الموسيقية جمان عمران: الموسيقى السورية تقاوم الظروف الصعبة
محمد سمير طحان
تجتهد عازفة البيانو جمان عمران لحجز مكان لها على الخارطة الموسيقيّة السورية من خلال مشاركتها في الحفلات الموسيقيّة الكلاسيكية إلى جانب تدريسها العزف على آلة البيانو لفئات عمرية متنوّعة، وللتعرّف إلى مشروعها الموسيقي كان هذا الحوار معها.
تقول عمران عن علاقتها بالعزف إنّها تختلف بحسب المراحل العمرية التي مررت بها، ففي مراحل الطفولة كانت آلة البيانو مجرد آلة موسيقية تمتلك صوتاً يستهويني، وتمنّيت كطفلة أن يأتي يوم وأتمكّن فيه من العزف عليها باحتراف كامل. يوماً بعد يوم أصبحت هذه الآلة جزءاً من كياني وحياتي بسبب روتين وحتمية التدريب اليومي، ثم بدأت تعني لي بشكل شخصي وكأنها شيء لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن خلال سنوات الدراسة وما بعدها أصبحت هذه العلاقة أكثر نضجاً بعد أن بدأت أدرك وبشكل علمي ما يقدّمه التدريب اليومي على هذه الآلة للدماغ البشري وخاصة في مرحلة الطفولة.
يكمن مشروع عمران وطموحها بأن تكون من بين الذين يعملون على إبقاء الموسيقى الكلاسيكية مألوفة بين الجمهور الشرقي، سواء من خلال الحفلات التي تقدّمها أم من خلال الدروس التي تعطيها لطلابها، ليصبح هذا النوع من الموسيقى جزءاً بسيطاً من كيان الطلاب الذين تدرسهم، خصوصاً أنّ بعد الأزمة هناك جيل لا يعرف، أو لم تسمح له الفرص بالتعرّف أو الاستماع إلى هذا النوع من الموسيقى رغم وسائل التواصل، لأنها موجّهة لتسويق نمط معين من الموسيقى بحسب عمران. واليوم ما زالت في الخطوات الأولى من هذا المشروع لأنه يحتاج إلى الكثير من العمل والتحضير وأهم شيء هو التحلي بالصبر.
هي عازفة ومدرّبة موسيقى، حيث تشير إلى أنها في فترة معينة ظنّت أنّها عازفة فقط أو هذا ما كانت توحيه لها نفسها الداخلية، إلى أنّ اكتشفت أنّها قادرة على العطاء في مجال التدريب الموسيقي والعزف. كما أنّ كلا المجالين يرفدان بعضهما ليصبّا في النهاية في بوتقة واحدة وهي الذات، مع كلّ ما يحمله ويتطلّبه كل مجال من جهد وتعب واستنزاف للجسد والذهن.
استفادت عمران من كونها مدرّبة، إذ إنّ هذا المجال أعطاها الفرصة لتصبح نفسها وناقدتها، والنظر إلى أيّ عمل موسيقي تقوم به من وجهة نظر المراقب والناقد، والبحث لوضع الحلول لأيّ خطأ أو ضعف. إضافة إلى أنها تتعلّم في كثير من الأحيان من أخطاء طلابها، ما يحفّز دماغها لفهم ماهية هذه الأخطاء وأسبابها. ليس بالضرورة أن تكون الأخطاء نتيجة قلّة في التدريب أو في استيعاب المعلومة فقط، بل من الممكن أن تكون ناجمة عن خطأ في طريقة التفكير ومعالجة المعلومة، أو حتى في الافتقار أحياناً إلى إمكانية الربط بينهما.
الأزمة السورية تركت طابعاً وأثراً لدى كلّ فنّان سوري بشكلٍ أو بآخر، حيث تقول عمران في هذا الصد إنّ الأزمة أنتجت شعوراً بالتحدّي لديها، رغم صعوبة الظروف في كل نواحي الحياة، لا الموسيقى فقط. الأزمة بكامل ثقلها بما تحمله من أمور سلبية ولّدت دافعاً للعمل أكثر ومحاولة تحقيق شيء ما سواء على صعيد التدريس أو العزف أو التدريب. فلم تدفعها الأزمة إلى الاستسلام لقساوة الظروف وللمشاعر السلبية التي يولّدها أيّ خبر سيّئ أو تفجير أو حتى قصص الموت المحيطة بنا، لتدرك أحياناً أننا على طرف حفرة من الموت، فما الذي تستطيع تقديمه في هذه اللحظة سواء على الصعيد النفسي لذاتها لتنتشلها من قساوة الواقع أو على الصعيد الاجتماعي الذي يحيط بها؟
الموسيقى جزء من الحالة الثقافية في المجتمع، ومن الطبيعي أن تتأثر بأيّ أزمة يمرّ بها هذا المجتمع، وعند الإطلاع على واقعنا الموسيقي نجد أنه رغم كل الظروف استطاع مقاومة جزء كبير من هذه الظروف السلبية في حين ما زالت الموسيقى تتقدّم ولو ببطء في بعض الأحيان، إلّا أنّها ما زالت حيّة بحسب عمران.
هناك اجتهاد كبير للفرق الموسيقيّة السورية سواء ذات الصبغة العربية أو الغربية لتقديم مادة فنّية للجمهور، خاصة أن هناك إقبالًا كبيراً على الحفلات كنوع من الخروج من الواقع الذي نعيشه، لكنّها حتى تستمر تحتاج لأن تكون لديها القدرة لفهم ما الذي يشدّ الجمهور، والانطلاق من الموروث وتجديده، وفي الحقيقة معظم الفرق تقوم بهذا الدور في محاولة للارتقاء بالذوق العام.
تعتبر عمران أن المستقبل يحمل خفايا إيجابية للموسيقى، لذا هي متفائلة بذلك. باعتبارها أنّه ما زال هناك موسيقيّون يحاولون رغم كل الظروف تقديم شيء ولو بسيط سواء على صعيد التدريس أو التأليف أو العزف. وتقول: ما زاد من أملي في المستقبل أنّ حماسة الأهالي الذين يُدخلون أولادهم لتعلّم الموسيقى، في حين ان العدد في تزايد مستمرّ رغم قسوة الظروف وصعوباتها، وهي بمثابة دعوة لعدم الاستسلام، يجب أن تستمر الحياة على هذه الأرض فسورية مهد الحضارات ويجب أن تبقى كذلك.
يشار إلى أنّ الموسيقيّة جمان عمران من مواليد دمشق، وهي خرّيجة المعهدين «العربي» و«العالي» للموسيقى، اختصاص بيانو. تحمل إجازة في الأدب الانكليزي وماجستير تأهيل وتخصّص في التربية الموسيقيّة من جامعة دمشق، مارست التدريس لمادة الموسيقى منذ عام 2005 ودرست الصولفاج والعزف على آلة البيانو في «معهد صلحي الوادي».
شاركت عمران بحفل بيانو ثنائي ضمن فعاليات أسبوع البيانو في «دار الأسد للثقافة والفنون» في دمشق مع الخبيرة الروسية سفيتلانا، وشاركت بحفل مع الفرقة السمفونية الوطنية السورية كعازفة بيانو سولو بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، وقدّمت مؤخراً حفلاً موسيقيّاً إلى جانب عازف الباصون طوني الأمير في «دار الأسد».