تفاصيل صفقة تهريب آلاف «الـدواعش» بحماية أميركية
كشفت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن تفاصيل صفقةٍ سرّيةٍ سمحت للمئات من مقاتلي تنظيم «داعش» وأسرهم بالخروج من الرقة على مرأى من قوات التحالف الخاضعة لقيادة أميركية – بريطانية، والقوات التي يقودها الأكراد الذين يسيطرون على المدينة.
وشملت قافلة المُرحَّلين من المدينة بعض أشهر أعضاء التنظيم، وعشرات المقاتلين الأجانب، بالرغم من تأكيد الأطراف المعنيّة سلفاً على عدم السماح لهم بالمغادرة أحياء. وانتشر بعض المُرحَّلين في جميع أنحاء سورية، حتى أنّهم وصلوا إلى أبعد من ذلك وذهبوا إلى تركيا.
وتمَّت الصفقة التي تقتضي السماح لمقاتلي تنظيم «داعش» بالخروج من الرقة، التي أعلنوها عاصمةً للخلافة بحكم الأمر الواقع، بترتيبٍ من مسؤولين محليّين. وجاء ذلك بعد 4 أشهر من القتال الذي ترك المدينة مُدمَّرةً تماماً وشبه خالية من الناس. ومن شأن ذلك أن يُنقذ أرواحاً، ويُنهي القتال. إذ ستُنقَذ حياة المقاتلين العرب والأكراد والمقاتلين الآخرين المعارضين لـ»داعش»، ولكنَّ ذلك مكَّنَ أيضاً مئات من تنظيم «داعش» من الفرار من المدينة. وفي الوقت نفسه، لم يكن التحالف الخاضع لقيادةٍ أميركية – بريطانية، ولا «قوات سورية الديمقراطية» المدعومة من التحالف، يريدان الاعتراف بدورهما في الصفقة.
هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تحدَّثت إلى عشراتٍ من الأشخاص الذين كانوا على متن الشاحنات، أو لاحظوها، وإلى الرجال الذين تفاوضوا على الصفقة.
وأعلنت «قوات سورية الديمقراطية»، أنَّه لم يتمكَّن سوى بضعة عشراتٍ من المقاتلين من مغادرة المدينة، وجميعهم من السكان المحلّيين، ولكنَّ أحد سائقي الشاحنات قال إنَّ ذلك ليس صحيحاً. وأوضح: «اصطحبنا نحو 4 آلاف شخصٍ من بينهم نساءٌ وأطفال في سياراتنا وسيارات التنظيم. حين دخلنا الرقة، كنَّا نظنّ أنّ عدد الأشخاص الذين سنحملهم يبلغ 200 شخص، ولكنّني حملت في شاحنتي وحدها 112 شخصاً». وقال سائقٌ آخر، إنَّ طول القافلة كان يتراوح بين ستة كيلومتراتٍ وسبعة كيلومترات، وكانت تضمّ نحو 50 شاحنة، و13 حافلة، وأكثر من 100 سيارة تابعة لتنظيم «داعش». وكان بعض مقاتلي «داعش» المُلثَّمين يجلسون بتبجُّحٍ على أسطح بعض السيارات. ومع أنَّ الاتفاق كان يسمح باصطحاب الأسلحة الشخصية فقط، أخذ مقاتلو «داعش» كلّ ما يمكنهم حمله، إذ كان هناك عشر شاحناتٍ محمَّلة بأسلحة وذخائر.
وعلى طول الطريق، قال الكثيرون ممّن تحدَّثت معهم «بي بي سي» إنَّهم كانوا يسمعون أصوات طائرات تابعة لقوات التحالف، وطائرات بدون طيار في بعض الأحيان، بعد مرور القافلة عليهم تُلقي بقنابل إنارة لإضاءة الطريق أمام القافلة.
ويقول تقرير «بي بي سي»، إنّ الكثير مخفيّ تحت أنقاض الرقة، والأكاذيب حول هذه الصفقة كان من الممكن أن تُدفَن بسهولة أيضاً هناك. فاقت أرقام المغادرين تلك الأرقام التي صرَّح بها شيوخ القبائل المحلّيين، ففي البداية رفض الائتلاف الاعتراف بحجم الصفقة.
وفى ضوء التحقيق الذي أجرته «بي بي سي»، اعترف التحالف بدوره فى الاتفاق الذي سمح لنحو 250 مقاتلاً من تنظيم «داعش» بمغادرة الرقة مع 3500 فردٍ من أفراد أسرهم. وقال العقيد ريان ديلون، المتحدث بِاسم عملية «العزم الصلب» التي يخوضها التحالف الغربي ضدّ «داعش»: «لم نكن نريد مغادرة أي شخص». وأضاف: «ولكنَّ صميم استراتيجيتنا خاضعٌ خضوعاً تامّاً لقادة محلّيين على الأرض. إذ يتعلَّق الأمر بالسوريّين، فَهُم الذين يقاتلون ويموتون، وهم الذين يتّخذون القرارات المتعلّقة بالعمليات». هذا، وشجب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم سماح الولايات المتحدة لمسلّحي «داعش» بمغادرة الرقة خلال عملية تحريرها مع سلاحهم، في حين قالت الخارجيّة التركية إنّ أنقرة «مصدومة» بسبب موقف وزارة الدفاع الأميركية من اتفاق بين «وحدات حماية الشعب» السوريّة الكردية المنضوية تحت لواء «قسد» و»داعش» على انسحاب مقاتلي التنظيم من الرقة. وأشارت الوزارة التركية إلى أنّ انسحاب مسلّحي «داعش» من الرقة «مزعج للغاية» وتطوّر «تجدر ملاحظته».