خميس: الحرب كانت حرب هوية وفكر وانتماء وقد انتصر فيها الشعب السوري بمثقّفيه وإرثه وتاريخه الأحمد: كلٌ يحمي الوطن بطريقته… الفنان بريشته والملحّن بموسيقاه والجنديّ ببندقيته ترجمان: لا بدّ من مواجهة الفكر الإرهابي بآخر تنويريّ وحضاريّ
لورا محمود
الحرب التي خاضتها سورية في السنوات الماضية هي حرب ثقافية في جوهرها. حرب بين ثقافة الحياة وثقافة القتل والإرهاب. حرب على القيم والإبداع والفكر المتنوّر. لذا، كان لا بدّ من صوغ رؤية ثقافية قادرة على مواجهة التحديّات التي فرضتها ظروف الحرب. وهذا ما تبنته وزارة الثقافة السورية، إدراكاً منها أنّ الإرهاب المتطرّف سيظلّ يفرز أفكاره إذا لم يتمّ النهوض بمشروع ثقافي سوري حقيقي.
ولهذا، افتُتحت احتفالية وزارة الثقافة بعنوان «يوم الثقافة… لوعي الحياة» في ذكرى تأسيسها عبر مهرجان فنّي منوّع، وذلك في «دار الأسد للثقافة والفنون» في دمشق، وسط حضور رسمي وثقافي كبير.
خميس
افتتح الاحتفالية المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء الذي ألقى كلمة جاء فيها أنّ الحكومة حريصة على تبنّي مشروع ثقافي حضاري ينتج عنه جيل سوري واعٍ قضاياه، ومؤمن بمبادئه السامية.
وقال خميس: أنقل إليكم محبة الرئيس بشّار الأسد وأمنياته لكم ولكل العاملين في الوسط الثقافي، ولمبدعينا ومفكّرينا الكبار بكلّ التوفيق والنجاح، واسمحوا لي أيضاً أن أتوجّه بِاسمكم جميعاً وبِاسم كلّ مواطنٍ سوري بأسمى آيات التحية والتقدير إلى بواسل جيشنا العظيم الصامد في وجه أعتى حرب إرهابية تشهدها دولة على مرّ العصور، والرحمة والمجد لشهدائنا الأبرار والشفاء العاجل لجرحانا الأبطال.
وقال خميس إنّ ما تتعرّض له سورية منذ نحو سبع سنوات لم يكن فقط إرهاباً هدفه القتل والتدمير والنيل من مؤسّسات الدولة، إنّما كان في جانب كبير منه إرهاباً فكرياً وثقافياً وأخلاقياً هدفه تعميم ثقافة التطرّف على حساب ثقافة التسامح وإشاعة الجهل على حساب الإبداع والعلم وبثّ روح الهزيمة والتخاذل على حساب روح الصمود والمقاومة ومسح تاريخ حضاري طويل لمصلحة إرث عدواني وعنصري.
ورأى خميس أنّ ما تعرضّت له المواقع الأثرية والرموز الثقافية والفكرية من استهداف ممنهج واعتداءات مباشرة يؤكّد أنّ الحرب التي تشهد اليوم آخر فصولها كانت حرب هويّة وفكر وانتماء وقد انتصر فيها الشعب السوري بمثقفيه وإرثه وتاريخه مشيراً إلى أن الوسط الثقافي الوطني بقي طوال السنوات السبع الماضية ينبض بالإبداع والعطاء وسراجاً يهتدي به السوريون.
وشدّد رئيس مجلس الوزراء على أن هزيمة الإرهاب عسكرياً وأمنياً والتي تحقّقت بتضحيات جيشنا البطل وحلفائنا الأوفياء تتطلّب أيضاً هزيمته فكرياً وثقافياً عبر استئصال ما حاول زرعه في عقول الناس وأفكارهم وسلوكهم وإعادة الاعتبار لكل القيم والمبادئ التي آمنت بها سورية وعملت عليها طيلة عقود من الزمن.
الأحمد
بدوره، أشار وزير الثقافة محمد الأحمد في كلمته إلى أن سورية تواصل إبداعها الفني والفكري والاحتفاء بالفعل الثقافي رغم الحرب الكونية الشرسة التي تتعرّض لها منذ سبع سنوات مؤكداً حرص وزارة الثقافة على أن تكون إنتاجاتها الإبداعية متفاعلة مع الواقع وتقف في صف أبنائها المخلصين الذين يواجهون الفكر الظلامي التكفيري بأقلامهم وعقولهم وفي صف جيشها الباسل الذي يبذل جنوده دمهم من أجل الذود عن شعب سورية وحضارتها.
وأوضح الأحمد بأن الشعب السوري رغم ما يمرّ به من محن وألم مصرّ على مشاركة بقية شعوب الأرض الحلم الكبير بالوصول إلى كوكب يتّسع للجميع ويحضن كل البشر من دون حروب ونزاعات وسفك دماء.
وأضاف الأحمد: نحن نتاج أمّة عريقة تمتّد آلاف السنوات من الحضارة لذلك تمّ استهداف سورية لمحو الذاكرة والتاريخ لكنّهم أخفقوا بفعل حضارة هذا البلد وجذوره الممتدة في االتاريخ وبفضل رجال الثقافة السوريون الذين حموا سورية كما رجال الجيش فكلٌ يحمي الوطن بطريقته الفنان بريشته والملحن بموسيقاه والجندي ببندقيته التي تعلو كتفه فالثقافة خلال فترة الحرب قدّمت عطاء كبيراً لا ينضب في سبيل رفعة الإنسان وإعلاء قيم الخير والحق والجمال.
ترجمان
وقال وزير الإعلام محمد رامز ترجمان في تصريح للصحافيين أن الفكر الظلامي التكفيري الوهابي يهدف إلى طمس هويتنا وتشويه الإرث الثقافي الحضاري ولا بدّ من مواجهته بفكر تنويري وتحصين الذاكرة الوطنية الممتلئة بالمحبة والتسامح وتكريس مجموعة من القيم الأخلاقية المعروفة لدى الشعب السوري والتأكيد على الهوية والثقافة السورية.
المكرّمون
وفي حديث إلى «البناء»، قالت عميدة المعهد العالي للفنون المسرحية الفنانة جيانا عيد: اليوم ونحن على أعتاب النصر الكامل لسورية يحقّ لنا أن نفرح. فسابقاً كنّا نمارس نشاطاتنا ونحضر مهرجانات لكن أرواحنا كانت مكسورة بسبب العدد الكبير من الشهداء الذين دفعوا دمائهم ليكونوا قرابين نصر وأيضاً بسبب أناسٍ كثيرين حوصروا في مناطقهم. والمعاناة الكبيرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. نحن آمنا بالنصر منذ اللحظة الأولى وانتصرنا بفضل جيشنا وشهدائنا وبسبب تحالفنا مع شرفاء العالم الذين أدركوا بأنّ سورية عندما يحدث فيها خلل يهتز العالم كلّه.
وتابعت عيد أنّ ثقافة سورية منذ الأزل كانت مبنية على الوعي، فالثقافة من دون وعي لا تعني شيئاً وليس كل مثقف واعٍ، والوعي ينجم عن التجربة ومعايشة الواقع لننهض من خلاله لآفاق أرقى وأسمى وسورية مرجعية ثقافية لكلّ العالم لذلك اليوم أفهم فعلاً لماذا لكلّ مواطن في العالم بلدان بلده الأصلي وسورية.
وقال الفنان التشكيلي المكّرم في المهرجان علي سرميني لـ«البناء»: نحن اليوم نكرّم هنا في «دار الأسد» بفضل أبطال الجيش السوري، وأيضاً بفضل القيمين على المهرجان الذين تبنّوا المبدع وقرّروا تكريمه في حياته لينتج من جديد. وأنا أرى أن شريان الحياة يجب ألاّ يتوقّف ويجب أن يكون هناك دائماً عطاء وتجدّد في الحياة الثقافية لنقول إن العمل الثقافي عمل مهم في بناء سورية وهو يخدم الوطن ويعمل على بناء الإنسان.
كما التقت «البناء» الفنّان التشكيلي بديع جحجاح مصمّم الرؤية البصرية الخاصة بالمهرجان الذي تحدّث عن الحركة الثقافية وأهميتها الكبيرة عندما نكون في أزمة. وأضاف أنّ هذا المهرجان الذي هو تحت عنوان «يوم الثقافة… لوعي الحياة» جاء ليقول لمن ليس لديه الوعي ليدرك أهمية الحياة وقدرة الانسان على البناء والتغيير، وبأن السوري قادر بكل لحظة على خلق معادلات فهم جديدة يبني من خلالها مستقبله القادم. ففي هذه المعركة الوجود الثقافي بكل التنوّع الذي فيه من نحت وموسيقى وفنّ تشكيلي ومسرح وديكور هو مزيج سيولّد حتماً طاقة إيجابية للجمهور الذي يشاهد ليدرك بأنّ القادم من الأيام أفضل وأجمل.
وقام رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقافة بتقديم دروع تقديرية للمكرّمين في يوم وزارة الثقافة وهم: مدير فرقة «الرقّة للفنون الشعبية» إسماعيل العجيلي، الموسيقار أمين الخيّاط، عميدة المعهد العالي للفنون المسرحية الفنانة جيانا عيد، الفنان زيناتي قدسية، الشاعر صقر عليشي، الآثاري الدكتور علي أبو عساف، الفنان التشكيلي الدكتور علي سرميني، الإعلامي والباحث علي ديب حسن، المخرج غسان جبري، الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل، الأديبة لينا كيلاني، الكاتب محمود عبد الواحد، إضافةً إلى الشاعر الغنائي اللبناني نزار فرانسيس.
ويذكر أنّ حفل الافتتاح تضمّن إطلاق خمسة معارض منوّعة أولّها معرض «الهيئة العامة السورية للكتاب» الذي ضمّ إصداراتها من عام 2009 للعام الحالي، ومعرض «المديرية العامة للآثار والمتاحف» بعنوان «المكتشفات الأثريّة في ريف دمشق» ومعرض أعمال الأطفال واليافعين بعنوان «من عام لعام تكبر الأحلام» ومعرض للصور الضوئية تضمّن ملصقات لمختلف نشاطات وفعاليات وزارة الثقافة خلال العام الحالي إضافةً إلى معرض «أفيشات وبوسترات» لمديرية المسارح تضمّن المسرحيّات التي عرضت خلال السنة ومعرض للآلات السينمائية القديمة والنادرة. إضافةً إلى عرض موسيقيّ مسرحي بعنوان «بيارق النصر» الذي قدّمته فرقة «آرام للمسرح الراقص» على مسرح الأوبرا. وتستمر فعاليات المهرجان الثقافية لمدة أسبوع في مختلف المحافظات السورية.