أفريقيا على خريطة عمليات الإرهاب… المسؤوليات الأممية
بلال رفعت شرارة
عسكرياً، تكاد الحرب بمواجهة داعش تحط أوزارها لتبدأ بعدها حرب السلام والتنمية وإحلال العملية السياسية في سورية والاستعداد للانتخابات التشريعية في العراق وإعادة إنتاج الدولة في العراق لتتلاءم مع أدوارها المقبلة، خصوصاً مع الضغوط الكردية، وكذلك صياغة شروط السلام اليمني وتثبيت السلام اللبناني وصيانته.
وعليه فإنه لن يبقى أمام داعش والمنظمات الإرهابية سوى الرحيل وليس من مكان أمامهم سوى أفريقيا.
إنّ أحداً لا يستطيع أن ينكر وجود الإرهاب في عدد من الأقطار الأفريقية، ولكن ما تجدر ملاحظته في أفريقيا العربية أو شمال أفريقيا هو أنّ وضع المنظمات الإرهابية على امتداد الحدود وفي العمق المصري قد تراجع الى حدّ الهزيمة، ويمكن أن تكون عملية الواحات الإرهابية قد قرّبت ساعة الصفر لانتقال القوات وأجهزة الأمن المصرية من ردّ الفعل إلى الفعل ومن اتخاذ الإجراءات الاحترازية إلى الهجوم على طول الحدود مع الجوارين الليبي والسوداني، وقد قام سلاح الجو المصري بعمليات قنص لعربات دفعٍ رباعي كانت تحاول تهريب السلاح والمسلحين عبر الحدود. وفي ليبيا المعروف أنّ داعش خسر الكثير من أمكنته آخرها مدينة سرت في ليبيا في وقت بدأت في «واشنطن» المداولة في قضية الليبي أحمد ابو ختالة المتهم بأنه العقل المدبّر الأساسي للهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012 والذي أودى بحياة السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة آخرين. وفي الجزائر يقوم الجيش بعمليات هجومية في المنطقة الغربية ومراقبة الصحراء الشرقية التي تشكل امتداداً للحدود الليبية. وفي تونس ورغم حمّامات الدم خسر الإرهاب وفشل في تحقيق أحلامه في إنشاء إمارات داعشية. وفي الأيام الاخيرة وحدها تمكّنت أجهزة الأمن التونسية من كشف خلية إرهابية تضمّ 13 عنصراً شرق تونس. وفي المغرب فإنّ أجهزة الأمن متحفزة وهي في حالة هجوم ولا يوجد للإرهاب حاضن جماهيري. وفي السودان الذي يخوض جيشه حروباً على مختلف الجهات مع منظمات انفصالية والذي يشارك في العمليات التي تقودها السعودية بما يعبّر عن قوة برية لا يُستهان بها في حرب اليمن، فقد كشفت مصادر الجيش السوداني عن مشاركة أكثر من ألف جندي أفريقي في تمرين قوات شرق أفريقيا للتدخل السريع وعمليات حفظ السلام باسم سلام الشرق التعبوي .
لماذا أفريقيا.. وماذا عن بقية أفريقيا؟
تتحكم أفريقيا في مضيقين من أهمّ المضائق لحركة التجارة العالمية، وبالتالي لحركة تدفق الموارد الطبيعية، فمن خلال قناة السويس يمرّ معظم البترول الخليجي الذي يصدّر للولايات المتحدة وأوروبا 70 في المئة من نفط الخليج علاوة عن ذلك يمرّ من خلال مضيق هرمز 40 في المئة من نفط العالم والذي تسيطر عليه المنطقة الأفريقية من خلال باب المندب وخليج عدن على الطريق البحرية الموصلة إلى خليج هرمز إضافة إلى اكتشافات نفطية جديدة في القرن الأفريقي.
الآن ورغم الأحاديث الإعلامية عن نقل قيادات داعشية إلى منطقة الحدود الليبية مع مصر، فإننا نعتقد أنّ تزخيم العمليات الإرهابية في تلك المنطقة قد فشل تماماً بسبب أنّ مصر كسبت الوقت الكامل لضبط حدودها وحراستها بنسبة عالية، فيما خسر الإرهاب الوقت لاعتقاده أنه لا يزال أمامه متسع منه لخوض حروبه انطلاقاً من المنافذ الحدودية. وبرأي الخبراء فإنّ داعش سيلجأ الآن إلى عمق أفريقيا اعتماداً على الضعف الأمني – العسكري في هيكليات الدول الأفريقية العسكرية من جهة ومن جهة ثانية لأنّ الجيوش الوطنية في آسيا أصبح لديها خبرة وقدرة عالية على الحركة وعلى مواجهة المفاجآت مما ينفي أيّ دور مستقبلي محتمل لصورة حركة الإرهاب في القارة الآسيوية، ويجعله يلجأ إلى البطن الرخو الذي تمثله أفريقيا، إذ إنه وبالنظر إلى التجربة الأفغانية المُرة فقد أثبتت القوات الأفغانية رغم خسائرها أنها أكثر تماسكاً ومتانة ومهارة من جيوش الإرهاب ومجموعاته. لذلك فإنّ منظمات الإرهاب خصوصاً داعش حاولت وستحاول أن تجد لها قواعد ارتكاز وخطوط عمليات ومناطق آمنة في أفريقيا اعتماداً كما أشرنا إلى أنّ الدول الأفريقية تعاني من ضعف أمني في هيكلياتها، وينصبّ جهدها الأساس على حماية أنظمتها السياسية لا أمنها الوطني وتعاني الجيوش هناك من الضعف والنقص في العديد والعتاد وهنا يقع العبء الأمني على عاتق الولايات المتحدة الأميركية. وهي قد استدعت مسؤوليتها في هذا الإطار باعتبار أنّ واشنطن ترى في أفريقيا ساحة تجاذب اقتصادية مع بكين، وهي لا تريد أن تترك أفريقيا لتقع لقمة سائغة في فم الصين. يذكر أنّ الجولة الرئاسية الصينية خلال العام الحالي والتي شملت أربع دول أفريقية أكدت على الأهمية الاستراتيجية التي توليها الصين لموارد القارة الأفريقية، وكذلك بوصفها سوقاً كبيراً. وفي هذا وقع الرئيس الصيني شي جين بينغ أكثر من 12 اتفاقاً في تنزانيا وحضر قمّة لزعماء مجموعة الاقتصاديات الناشئة بريكس . وكانت الصين قد أنجزت بناء طرق وسكك حديدية ومنشآت ضخمة في أنحاء أفريقيا وقد لفتتها الاكتشافات النفطية وإمكانية لعب دور لدعم الإجراءات التنظيمية لهذا القطاع وإنتاج النفط الغاز بكميات كبيرة.
تجدر الإشارة الى أنه ومنذ عقد السبعينيات حرصت الولايات المتحدة على التحرك لحماية مصالحها، وفي أيلول/ سبتمبر عام 1993 أعلن عن ميلاد أنموذج استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا يعتمد سياسة توسّع بما يعني حسب تعريف السياسي والمفكر الأميركي جورج كينان انتشار الديمقراطية واقتصاد السوق الحرّ على الصعيد الشامل مكان الاستبداد والاقتصاد الموجّه ، وذلك يدل سياسة الاحتواء الأميركية السابقة. وعند تسلّم الرئيس الأميركي بيل كلنتون لسلطة القرار في كشف مبدأ الشراكة من أجل النمو والفرص في أفريقيا ثم إنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما كان أكثر مباشرة، إذ أعلن خلال قمة نيويورك مع عدد من الزعماء الأفارقة عن استثمارات كبرى في مجالات تتصل بشبكات الكهرباء والمواصلات والبنى التحتية ودعم القوات المسلحة في أكثر من بلد أفريقي.
والجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة الأميركية تمتلك علاقات عسكرية مع 49 دولة، وبعد العملية الإرهابية في 11 أيلول/ سبتمبر بدأت الولايات المتحدة ضخ مئات ملايين الدولارات لتدريب وتسليح جيوش أفريقية في: مالي، الجزائر، النيجر، تشاد، موريتانيا، نيجيريا والسنغال. ولا بدّ من معرفة أنه في إطار المسؤولية والمصالح أنشأت الإدارة الأميركية في 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2007 قيادة مؤقتة تحت القيادة الأميركية لأوروبا وقد بدأت هذه القيادة نشاطها الرسمي بعد عام بالتمام والكمال والقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا USAFRICOM هي وحدة مكوّنة من قوات مقاتلة موحدة تحت إدارة البنتاغون ، وتتولى إدارة العمليات العسكرية الأميركية والإشراف على الأنشطة العسكرية الأميركية على 53 دولة في أفريقيا، عدا مصر التي تقع في نطاق القيادة المركزية الأميركية.
يشار إلى وقوع دورية مشتركة أميركية نيجيرية في كمين إرهابي في جنوب غرب النيجر قرية تونغو تونغو شمال منطقة تيلابيري قرب الحدود مع مالي. وبحسب معلومات أكدتها جزئياً القيادة الأميركية في أفريقيا فإنّ هذا الكمين أسفر عن مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة اثنين بجراح إضافة الى جنود نيجيريين عديدين.
يُشار إلى أنها المرة الأولى التي يتمّ فيها الإعلان عن وجود قوات أميركية في المنطقة التي تشهد حالة من عدم الاستقرار بسبب النشاط الإرهابي, حيث كان جيش النيجر قد أطلق في منتصف حزيران/ يونيو عملية عسكرية في هذه المنطقة. وفي مطلع شهر آب/ أغسطس أكد رئيس النيجر محمد يوسفو أنّ جماعة بوكو حرام ضعفت إلى حدّ كبير بسبب قوة إقليمية تشكلت في العام 2015 من الدول المطلة على بحيرة تشاد النيجر، نيجيريا، تشاد والكاميرون وتعاني النيجر من تهديدات انطلاقاً من حدودها مع مالي وليبيا ونيجيريا.
وفي الجديد أنّ البنتاغون ضاعف قواته في الصومال ليصل المجموع إلى 500 فرد معظمهم من قوات العمليات الخاصة وبدأ في التوسّع في منطقة الصحراء والساحل الأفريقي، حيث ارتفع عديد القوات الأميركية من 200 إلى 500، والقوات الأميركية الحالية في الصومال هي الأكبر منذ عام 1993 حيث سقطت مروحية «بلاك هوك» مما أسفر عن مصرع 18 جندياً وسحلهم في شوارع مقديشو.
واستناداً إلى مختلف المصادر، فإنّ التوسّع الأميركي يأتي بعد مصرع الجنود في كمين قرية تونغو تونغو والتغيّر الكبير في الاستراتيجية من الاعتماد الأساسي على الضربات الموجعة ضدّ الجماعات المسلحة، إلى تحمّل المسؤولية المباشرة, ووضع فرق صغيرة على الأرض للمشاركة بطريقة إقليمية. وهذا الأمر يشير إليه نشر مجموعات من القوات الخضر وقوات البحرية الخاصة لاستهداف حركة الشباب، إضافة إلى مجموعة من المسلحين في بونتلاند شمال الصومال، حيث أعلن هؤلاء مبايعتهم لداعش. وفي خطوة غير معلنة نشرت وحدات أخرى من القوات البحرية الخاصة في مقديشو نفسها.
القوات الأميركية في أفريقيا…
ووفقاً للمصادر الأميركية فقد بلغ عديد القوات الأميركية في أفريقيا في الشهر الماضي 6000 جندي موزع على 53 دولة , 15 موقعاً ثابتاً وموقعين للمهمات العملاتية و 13 موقعاً أمنياً تعاونياً, وتتركز غالبية القوات الأميركية في النيجر ومعسكر ليمونييه في جيبوتي.
