، بل إنه يسير هو الآخر نحو المزيد من التعقيد على ضوء رفض حركة حماس عودة العمل باتفاقية 2005 التي وقّعتها السلطة الفلسطينية مع «إسرائيل» في 15 تشرين الثاني 2005، والتي تتضمّن تشغيل معبر رفح بوجود مراقبين أوروبيين، وكاميرات مراقبة «إسرائيلية».
يشكّك كثر داخل فلسطين وخارجها في إمكانية نجاح المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، نظراً إلى الإخفاقات العديدة السابقة، بدءاً من اتفاق مكة في شباط 2007 ووصولاً إلى اتفاق مخيم الشاطئ في نيسان 2014. لكن أدّى استعداد حماس للتخلّي عن سلطتها في غزة، وكما ظهر جلياً في موافقتها على حلّ لجنتها الإدارية هناك، إلى ازدياد فرص نجاح المصالحة هذه المرّة. ومع ذلك، ثمة عقبات تقف في وجه المصالحة، أبرزها مستقبل 45 ألف موظف من موظفي حماس في غزة، وهوية الجهة التي ستكون مسؤولة عن حفظ الأمن في غزة، مع وجود عشرات الآلاف من مقاتلي المقاومة المنتمين إلى الجناح العسكري لحماس وفصائل فلسطينية أخرى. أما القضية العالقة الثالثة فتتمثّل في ما إذا كان ينبغي دمج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية.
ولا أحد يعرف بالضبط إلى أين ستتجه الأمور بالنسبة للحل المستقبلي للقضية الفلسطينية ومستقبل الدولة الفلسطينية، وهنالك مَن يقول بأن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر للمصالحة الفلسطينية، وذلك لتمهيد الطريق أمام إبرام رئيسها صفقة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين». لكن التطورات الناشئة منذ اتفاق أوسلو لا تؤشر إلى أن إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، اذ إن كافة المبادرات الدولية التي طرحت بعد أوسلو كانت تتضمن تأكيد حل الدولتين، من دون اتخاذ قرارات وإجراءات تؤكد صدقية ذلك، بالإضافة لمضامين الرؤية الأميركية في ظل الإدارة الجديدة، التي تؤكد أن ما هو مطروح تحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين بالتزامن مع تنازلات من إدارة الاحتلال في مجالات الإدارة المدنية، مقابل تطبيع مع دول عربية جديدة.
وقد اعتبرت القناة «الإسرائيلية» الثانية على لسان إيهود إيعاري محرّر الشؤون العربية في القناة، أن «إسرائيل» سمحت لوفود السلطة الفلسطينية ومنهم قيادات أمنية بالتوجه إلى قطاع غزة بحريّة كاملة من دون أن تعيق ذلك، حتى أنها سمحت لبعض قيادات فتح بالتنقل ما بين غزة والضفة عبر معبر إيرز الخاضع للسيطرة «الإسرائيلية» شمال قطاع غزة خلال الأعياد اليهودية. وأضاف إيعاري بأنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحتى وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان فى حالة صمت تام، وحتى منسق الأنشطة الحكومية في الأراضي الفلسطينية يؤاف مردخاي يحيط نفسه بالصمت. وهذا يعني أن «إسرائيل» اختارت أن تحمل مبادرة المصالحة بين حماس وفتح لأسباب غير معروفة. وتابع بأنه خلال فترة وجيزة من المتوقع تدريجياً أن يعود قطاع غزة إلى حضن السلطة التى ستتحكّم بالمعابر وشؤون الحكومة لينتهي الانقسام بعد عشر سنوات بين الضفة وغزة. بدوره، اعتبر المراسل العسكري لصحيفة هآرتس العبرية عاموس هرئيل أن الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» لديها وجهات سياسية «إسرائيلية» خاصة ترى في أن اتفاق المصالحة قد يمنح «إسرائيل» مكاسب بعيدة المدى، على عكس ما يصرّح به السياسيون.
