فارس: هو مساحة لقاء ومحبّة لترجمة إيماننا بأنّ التنمية المستدامة تنطلق من الريف معلوف: التجمّع يقوم بدور الدولة في تحسين إمكانيات أهالي القرى وتأمين فرص عملٍ ملائمةٍ لهم

رنا صادق

يلفتك بداية، ذلك الاستقبال، تلك العيون اللامعة بفرح… هناك في معرض المؤونة المنزلية لكلّ مشارك حكاية. تتوقف برهةً عند كلّ زاوية، وتسرح تارةً بطعم «رُبّ البندورة» الشهي، وطوراً بتلك الحلويات الطريّة، كما يستوقفك المشاركون أبناء القرى المختلفة كي يحدّثوك، ويخبروك قصصهم الصغيرة.

ضمن سلسلة نشاطاته الإنمائية التثقيفية والداعمة لدور المرأة القرويّة في لبنان، أقام «تجمّع النهضة النسائي» معرضاً للمؤونة في فندق «كورال بيتش» ـ بيروت على مدار ثلاثة أيام. حضر الافتتاح رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأسبق مسعد حجل وعقيلته ناديا، عضو الكتلة القومية الاجتماعية النائب د. مروان فارس، رئيسة جمعية «نور للرعاية الصحية والاجتماعية » مارلين حردان، الفنانة القديرة نضال الأشقر، إضافةً إلى جمع من ممثلات الجمعيات والهيئات النسائية في الأحزاب والقوى، وعدد من الفاعليات النسائية.

كأطفال صغار، تعامل ديما أحجارها الكريمة، لا تفارقها، تؤمن بها، جمعتها وإياها الأسرار، لا تبوح لأحد عن خفايا علاقتها بأحجارها، أتقنت عملها جهدت لأجله وتبدع فيه. تلك الأحجار تحكي قصصاً لديما بلغةٍ خاصة. أمّا سناء من قضاء البترون، تلك المرأة الصلبة، فجهدت في صناعة الفخّار اليدويّ، وكانت لها فرصة في إظهار موهبتها خلال معرض «تجمّع النهضة النسائي»، سناء تقوم بصناعة أقدم نوع من الفخّار يدوياً، صحّي لا تدخله المواد المصنّعة، يتحمّل الحرارة على اختلافها، وكان يستعمل منذ القدم في الطبخ. الفخّار يمرّ في ستّ مراحل، كلّ يوم مرحلة، العمل عليه شاقّ ومتعب، لكنه يستحق العناية والمحافظة عليه.

أمّا بديعة، ابنة مجدلبعنا الشهيرة بصناعة «ربّ البندورة» الطازج، الذي يُطبَخ على الحطب، فتنتظر المعرض من سنة إلى أخرى كي تعرض المربيات والدبس والحلويات على الزوّار.

فارس

خلال افتتاح المعرض، كانت لرئيسة التجمّع منى فارس كلمة قالت فيها: «العودة إلى الجذور»، «شغل البيت لستّ البيت»، مهما تعدّدت العناوين يبقى الجوهر نفسه، إنه الموعد السنوي الذي يلتقي فيه المنتجون بأحبابهم فيزوّدونه بأفضل ما جنت أيديهم. خلال سنة، دأب «تجمّع النهضة النسائي» على تنظيم هذا المعرض السنوي، وهو مساحة لقاء وتبادل ومحبّة، مترجماً بذلك إيماننا وقناعاتنا بأنّ التنمية المستدامة تنطلق من الريف، من الأرض فالأرض هي الأساس هي الحاضنة هي الأمّ التي تعطي من دون منّة ولا حساب. وقد برهنت الأحداث وما زالت تبرهن يومياً أنه مهما تغرّب اللبناني ومهما سافر بحثاً عن الرزق والمال، فلا مرجع ثابتاً وآمناً له إلّا أرض الوطن، تحضنه، تضمّه من دون مقابل ومن دون شروط أو إذلال. وما يحدث حولنا إلّا برهان على ذلك. لن أطيل، ولكنّني أودّ أن أخبركم أننا نتوسّع في كل المناطق اللبنانية لإبراز المنتج الخاص بكلّ منطقة، فالمؤونة والحِرف ليست مادية فقط، بل إنها تختزل الثقافة والتاريخ والعادات في مرآة المجتمع.

