خمسة وثمانون عاماً.. وسنبقى
يكتبها الياس عشي
في السادسَ عشرَ من تشرين الثاني عام اثنين وثلاثين بعد التسعمئة والألف، حدث أن خرج إلى الناس رجل في العقد الثالث، ربْعُ القامة، واسع الجبين، حادّ النظرات، معقودُ الحاجبين، حنطيّ اللون، سوريّ الملامح، لبق الحديث، جدليّ، محاور رجل يحمل في جعبته مشروع أمّة، ويحمل في قسماته وجع هذه الأمة…
إنه أنطون سعاده، رجل من لبنان، رفض أن يحنيَ قامته، فغرز عينيه في الشمس، ورفض أن يقول «نعم»، فانتهى شهيداً على رمال بيروت، ثمّ سكن فينا إلى الأبد.
أنطون سعاده آمن بفكرة، وأسّس حزباً لنكون واحداً، فصرنا شيعاً.
قال لنا: كونوا أقوياء وسأسير بكم إلى النصر، فتآمر عليه يهود الداخل ويهود الخارج واغتالوه ورغم ذلك.. بل على الرغم من كلّ ذلك، فأنطون سعاده ما زال معنا، يشدّنا إليه.. يحفزنا كي ننتصر.. وسننتصر لأنه القائل: «إنّ فينا قوّة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ»، وسنغيّر وجه التاريخ.
قد يتداعى جيل.. جيلان.. لكنّ الأجيال القادمة، وقد خاطبها سعاده، تماهت في العقيدة، ورحلت في الوجدان، وكان لها حضور على خارطة الأمّة السوريّة: لن تبقى أمّتنا أمماً.. ولا حزبنا شيعاً.. ولا شعوبنا طوائف..
لقد انتصرت المسيحية بتلاميذ المسيح، وانتصرت المحمديّة بالصحابة والتابعين، والاثنتان قويتان بشهدائهما. ونحن تلاميذ سعاده، سننتصر لأنّ شهداءنا مسكونون فينا.
مقاطع من محاضرة ألقيت في مديرية طرطوس.