بوتين والأسد من موقع المنتصر لحلّ سياسي يستوعب الأكراد ويُخرج تركيا وأميركا بعد 440 ساعة الحريري في بيروت… وعون: استعادة رئيس الحكومة معركة سيادية
كتب المحرّر السياسي
تزاحمت الأحداث والمواقف بصورة فرضت قراءتها في سياق يسمح بفهمها ضمن سياق منسجم رغم تناقضها الظاهر أحياناً. فالاتصالات التي أجراها كلّ من الرئيسين الروسي والفرنسي مع زعماء العالم والمنطقة، حول المسارين السوري واللبناني، تحت عناوين صناعة التسويات وتكريس الاستقرار، تغلب كلّ التوقعات بموجات من التصعيد التي قد توحي بها تصريحات ومواقف أطراف، ربما ليست بصورة التوافقات الكبرى وحجمها، وتظن أنّ أمامها هوامش لخوض حروب صغيرة قبل اكتمال المشهد النهائي.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتفرّغ من منتجع سوتشي لرسم خريطة طريق نهاية الحرب في سورية، رسم مع حليفه الرئيس السوري بشار الأسد شارة النصر على الإرهاب، لفتح الطريق أمام حلّ سياسي يستوعب الأكراد ويُخرج القوات التركية والأميركية من الجغرافيا السورية، وهو الحلّ الذي يقوم على التمهيد بدستور جديد وانتخابات رئاسية ونيابية، والذي توافق عليه الرئيس الروسي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب على هامش قمة فيتنام لمنتدى آسيا والمحيط الهادئ «آبيك» قبل أيام، والذي سيكون موضع حوار يجمع الرئيس بوتين مع نظيريه التركي رجب أردوغان والإيراني الشيخ حسن روحاني في سوتشي اليوم، بعدما كان موضوع اتصالات أجراها بوتين بالرئيس الأميركي والملك السعودي والرئيس المصري، تضمّنت المشاورات الجارية في الرياض لإعادة صياغة هيكلية الوفد المفاوض للمعارضة نحو محادثات جنيف، لجهة السقف السياسي وتركيبة الوفد، بعدما نفّذ السعوديون نصف تعهّداتهم فأزاحوا رموز الهيئة الذين وضعت سورية عليهم فيتو كشركاء محتملين في الحلّ السياسي، وبقي النصف الثاني في تظهير الوفد الجديد وسقفه السياسي الجديد.
في المقابل كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتابع اتصالاته لصيانة الاستقرار اللبناني عبر السعي لإنشاء شبكة أمان دولية إقليمية تتمسك بهذا الاستقرار، ترجمها باتصالات شملت الملك السعودي وولي عهده والرئيس المصري والرئيس الإيراني ورئيس حكومة الاحتلال، بصورة بدت متّسقة مع المساعي التي يقودها الرئيس الروسي لوضع خريطة الطريق لإعلان نهاية الحرب في سورية.
في لبنان، وصل قبيل منتصف الليل رئيس الحكومة سعد الحريري بعد 440 ساعة على إعلان استقالته من العاصمة السعودية وانقطاع أخباره، قبل أن يتمكّن لبنان من تحريك المجتمع الدولي وطرح قضية رئيس حكومته المحتجز، وانطلاق المبادرة الفرنسية بنتيجة ذلك التي توّجت بانتقال الحريري إلى باريس ومنها إلى القاهرة فنيقوسيا قبل أن تحطّ طائرته في بيروت.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي خاطب اللبنانيين في عيد الاستقلال، مؤكداً الحرص على الاستقرار، وتفادي الأزمات والمواجهات، لكن ضمن ثابتتين، لن ننصاع لما يأخذنا إلى الفتنة، ولن نتنازل عن ذرة من السيادة، واستعادة رئيس الحكومة كانت معركة من معارك السيادة.
محاولات لـ إنعاش التسوية
يحتفل لبنان اليوم بمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين للاستقلال، حيث يترأس رئيس الجمهورية العرض العسكري الذي سيُقام في المناسبة بحضور رئيسَيْ المجلس النيابي والحكومة، وذلك وسط أزمة سياسية تمر بها البلاد نتجت عن إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته من الرياض قبل حوالي الأسبوعين.