وتابعت: لذلك، أدعوكم إلى التجوّل والتسوق من هذ المنتجات التي صُنعت بحبّ من الجنوب إلى الشمال، من بيروت والجبل إلى البقاع، رغم كلّ الظروف التي مرّ ويمرّ بها البلد. ولكننا نحن الشعب العنيد، الشعب الجميل، نؤمن بأنفسنا وبأرضنا ونتشبث بها، وهذا المعرض موجز لنثبت الحبّ لهذا الوطن، ترجمها كلّ على طريقته من جرود القاع حيث المؤونة البلدية رغم الإرهاب الذي كان رابضاً هناك وتحرّرنا منه، إلى الكورة وعكار، إلى بعلبك الأبية حيث طرق النحاس الفريد من نوعه، إلى الجبل حيث نشاهد حكاية شابّ جامعيّ أبى إلّا أن يقوم بتجربة الإنتاج المتكامل من الأرض إلى السوق، وحيث سيدة لها حكاية حبّ مع أحجار كريمة حقيقية تبيعها مع قصص جميلة جدّاً سوف تكشفونها بأنفسكم.

وختمت فارس: هذه القصص ما كانت لتكتمل لولا الجهد الدؤوب لنساء «تجمع النهضة النسائي» وبشكل خاص أعضاء الهيئة الإدارية ديما، ندى، غادة، وفاء، راغدة، نجوى، سلام، مريم، رانيا، لهنّ كلّ الشكر، ونأمل في أن نستمرّ معاً.

معلوف

«البناء» التقت نائبة رئيسة تجمّع النهضة النسائي ديما معلوف، التي أشارت إلى أنّ معرض المؤونة بات من ركائز عمل التجمّع الأساسي ضمن سلسلة أنشطته وبرامجه التي تستهدف تنمية المرأة، بحكم الوضع الاقتصادي الضاغط والمزعج في البلاد. وبالنسبة إلى الجمعيات، تعتبر معلوف أنّ الناس شبعوا سماع الخطابات والشعارات، أولاً بحكم وجود الإنترنت وسهولة الحصول على المعلومات، ثانياً وضع الناس المعيشيّ متعب جداً خصوصاً لدى المرأة الريفية، فلا بدّ من تفعيل هذا الدور عبر خطط شاملة للتنمية الاقتصادية والبشرية.

وتضيف معلوف: شارك في المعرض أفراد من مختلف البلدات اللبنانية، حيث سمح المعرض في تأمين مزج هؤلاء فكرياً وعقائدياً ومناطقياً. وعمد تواجدهم في المعرض إلى التعرّف إلى اختلافاتهم وتقبّلها، لأن هذا البلد محكوم بتنوّع عاداته وتعدّد مكوناته، ما أنتج باقة خلّابة ومثيرة للجدل في أيّ حقل من حقول المجتمع، وهذا ما حقّقه المعرض على الأخص.

أهالي الريف لديهم شغف الابتكار في تحضير المؤونة والطعام، لذلك حاولنا خلال المعرض هذه السنة أن نُدخل الحِرف اليدوية وتنميتها وتغذيتها.

وحرصت الهئية الإدارية في التجمّع على تطعيم أفراد جدد من قرى وبلدات لبنانية، إضافةً إلى المشاركين المعتادين في المعرض، وذلك إفساحاً في المجال أمام أناس جدد لتحقيق هذا المزيج والاختلاط… تقول معلوف.

