أبعاد الاتفاق الأميركي ــ الروسي الجديد

أسامة العرب

أعلنت الرئاسة الروسية أنّ الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين استبعدا الخيار العسكري لحلّ الأزمة في سورية، واتفقا على أنّ معالجة الأزمة ستتمّ في إطار ما يُعرف باسم محادثات جنيف، وذلك عقب لقاء بين الرئيسين في مدينة دانانغ الفيتنامية، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ آبيك . وأشار الكرملين في بيان له إلى استمرار دعم بوتين وترامب لاتفاق مناطق خفض التوتر في سورية، وأنهما طالبا أعضاء الأمم المتحدة بتعزيز مساعداتهم الإنسانية إلى سورية. كما قال الرئيس الأميركي للصحافيين: «توصّلنا للاتفاق بسرعة بالغة سينقذ هذا عدداً هائلاً من الأرواح».

وقد كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» «الإسرائيلية»، الأربعاء الماضي، عن وجود هلع في «إسرائيل» من الاتفاق الروسي الأميركي الجديد، وبأنّ مصادر أميركية مطلعة، أفادت الصحيفة أنّ الاتفاق الحالي يحدّد عملياً أنّ القوات الإيرانية وأعوانها ستنتشر في غالبية أنحاء الجولان فقط على مسافة لا تقلّ عن 15 كم من الحدود التاخمة للجولان المحتلّ، أما في شمال الجولان، وبشكل أساسي حول قرية حضر، فسينتشر الجيش السوري على مسافة 5 كيلومترات عن الحدود. ولذلك، تقول الصحيفة إنّ على الولايات المتحدة في المؤتمر الذي سيُعقد قريباً في جنيف، حول التسوية الدائمة في سورية، الأخذ بالمطلب «الإسرائيلي» من أجل إبعاد القوات الموالية لإيران مسافة 40 كم على الأقلّ عن الجانب المحتلّ من الجولان. وبالتالي، يُلاحَظ بأنّ الاتفاق الروسي الأميركي لا يلحظ مدّة زمنية لإبعاد محور المقاومة عن حدود التماس مع «إسرائيل»، ولا حتى خط أزرق أو مسافة بعيدة المدى يجب الالتزام بها، وهذا ما يُقلق حكومة العدو. كما أنّ خشية «إسرائيل» تتفاقم بسبب اللّحمة التي تحققت بين إيران وسورية والعراق ولبنان بعد انهيار مشاريع التقسيم، وزوال الإرهاب الصهيو – تكفيري، الأمر الذي دفع «إسرائيل» لمواجهة تحدّيات لا يُستهان بها، خصوصاً بفعل تراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط. لا بل حتى المراقبون الدوليون يقولون بأنّ الولايات المتحدة لن تسعى إلى مزاحمة روسيا في قيادة الحلّ السياسي في سورية أو في العراق، وربما لذلك بتنا نرى في المقلب الآخر الامتعاض لدى مسعود البرزاني، الذي أعلن بأنه لن يستمرّ بمنصبه بعد الأول من تشرين الثاني، بعدما انهار مشروعه التقسيمي المسمّى باستفتاء الاستقلال.

أما القناة الثانية في التلفزيون «الإسرائيلي» فقد أشارت عن حالة القلق التي تعيشها المؤسسة العسكرية، ما أدّى إلى قيام رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزينكوت بالاجتماع سراً في العاصمة البلجيكية، بروكسل ولمرتين خلال عشرة أيام، مع قائد القوات الأميركية في أوروبا الجنرال كيرتيس سكيبروتي لبحث التطورات العسكرية في سورية والشرق الأوسط، حيث دار الحوار بينهما حول أنّ أيّ اتفاق تسوية دائمة في سورية، يجب أن يبقي قواعد فك الاشتباك بين «إسرائيل» وسورية من عام 1974 من دون أيّ تغيير. أيّ أنه إلى جانب وجود الشريط الفاصل منزوع السلاح من على الجانبين، يجب الإبقاء على شريطين إضافيين من كلا الجانبين بعرض 20 كم لا يسمح بالاحتفاظ فيهما بقوات عسكرية أو عتاد عسكري هجومي، وهو شرط يتجاوب مع المطلب «الإسرائيلي» بإبقاء محور المقاومة على مسافة 40 كم من خط التماس.