وإذ من المتوقع أن تشهد الساحة المحلية اتصالات ومشاورات ولقاءات مكثّفة غداة عودة الحريري الى بيروت، تزايد الحديث عن تسوية ما تلوح في الأفق لم تتضح معالمها بعد بانتظار مواقف الحريري وسياسته الجديدة لتبني القوى السياسية مواقفها أيضاً على الشيء مقتضاه.
وفي وقتٍ تعدّدت السيناريوات المتوقعة للمرحلة المقبلة، تحدثت مصادر حكومية لـ البناء عن مخرجٍ مؤقت يتضمّن تريّث الحريري إزاء تقديم استقالته إفساحاً في المجال أمام المساعي القائمة على أكثر من خط محلي وإقليمي ودولي لا سيما على خط باريس – القاهرة، لإعادة إنعاش التسوية القائمة في ربع الساعة الأخير مع احتفاظ السعودية بورقة تقديم الحريري استقالته رسمياً تلوّح بها في أي وقت تفشل المساعي .
أما مصير الحكومة الحالية في الوقت الضائع حتى تنجلي الأمور، فأوضحت المصادر نفسها أنه في هذا الوقت لن تتم الدعوة الى جلسات لمجلس الوزراء لا في بعبدا ولا في السراي الحكومي خلال الأسبوعين المقبلين، وبعدها تدخل البلاد في عطل الأعياد، وبالتالي يتم تصريف الأعمال في الوزارات وتسيير شؤون المواطنين ويمارس عون والحريري صلاحياتهما الطبيعية كاملة لجهة توقيع المراسيم من دون الدعوة الى جلسات حتى مطلع العام الجديد، حيث سيبادر الرئيس عون الى حسم الأمور وفق مقتضيات المصلحة الوطنية، وما ينص عليه الدستور بالتشاور مع القيادات السياسية .
وبينما وصل رئيس الحكومة إلى بيروت عند الساعة 11:20 من مساء أمس من دون أي استقبال سياسي له في المطار، عقب محطتيه المصرية والقبرصية، بعد انتقاله من الرياض إلى فرنسا، ولقائه الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس أناستسياديس، فإن مصادر قصر بعبدا لـ البناء تقول إنّه لم يطلب موعداً للقاء الرئيس عون لتقديم استقالته، وتؤكد أنه سيكون هناك لقاء بين الرؤساء الثلاثة في عرض الاستقلال ولقاء ثنائي بين عون والحريري على هامش التهاني في بعبدا، مع تشديد المصادر على أن اللقاء السياسي والحديث عن أسباب الاستقالة والمرحلة المقبلة متوقف على مشيئة الحريري، بيد أن الرئيس عون مستعدّ للخيارات كافة»، علماً أن مصادر أخرى توقعت إرجاء «لقاء المكاشفة والمصارحة» بين الرئيسين الى الخميس المقبل.
عون: لن ننصاع لأي قرار يدفعنا للفتنة
وعشية الاستقلال أطلق الرئيس ميشال عون سلسلة مواقف من المستجدّات السياسية في رسالة وجّهها الى اللبنانيين في المناسبة، أكد فيها أن لبنان في كل الحالات لن ينصاع الى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية ، في ردٍ غير مباشر على التصعيد السعودي وبيان مجلس وزراء الخارجية العرب الهجومي ضد لبنان.
وسأل عون: هل كان يجوز التغاضي عن مسألة واجب وطني فُرضَ علينا لاستعادة رئيس حكومتنا إلى بلده لأداء ما يوجبه عليه الدستور والعرف، استقالة أو عدمها، وعلى أرض لبنان؟ . وقال إنها مسألة كرامة وطن وشعب أظهر حيالها تماسكاً وطنياً فريداً. فالسيادة كل لا يتجزأ سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية .
ودعا الرئيس عون اللبنانيين أن لا يسمحوا للفتنة أن تطل برأسها بينكم، لأنها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد .
وتوجّه عون الى الدول العربية بالقول: على الرغم من كل ما حصل لا تزال آمالنا معقودة على جامعة الدول العربية، بأن تتخذ المبادرة انطلاقاً من مبادئ وأهداف وروحية ميثاقها، فتحفظ نفسها والدول الأعضاء فيها، وتنقذ إنسانها وسيادتها واستقلالها . كما دعا المجتمع الدولي، الى أن يصون الاستقرار في لبنان، من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية .
وسريعاً، غرّد القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية، الوزير المفوّض وليد البخاري على حسابه الخاص عبر موقع «تويتر»، فكتب: «لا نريدُ لبنانَ ساحةَ خِلافٍ عربيٍّ بلْ مُلْتَقَى وِفاقٍ عربيٍّ». وأرفق التغريدة بهاشتاغ « خالد الفيصل».
.. وبرقيّات دولية مهنئة
وقد تلقى الرئيس عون أمس، عدداً من البرقيات المهنئة بالاستقلال حملت في مضمونها مواقف سياسية تؤكد على المظلة الإقليمية والدولية فوق لبنان ودعم استقراره، كان أبرزها من الملك وولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز الذي تمنى للرئيس عون الصحة والسعادة، وللشعب اللبناني اطراد التقدم والازدهار.
وأكد الرئيس السوري بشار الأسد للرئيس عون الحرص على تعزيز الروابط الأخوية القائمة بين بلدينا الشقيقين لما فيه مصلحة شعبينا والمصالح العليا للأمة العربية .
بدوره أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رسالتي تهنئة للرئيسين ميشال عون ونبيه بري أن لبنان شريك قوي مع الولايات المتحدة في مواجهة تهديد الإرهاب والتطرف العنيف، ونحن نقف بثبات مع لبنان وسنواصل دعم جهود بلدكم لحماية استقرار لبنان واستقلاله وسيادته .
ووجّه قائد الجيش العماد جوزيف عون أمر اليوم إلى العسكريين، شدّد فيها على ضرورة التصدي بكلّ حزمٍ وقوّة لأيّ محاولة لاستغلال الظروف الراهنة بهدف إثارة الفتنة والتفرقة والفوضى، داعياً إلى الجهوزية التامة على الحدود الجنوبية لمواجهة تهديدات العدو الإسرائيلي وخروقاته .
أوراق إيرانية تعزّز موقف لبنان
ضمن هذه الأجواء، سجلت مواقف لعدد من المسؤولين الإيرانيين تعكس النيات والارادة الإيرانية بعدم التصعيد والبحث عن تسوية سياسية لأزمات المنطقة لا سيما في لبنان واليمن. وبرزت هذه الايجابية في تصريحات الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، أكدت على دعم استقرار لبنان والتسوية السياسية، وجاءت عقب إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس الأول عن قرب إنهاء وجود الحزب في العراق ونفيه أي وجود عسكري في اليمن والبحرين والكويت، ما فسّرته أوساط مطلعة على أنها تهدف الى تدعيم موقف الرئيس عون والدولة اللبنانية قبل عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت وتسهيل محاولات إحياء التسوية وعودة الحريري عن استقالته وتثبيته في موقعه مواكبة للوساطة الفرنسية – المصرية لمحاولة إقناع السعوديين بإعادة الحريري الى منصبه مقابل ضمانات تتعلق بأمنها القومي في اليمن، ولفتت المصادر الى أن «التصريحات الإيرانية تأتي امتداداً لرسائل السيد نصرالله التي تهدف الى تدعيم موقف لبنان لمواجهة الضغط السعودي من خلال تأكيد إيران على أنها تؤيد وتشجع الحل السياسي في اليمن وجاهزة لتقديم كل التسهيلات لذلك وليست هي مَن يعرقل الحل، بل استمرار العدوان السعودي»، وقد أكد ظريف أمس، في رسالة الى وزير الخارجية جبران باسيل على أن «ليس هناك من حل عسكري في اليمن»، مذكراً بمبادرته لتسوية هذا النزاع التي ترتكز على وقف إطلاق النار، تأمين المساعدات الإنسانية والصحية للشعب اليمني، واستئناف الحوار الوطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية، واضعاً جميع طاقات الجمهورية الإيرانية لإيجاد حل لهذه الازمة. كما شدد ظريف على «ضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان ودعم كافة الأطراف الداخلية، الإقليمية والدولية لهذا الاستقرار وعلى وجوب إتاحة الفرصة لفخامة رئيس الجمهورية والمؤسسات الدستورية الشرعية لاتخاذ القرارات المناسبة، وفقاً لمقتضيات المصلحة الوطنية بعيداً عن الهواجس والضغوط الخارجية وعن الأساليب التحريضية، والسعي لفرض آراء خارجية على شعب وسيادة لبنان».
وتضيف المصادر في هذا السياق، أن «هذه المواقف تثبت أن إيران مع تسهيل الحل في اليمن الذي سيؤدي بطبيعة الحال الى تسهيل الحل في لبنان، وقد أكد السيد نصرالله أن لا تدخل عسكرياً في اليمن ولا في أي دولة خليجية». ولفتت المصادر الى «تحسن العلاقات الفرنسية – الإيرانية بعد وصول الرئيس إيمانويل ماكرون الى سدة الرئاسة الفرنسية بعكس سياسة الرئيس فرنسوا هولاند الذي انحاز الى السعودية ضد إيران، أما فرنسا ماكرون فتقف في الوسط وتعمل على خط الوساطة بين الدولتين وفق منطق تبادل المصالح، فإيران تريد أن توطد العلاقات مع فرنسا التي ترفض المحاولات الأميركية لنسف الاتفاق النووي فيما فرنسا لا تريد المس بالصفقات التجارية مع ايران».
وترى الأوساط بأن أي «تسوية ايرانية سعودية تبدأ باعتراف السعودية وحلفاؤها بالنفوذ والدور الايراني في الخليج والمنطقة ودعم استقرار الدول وعدم التدخل في شؤونهم وتهديد استقرارهم وحكوماتها، ورفض اعتبار حزب الله منظمة إرهابية أو اتهام ايران برعاية الارهاب».
وأجرى الرئيس روحاني أمس اتصالاً بالرئيس ماكرون الذي يزور إيران خلال الاسبوعين المقبلين، واعتبر روحاني خلاله أن «حزب الله جزءٌ من الشعب اللبناني وسلاحه دفاعي فقط»، لافتاً الى أن «فرنسا يمكن أن تلعب دوراً في الشرق الأوسط باتباع نهج عقلاني ومحايد، وأن طهران لا تسعى إلى الهيمنة على الشرق الأوسط».
الحريري في ضيافة السيسي
وقد أوحت زيارة الحريري الى كل من فرنسا ثم الى مصر على أهمية الدورين الفرنسي والمصري في إنقاذ الحريري من المعتقل السعودي، وبعد زيارته فرنسا حطّت طائرة الحريري أمس في القاهرة وحل ضيفاً في قصر الاتحادية في ضيافة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتناول اللقاء آخر المستجدات والأوضاع في لبنان والمنطقة وبعد اللقاء، أقام السيسي مأدبة عشاء على شرف الحريري.
وقد أرجأ الحريري كلامه السياسي الى عودته الى بيروت، وقال للصحافيين بعد لقائه السياسي: سأعلن موقفي السياسي في لبنان ولن أتحدّث الآن في السياسة . مضيفاً: كان لنا حديث طويل مبني على استقرار لبنان وضرورة أن يكون هناك في لبنان والمنطقة نأي بالنفس عن كل السياسات الإقليمية .
واستبعدت مصادر البناء أن يعود الحريري عن استقالته في وقت سريع، لأن ذلك سيفضح أنه كان يخضع للضغوط السعودية ، مرجّحة تقديم استقالته وإعادة تكليفه والانصراف للتفاوض للبحث عن شروط جديدة للتسوية وعندما تتحقق يبدأ التأليف الفعلي للحكومة وصياغة بيانها الوزاري الذي يعرقل إنجازه الخلاف حول مبدأ النأي بالنفس وحياد لبنان ، ولفتت المصادر الى أن السيد نصرالله أجهض التصعيد السعودي من خلال نفيه أي دور عسكري له في اليمن وانتفاء ضرورة بقائه في العراق بعد القضاء على داعش . ولفتت المصادر إلى أن المطالب السعودية تتعلق بعدم التصعيد السياسي والاعلامي وما تصفه بتحريض المجتمع العربي والإسلامي ضد المملكة في حربها على اليمن وأرسلت رسائل عدة الى حزب الله لثنيه عن ذلك، لكن الحزب لم ولن يستجب للرغبات والتهديدات السعودية واستمرّ بكشف الجرائم والارتكابات السعودية .
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أننا لن نقبل بأية وصاية أجنبية أو عربية على لبنان، وخيارات الدولة اللبنانية هي خيارات التوافق بين القوى السياسية اللبنانية بكل حرية، ونعتبر أن جهادنا في سورية هو دفاع عن لبنان ودفاع عن مشروع المقاومة .