كما قال وزير الدفاع «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان، في مقابلة أجرتها معه القناة «الإسرائيلية» الثانية أن «إسرائيل» باتت أقرب من أي وقت مضى من التوصّل إلى تسوية إقليمية، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يبذل قصارى جهوده من أجل التوصل لهذه التسوية والتي تمهّد لتسوية مع الفلسطينيين. كما أضاف ليبرمان قائلاً إنه في حال عُرض على طاولة الحكومة «الإسرائيلية» أي تسوية إقليمية، فإن ذلك سوف يشمل فتح السفارات وتبادل البعثات الدبلوماسية وتطوير العلاقات والتبادل التجاري والاقتصادي، لأن هذا الطرح وحده الذي سيحظى بموافقة داخل الكنيست وحتى في الكيان «الإسرائيلي». أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد قال من جهته إن دولة «إسرائيل» يمكن أن تكون مفتاحاً لحل جميع مشاكل المنطقة ولتسوية أوضاعها.
وبالتالي، فإن المطروح للنقاش حالياً يتراوح بين ثلاثة سيناريوات، الأول: تحسينات في القضايا الاقتصادية والأمنية، والثاني: طروحات تتضمن صيغة وحدوية مع الأردن تتراوح بين الكونفدرالية أو الفدرالية، والثالث تحسين الحدود القائمة بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية. كما أنّ المطروح أيضاً تقديم بعض الإغراءات للفلسطينيين في قطاع غزة في مقابل التخلي عن السلاح، وهذا ما أكّده عاموس هرئيل عندما قال إن سلاح الجناح العسكري لحماس هو عنوان المفاوضات. لا سيما أنّ الحصار على غزّة ضُرب أصلاً بسبب وجود سلاح المقاومة، وإذا بقي هذا السلاح فإن الحصار سيبقى ولن تتمكن السلطة الفلسطينية من اتخاذ إجراءات للتخفيف منه، بسبب ما يمكن أن تتعرّض له من إجراءات عقابية أميركية و«إسرائيلية».
إن مصر تمارس الكثير من الضغوط على كلا الطرفين في الضفة وغزة في محاولة منها لاستئناف مفاوضات السلام مع «إسرائيل». وجرّ حماس للاعتراف بشروط الرباعية الدولية، وحصر تمثيل الفلسطينيين في المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية، وربما لهذا السبب تسعى للمحافظة على منسوب منخفض من التوتر في المنطقة.
يظهر واضحاً، أن دولة الاحتلال تشعر بضيق شديد نظراً لتطورات الأوضاع في لبنان وسوريا والعراق. فـ»إسرائيل» وحلفاؤها بدأوا يشعرون بأنهم هُزموا في معركة تغيير وجه المنطقة وفقاً لما يرغبون، بل إن ما حصل يشير إلى هزيمة مشاريع التفتيت الجديدة وفزّاعة الإرهاب التكفيري ومشروع استعمار دول المنطقة، الأمر الذي بدأ يُحبطهم ويجعلهم بحاجة لعقد الصفقات التي تمنحهم نشوة الانتصار. إذ إن الكيان الغاصب لم يعُد أمام جبهة عسكرية واحدة في جنوب لبنان، وإنما هو يرى جبهة جديدة في الجولان. كما أن غزة يمكن أن تشكل جبهة أخرى في مواجهة الكيان، إذا نشبت حرب، ولذلك فإنه يسعى لاحتوائها، لا سيما وأنه يقلق من التقارُب الحاصل بين مجمل المقاومات الفلسطينية في غزة، ومحور المقاومة. علماً بأن هذا المحور هو الوحيد الذي يقوم بتمويل حماس ومدّها بالسلاح والإشراف على تدريب العناصر، وتقديم المعلومات العلمية والتقنية اللازمة لتطوير الأسلحة في غزة.
أسئلة كثيرة ستكون مطروحة مستقبلاً، لعل أبرزها: ماذا عن تطبيع دول عربية مع العدو؟ وماذا على صعيد حق العودة واستكمال تحرير الأراضي المحتلة؟ وهل ستسلم حماس سلاحها بضغوط تركية وقطرية؟ والسؤال الأبرز: هل ستقطع هذه التسوية التقارب الحاصل بين حماس ومحور المقاومة؟ وما الفائدة التي سوف تجنيها من ذلك؟
محامٍ، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً