تفاؤل «المحارب» بعد استراحة إيطالية
هتاف دهام
أوحت الأجواء في قصر بعبدا أنّ الأمور تسير على السكة الصحيحة. بدا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس مرتاحاً لمآل المشاورات. لم يكد يُنهي الجولة الصباحية عند الساعة الواحدة، حتى شوهد يتجوّل في حديقة القصر بين أشجارها وأزهارها، استراحة «محارب».
بدا الرئيس عون للصحافيين الذين ألقوا عليه التحية من نافذة الغرفة المخصّصة لهم، مبتسماً مرتاحاً لما تمخّضت عنه جهوده منذ الرابع من تشرين الثاني تاريخ تقديم الرئيس سعد الحريري استقالته.
ما طبعه الرئيس عون من أجواء تفاؤليّة، عبّر عنها رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس الحريري من بعبدا أيضاً، عقب اجتماعهم الثلاثي. خرج «الأستاذ» و»الشيخ» مرتاحَيْن. اكتفى بري بالقول «تفاءلوا بالخير تجدوه». فيما قرّر الثاني التعبير عن التفاؤل بابتسامة عريضة والتقاطه الـ« selfie» بنفسه مع الصحافيين.
هذه المشهدية الثلاثية ليست بعيدة عن حزب الله. تؤكد حارة حريك أنّ الأمور ذاهبة نحو الحلحلة، وأنّ العمل منكبّ في سبيل إعادة تعويم الحكومة. المكونات كافة من دون استثناء متفقة على «ترييح» الرئيس الحريري ومساعدته لتقطيع المرحلة.
لكن كيف المخرج لذلك، تؤكد مصادرحزب الله لـ «البناء» أنّ القوى السياسية تتجه إلى تهدئة خطابها الإعلامي والتزام النأي بالنفس. فالمواقف حول هذه النقطة متقاربة، وسيتولّى الرئيس ميشال عون إخراج التوليفة بالطريقة المناسبة بعد عودته من زيارته الرسمية لإيطاليا. وتشدّد المصادر على أنّ الحزب انتهج منذ البداية سياسة تحييد الساحة اللبنانية عن الصراعات الإقليمية وسيستمرّ بذلك. بالنسبة إليه، التباينات حيال قضايا المنطقة ستبقى قائمة، وليس من الضرورة ان تنعكس الخلافات خطاباً تصعيدياً وتهجّمياً يتخطّى الحدود المسموح بها.
في جميع الأحوال، فإنّ حزب الله أدّى قسطه، وتمثل ذلك بالسقوف التي وضعها أمينه العام السيد حسن نصر الله، عندما أشار إلى عدم تدخّل المقاومة عسكرياً في اليمن، وأنّ داعش كبنية عسكرية وكتنظيم قد انتهى في العراق وسورية، فهو بعث كما تقول مصادره برسائل إيجابية، آملاً من المعنيين تلقّفها والبناء عليها.
لم يتوقف حزب الله مليّاً عند تصريحات الرئيس سعد الحريري أمس وأول أمس، واعتباره أنّ «إيران سبب تدخل الحزب في أنحاء المنطقة، وأنّ سبب عدم استقرار لبنان هو لعبة إيران، التي تستخدم الحزب كذراع لها». فالشيخ سعد، بالنسبة لحزب الله، يتعاطى بواقعية ويدرك حقيقة الأمور، وسقف تصريحاته معروف. ورغم إيحاءاته التصعيدية، فهو متمسك بالتسوية الرئاسية – الحكومية.
وعليه فإنّ التريّث سيتمدّد أياماً أخرى. انتهت يوم أمس، مرحلة المشاورات الرئاسية مع رؤساء الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، والتي ركزت على النأي بالنفس وعدم التعرّض للسعودية والانسحاب التدريجي من أزمات المنطقة. أتت تفاهمات الفرقاء حيال هذه النقاط في إطار حفظ ماء وجه الحريري حيال المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه إنعاش التسوية وتدعيمها بمداميك تزيد من قدرة التفاهم على الصمود حتى موعد الانتخابات النيابية الذي يرغب الرئيس عون بتقريبه إلى آذار المقبل.
وإذا كان الاهتمام مركّزاً على إيجاد تخريجة مناسبة للحل، فإنّ رئيس اللقاء الديمقراطي أكد صراحة أمس، تموضعه السياسي إلى جانب الرئيس بري، وتموضعه العاطفي الى جانب الرئيس الحريري. فـ»بك المختارة» عبّر في تغريداته عن مقاربته لواقع المنطقة بتشديده على أنّ الحوار الإيراني السعودي كفيل بحلّ أزمات المنطقة، وأنّ سلاح حزب الله يجب أن يكون خارج البحث، لأنه غير ذي جدوى، والدليل حوارات عين التينة في العام 2006 وحوارات بعبدا في العام 2008.
وعلى مقلب معراب، تراجع رئيس حزب القوات سمير جعجع سريعاً عن مباركته استقالة الحريري. فالحكيم الساعي لإعادة ترتيب علاقته بالشيخ سعد وينتظر أن تثمر الاتصالات لقاء قريباً بينهما في بيت الوسط، كان واقعياً أمس، عندما ألمح إلى أنّ سلاح حزب الله خارج أيّ نقاش في المرحلة الراهنة، قائلاً «يمكن أن تبقى الأمور على حالها على أن يكون القرار العسكري والأمني بيد الدولة». أما في ما خصّ موقف الدكتور جعجع من مسألة النأي بالنفس والخروج الفعلي من أزمات المنطقة، فالثابت، بحسب المطلعين، أنّ النقاشات حيال هذا الموضوع بالتحديد سائرة بالاتجاه الصحيح.