وتتابع: أجواء المعرض من اليوم الأول إلى اليوم الأخير كانت مفعمة بالحيوية، وجميلة ومريحة من النواحي كافة. كما أنّ التجمّع ينظّم دورات ومحاضرات توعوية للمشاركين قبل المعرض، بمساعدة بعض المؤسّسات، لسدّ الثغرات في العمل والتحضير. وهذه السنة قرّرنا أن يكون هذا المشروع هو المشروع الأساس للتجمّع، والعمل عليه ليصبح مشروعاً يعمل على تنمية القدرات ومساعدة الناس وخلق فرص لهم ليكون لديهم ماديات أكثر، ويكون للمرأة دور في مساعدة الزوج.

كما تضيف معلوف أنّ هذا المشروع الذي يسعى التجمّع إلى تحقيقه يقوم على التجهيزات كافّة التي تختصّ بالمؤونة. من «المرطبان»، الغلاف والغطاء، المواد موحّدة التي تحمل شعار التجمّع، وذلك سعياً إلى خلق فرصة لتصدير المنتوجات إلى الخارج، وليس تسويقها فقط في لبنان. كما أنّ المتطوّعات في دعم أيّ مشروع وهنّ من نساء التجمّع، يقمن بدور كبير وفاعل مادياً ومعنوياً، من أجل تحسين العمل ودفعه إلى الأمام وإظهاره وتقديمه بأنسب الطرق، وذلك بحكم إيمانهن بالأرض وخصوبتها وبالشعب، وإيمانهن من خلال معتقداتهن بأنّ هذه الأرض لا تستمرّ إلّا من خلال أهلها وأصحابها.

وختمت معلوف: المعرض جزء من أعمال التجمّع المهمة، في سبيل حماية ودعم المزارعين وأهالي القرى. التجمّع كجمعية اجتماعية يعمل على التنمية المستدامة، ويقوم بأعمال الدولة فعلياً، إذ إنّ الجمعيات الأهلية ـ و«تجمّع النهضة النسائي» واحدة منها ـ تقوم بعمل الدولة من ناحية تحسين الإمكانيات وإعطاء حافز للجميع لتأمين فرص عمل ملائمة لهم. وأيّ مؤسّسة لبنانية تقوم بعملها الصحيح هي تقوم بهذا الدور عن الدولة. حيث يجب على الدولة تشجيع هؤلاء ودعم هذه المشاريع الإنمائية مادياً. ماذا تفعل هذه الدولة؟ الأراضي الزراعية متلفة، لا معين ولا مجيب لمطالب أهالي القرى، لا زراعة ولا إنتاج، لأنّ المزارعين لا إمكانيات لديهم لاستصلاح أراضيهم واستثمارها، وعلى الدولة أن تقوم بهذا الدور.

وتؤكد معلوف أنّ التجمّع سينجح في الخطّط التي وضعها مسبقاً لهذا المشروع لأنه يدخل في تفصيل التفاصيل للمشروع، والدليل نجاح المعرض سنة بعد سنة. تميّز المعرض هذه السنة بالإشارة إلى المشارك وقريته، تسهيلاً للحصول على منتوجات المؤونة، ويحفظ زوّار المعرض أنواع وأصناف المؤونة وأماكن إنتاجها.

وتشير معلوف إلى أنها أمضت جلّ عمرها في التجمّع، ولم تتوانَ يوماً عن العطاء في سبيل أيّ مشروع يقيمه التجمّع، بل كانت سبّاقة دائماً إلى أخذ الفعل على عاتقها، حتى بات هذا العمل جزءاً لا يتجزأ من حياتها اليومية. كما لفتت إلى أنها أسّست منذ فترة وجيزة جمعية «ملاذ» في مجدلبعنا التي تعنى بالمرضى وكبار السنّ الذين لا معيل لهم، وتعمل وأهالي القرية على تأمين الظروف الملائمة والاحتياجات الطبية اللازمة للحفاظ على كرامة كلّ مريض ومحتاج.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى