حرب على إيران بعقال سعوديّ على رأس حاخام أميركيّ
د. وفيق إبراهيم
الحرب على إيران أصبحت مقرّرة، والإعداد لها على قدم وساق، لكنّها قد ترتدي أشكالاً سياسية غير مسبوقة، وتشكيل تحالفات بموازاة صدامات عسكرية متنوّعة مع حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن. أمّا العراق، فالعمل جارٍ على إثارة الأحقاد المتفجّرة بين قواه الشيعية لجهة اختلاق صراع على النفوذ والحكم بين قياداته العبادي، المالكي، الصدر، الحكيم، الجعفري إلخ… ، فيما تتصاعد المحاولات لإثارة منافسات عميقة في سورية بين الدورين الروسي والإيراني فيها، مقابل تصعيد عسكري في الغارات «الإسرائيلية» على أهداف لإيران وحزب الله والمنظّمات الجهادية، وذلك في ما يمكن اعتباره رسائل أميركية «إسرائيلية» بقبول الدور الروسي في بلاد الشام، ورفض وجود الآخرين، أيّ إيران.
يتطلّب هذا السيناريو وجود قوم من البسطاء على شاكلة حكّام الدول العربية، يجتمعون بذريعة وجود خطر إيراني على العالم العربي الذي تنخره القواعد العسكرية الأميركية من شرقه إلى غربه، واعتداءات «إسرائيل» والتخلّف والجهل والأمّية في أنظمة القرون الوسطى.
ويعلنون أنّ حزب الله تنظيم إرهابي يعمل في خدمة المشروع الإيراني الإرهابي بدوره، موفّرين بذلك غطاءً قانونياً وشرعياً لحروب «إسرائيلية» وأميركية على كلّ مَن ترى فيه الخطة الأميركية ملامح غير متأمركة لا ترتدي عقالاً خليجياً.
لماذا هذه الخطة الآن؟
على المستوى الأميركي، هناك إصرار على منع الترجمة السياسية لانتصارات المحور الروسي الإيراني السوري والعراقي مع حزب الله والتنظيمات الجهادية في سورية والعراق، لأنّها تؤدّي مباشرة إلى ضرورة الاعتراف الأميركي بصعود روسي صاروخي يتدحرج بسرعة لكسر احتكار القوة الأميركي الذي يُمسك بالعالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989.
لذلك، فهي محاولة أميركية لمنع قيام عالم متعدّد الأقطاب والمرجعيات، من خلال بوابة الانتصارات في المشرق. وإذا كانت روسيا ليست قوية على المستوى الاقتصادي، فهي تمتلك ترسانة هائلة من السلاح تضاهي مثيلتها الأميركية، وبوسعها دفع موسكو إلى مواقع ريادية اقتصادياً. أمّا على مستوى إيران، فكانت السياسة الأميركية تطمح بعد توقيع الاتفاق النووي معها إلى تحقيق تقارب سياسي بين بلديهما، أو لجم التطوّر الإقليمي الإيراني الذي امتدّ على مساحات كبيرة على الأقلّ، فلم تحقق شيئاً من الهدفين، إلا أنّها وبالتعاون مع السعودية، نجحت في إثارة خلافات سنية شيعية سمحت للإرهاب بالنمو السريع مستفيداً من التأييد السعودي الأميركي القائم على إثارة البغضاء الطائفية بين المذهبين… ما جعل حركة إيران تتركّز قسراً في إطار تفاعلات «شيعة الشرق الأوسط»، إنّما بمشاريع إسلامية عامّة يستفيد منها السنّي والشيعي والمسيحي، ما أدّى إلى تمدّدها على مساحات كبيرة شملت أفغانستان وباكستان وشيعة الهند والعراق واليمن وسورية ولبنان، لكنّها بنت أيضاً علاقات عميقة مع الفلسطينيين والسنّة على أساس الدعم المطلق للقضية الفلسطينية ومجابهة النفوذ الأميركي.
وكما لم تعترف واشنطن بالدور المرجعي الروسي، وتصرّ على دور سوريّ صغير له، تعادي الدور الإيراني وتحارب من أجل إلغائه، لأنّها تعتقد أنّ التحالف بين روسيا طموحة إلى العودة إلى الفضاءات السوفياتية… وأكثر، وإيران متجذّرة في العالم الإسلامي، إنما يخلخل مداميك النفوذ الأميركي إسلامياً، وبالتالي اقتصادياً على مستويَي الاستهلاك والطاقة الجديدة.
هذا ما يجعل من اجتماع وزراء خارجية العرب في الجامعة العربية مجرّد لقاء بين دُمى تستسلم للمطالب الأميركية كي تحمي دولها وأنظمتها ومراكزها، غير عابئة بمصالح شعوبها.
أليس مذلاً أن يقول وزير الخارجية البحريني: «نحن نعتمد على أساطيل الأصدقاء وجيوشهم لنحمي أنفسنا»؟
وإذا كانت أهداف السياسة الأميركية واضحة وتلبّي مصالح دولتها والطبقات المسيطرة، فما مصلحة آل سعود في كسر التضامن الإسلامي والعربي وتحويل اليمن أنقاضاً، وضرب حزب الله والحشد الشعبي؟
ما هي مصلحة دول الخليج في الذهاب إلى هذا الحدّ من العداء؟
إنّها تدافع عن هيمنتها على أنظمة البترو دولار في مرحلة تحوّل استراتيجية تعتقد أنّها لن تنجو منها إلا بالأساطيل والقواعد الأميركية، فوسائل الاتصال الاجتماعي كشفت مدى استئثارهم بمال النفط وإنفاقه على الملذّات.
وبالمقارنة المبيِّنة لحجم الفضيحة، يمكن استحضار اليابان وألمانيا اللتين دمّرتهما القوات الأميركية في الحرب العالمية الثانية، ولا تمتلكان نفطاً أو موارد أوّلية أخرى… هذان البلدان، وبواسطة العقل العلمي والديموغرافية، يحتلان اليوم رأس القوى الاقتصادية في العالم، وتوجد فيهما حتى اليوم قواعد أميركية ترابط منذ الحرب العالمية الثانية كدليل على انتصارها.
فأين عرب النفط من هذا الأمر؟ يملكون أموال قارون، ولا يصنعون إبرة أو عقالاً، مبدّدين أعظم ثروات في التاريخ على الملذّات وفي خدمة الغرب، بذريعة أنّ هذه أموالهم وهم أحرار في إنفاقها.
ويتكرّر مشهد الحسين بن علي الذي ساند القوات البريطانية التي احتلّت العالم العربي منذ الحرب العالمية الأولى، لأنها وعدته بمُلك له في المشرق، وأخيراً باعته وقسّمت المنطقة وأعطت فلسطين لليهود. لذلك فإنّ تأمّلاً دقيقاً للأوضاع يكشف أنّ عدو المنطقة ليس إيران، بل الذي يستنزف إمكاناتها الاقتصادية مصرّاً على بقائها ضمن أُطر الاستهلاك، ومسارعاً للسيطرة على مناطق الغاز، أي الوقود الجديد فيها على جثث العرب والفلسطينيين والسنّة والشيعة.
ألَيس غريباً أن يعلن العرب حزب الله تنظيماً إرهابياً في الوقت نفسه الذي حرّر التحالف الروسي الإيراني مع حزب الله آخر مدينة سوريّة يحتلّها «داعش» والإرهاب قرب الحدود العراقية السورية؟ أليس مُذلاً مشاهدة الأميركيين وهم يؤمّنون تغطية الإرهابيين الفارّين من البوكمال نحو شرق الفرات، معيدين تنظيمهم في إطار قوات «قسد» الكردية المحسوبة على الأميركيين؟
هذه هي الخطة الأميركية السعودية الجديدة؟ ولا شكّ في أنّ الخطة المقابلة تصرّ على تأكيد النصر الكبير بالمزيد من المجابهة، مع رفض كلّ توجّه نحو الفتن المذهبية والإصرار على أنّ الصراع مع الأميركيين وملحقاتهم… الأسماء تختلف بمضامين واحدة، تؤكّد مجدّداً على أنّ هؤلاء هم أحفاد أبي رغال وأنور السادات، ولا مكان لهم على الصفحات المشرّفة من التاريخ المخصّصة لأمثال السيد حسن نصرالله وحلفائه في المنطقة.