وبالعودة إلى إنشاء القوة الأميركية، فإن ثمّة أسباب من أبرزها: تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي في الصحراء الأفريقية/ تزايد الاعتماد الأميركي على مصادر الطاقة الأفريقية/ زيادة الضغوط على قوات كينتكوم و إيوكوم نتيجة الوقائع الحربية في العراق وافغانستان / نمو العلاقات بين الصين والدول الأفريقية والتي من مؤشراتها العملية: أنّ الصين هي الآن ثالث أكبر شريك تجاري مع أفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا / وأنّها المستورد الرئيسي للنفط الأفريقي/ ومساهمة بنحو 150 جندياً في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في أنحاء القارة عام 2004.
وفي ما يخصّ النشاط العسكري الأميركي، فإنّ قاعدة «ليمونييه» في جيبوتي هي في واقع الأمر قاعدة الارتكاز الأميركية الأساس، بل إنها القاعدة الوحيدة المعلنة، وقد تشكلت عام 2002 عبر تحشيد 900 جندي في ثكناتها، وأصبحت هذه القاعدة الآن مقرّ قوة العمل المشتركة Combined Joint Task ForceGJTF أفريكوم وتقوم هذه القاعدة بمراقبة المجال الجوي والبحري والبري لست دول أفريقية وشرق أوسطية وآسيوية هي: السودان، اريتريا، الصومال، جيبوتي، كينيا واليمن.
القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية تأتي على رأسها جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا / حركة الشباب الصومالية / المنظمات المسلحة في ليبيا، خصوصاً أنّ القنصلية الأميركية في بنغازي كانت هدفاً لها / «جوزيف كوني» قائد ميليشيا جيش الرب / تنظيم القاعدة في المغرب العربي / داعش ومن يبايعها في جهات مصر وعلى حدودها.
ومن العمليات الأميركية في أفريقيا قيام أسطول مكوّن من 30 سفينة بحملة دعم للعمليات الإقليمية ضدّ المسلحين في الصومال والتدريب للقوات الصومالية والقوات المسلحة في: الجزائر، تشاد، موريتانيا، النيجر، المغرب، الكاميرون، الغابون، جنوب أفريقيا، ليسوتو، السنغال ونيجيريا، وقد صرفت الولايات المتحدة الملايين الكثيرة على هذا الشأن.
وعليه فإنه يمكن اختصار عناصر الاستراتيجية الأميركية في أفريقيا بمحورين اساسيين:
1 ـ الوصول غير المحدود الى الأسواق الاساسية ومصادر الطاقة وغيرها من الموارد الاستراتيجية.
2 ـ التأمين العسكري لسلامة طرق المواصلات، خصوصاً السماح بإيصال المواد الأولية الى الولايات المتحدة بقصد الحدّ من ارتهان الولايات المتحدة للنفط العربي المستورد.
يُشار وبرأي الخبراء الى أنّ القارة الأفريقية ستصبح خلال العقد المقبل المُصدّر الثاني للنفط بعد الشرق الأوسط وربما للغاز بالنسبة للسوق الأميركية.
إذن الحرب بمواجهة الإرهاب، خصوصاً في قلب أفريقيا هي حرب أممية تتصدّرها الولايات المتحدة الأميركية بكلّ معنى الكلمة، ولا يمكن إقصاء الإرهاب وتفتيته وتفكيكه إلا بتحمّل الولايات المتحدة الأميركية لمسؤولياتها الدولية. وكذلك بأن لا يتمّ التوهّم بإمكانية استمرار التلاعب بحركة الإرهاب او الضغط بها على الدول وأعصاب السلطات السياسية لأنّ الإرهاب هو في واقع الأمر مَن يستثمر على الخلافات والمصالح. ويمكن التأكد من ذلك يوماً بعد يوم من خلال التجربة الشرق أوسطية التي استهلكت عشرات المليارات من الدولارات لتكتشف دول مصادر التمويل أنها بالواقع تموّل انتحارها، ولا بدّ بالتالي من عدم تجزئة ساحات قتال الحرب وإدارة أممية لهذه الحرب، لأنّ الإبقاء على التهديد الواقع على أفريقيا هو تهديد لخزان العالم من الموارد.