واللافت حقيقةً هو حجم الصدمة التي حلّت على دولة الاحتلال، فور سماعها بتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنّ شروط وقف إطلاق النار لا تشمل التزاماً روسياً لضمان انسحاب القوات الإيرانية وحزب الله من سورية، حيث سارع وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان للإعلان عن أنّ حكومته لن تقبل بوجود إيران في سورية ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ برعاية روسية أميركية، والذي ورد أنه يسمح لحزب الله المدعوم من إيران البقاء في سورية. وأضاف أثناء تفقده لقوات من الجيش «الإسرائيلي» على التخوم مع سورية :«لن نسمح بالتجذّر الإيراني في سورية. ولن نسمح لكامل سورية أن تصبح قاعدة عمليات ضدّ دولة «إسرائيل». من لا يفهم ذلك، يجب أن يفهمه». فيما نقل عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله بأنه كان على الولايات المتحدة أن تمنع إعادة ترميم الصناعات العسكرية السورية، وتمنع الوجود العسكري الإيراني في سورية، بما يشمل حزب الله، وأن تكون الجهة الضامنة للاتفاق من خلال نشر قوات عسكرية مراقبة، غير روسية. الأمر الذي يظهر مدى عجز «الإسرائيلي» بضمان أمنه أو حماية حدوده، وانهيار شوكته بعدما تبدّدت مصداقيته بالقدرة على اللجوء إلى الخيارات العسكرية لفرض المعادلات.

لعلّ أوّل ما يتبدّى للعيان أنّ «إسرائيل» ليست سوى كيان غاضب محتلّ وضعيف، تعيش على الدعم الأميركي، فإذا ما انهار هذا الدعم وتغيّرت الموازين، لبدا واضحاً كيف أنّ أسطورة الجيش الذي لا يُقهر ليست سوى أسطورة نفسية وهمية وخيالية، بعيدة كلّ البعد عن النسيج الواقعي. إنّ الانتصار الذي تحقق على الإرهاب وعلى مشاريع الفوضى الخلاقة قلب موازين القوى رأساً على عقب وأعاد هيكلة هذه المفاهيم والقواعد مرة أخرى. ومن أهمّ النتائج التي تحققت على أرض الواقع اعتراف القوى الدولية بوحدة الأراضي العراقية والسورية، وسيادة هذه الدول الكاملة على أراضيها، وهو ما يستتبع حكماً انهيار الحلم «الإسرائيلي» بأسرلة الأراضي العربية المحتلة وبجعل الجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة جزءاً لا يتجزأ من الأراضي «الإسرائيلية»، كما صرّح نتنياهو العام الماضي. لا بل حتى وزيرة النهب والسرقة «الإسرائيلية» ميري ريغاف لن يعود بإمكانها أن ترتدي فساتينها المزخرفة في المهرجانات الدولية، والتي عليها صور مدينة القدس القديمة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة. ولا حتى التحالفات الإقليمية المستجدّة بات بإمكانها أن تطمس القضية الفلسطينية أو أن تؤدّي إلى انحراف مسيرتها عن المنحى الطبيعي، أو تهميشها من أجل هضم الحقوق المشروعة والمكرّسة بالمواثيق الدولية والقرارات الأممية.

علاوة على ذلك، إنّ الجميع ينظر اليوم إلى التحوّلات الجيوسياسية الكبرى في المنطقة، خصوصاً بعدما بات هنالك قوة إقليمية وازنة في مواجهة «إسرائيل» وحلفائها، علماً بأنّ هذا التفتت بالمعالم والانقسام الجغرافي لم يأت صدفة، وإنما هو نتاج صراع طويل المدى مع العدو ويعود بعمقه التاريخي إلى جوهر القضية الفلسطينية وإلى محاولات كسر قيود الهيمنة الخارجية على منطقتنا، وإعادة الحرية لأبنائها. وبعد معاناة طويلة، يمكننا القول بأنّ تضحيات الشهداء والمقاومين الأبطال أثمرت أوطاناً، وكسرت أغلالاً لا تعدّ ولا تُحصى، وأعادت الكرامة والعزة المفقودتين إلى الشعوب المستضعفة. غير أنّ مسيرة الكفاح من أجل الحرية هي مسيرة طويلة، وقَسَمها الوفاء، سواء أكان ذلك الوفاء من أجل الأطفال المسجونين في معتقلات الاحتلال، أو الوفاء من أجل المراهقين الذين تتمّ تصفيتهم بدماء باردة، أو الوفاء من أجل المقدّسات والأوطان. فمخطئ من يظنّ بأنّ كلّ هذه الدماء التي بذلت من أجل القضية، وكلّ هذا الكمّ من الشهداء والجرحى والأسرى، يمكن اختصاره بصفقة أو بقسمة مغانم. ذلك أنّ القضية هي لمن يستحقها، ومن هو مستعدّ لبذل الغالي والنفيس من أجلها، لا لمن هو قابع يوقّع التنازلات ويبرم الصفقات ويبيع ما لا يملك. ونختم بالقول، إنْ عجزت عن قول الحق.. فلا تصفّق للباطل!

محامٍ، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى