«البيت»… براعة في الأداء ولكن!
عبير حمدان
تبدو فكرة استحداث مسرح، خطوة جريئة في زمن بات فيه هذا الفن مهدّداً إن لم يكن هزلياً في مكان ما، أو استعراضياً بأسلوب رخيص. وقلة تهتمّ بمواكبة الأعمال المسرحية التي تناقش قصصاً بعيدة عن الترفيه. ربما لأننا مجتمع مثقل بالمشاكل، ولم تعد الشخوص المسرحية قادرة على منحنا الأمل. إنّما لا ضير من خوض التجربة في محاولة للتأكيد على أنّ الفسحة الثقافية والفنية متوفرة للمهتمين.
هي مغامرة إذاً يخوضها فريق عمل مسرحية «البيت» التي تجول في مختلف المناطق اللبنانية بعد أن قدّم ثلاثة عروض في «Ked » بيروت. لم يحتج الأمر الكثير من الديكورات، يكفي أن تتواجد العناصر التي تشير إلى «البيت» الذي فقد شيئاً من حميميته بشكل واضح، حيث نشهد صراع الأخوة على فكرة الانتماء إلى المكان، ولكلّ واحد منهم تطلّعاته الخاصة.
«ناديا» يارا أبو حيدر المتمسّكة بالمكان والزمان تتعلّق ربما بالبقعة الوحيدة من العالم التي تعنيها. وقد يرى البعض أنها صورة مكرّرة عن والدة غيّبها الموت بعد حياة مليئة بالتذمّر والانكسارات، ربما لأن هؤلاء البعض يسعون إلى تبرير فكرة التمرّد على المفاهيم البسيطة للروابط العائلية بحجّة الاستقلالية والتحرّر. ولكن، هل التفكّك الأسري هو الحلّ الأمثل لتخطّي معاناة ما أو حدث أليم عشناه في لحظة لم نخترها؟
«ريم» جيسي خليل هي الشقيقة التي كسرت القواعد وغرّدت خارج إطار السرب العائلي بحجّة التنفس والبحث عن الذات بعيداً عن خنوع الأمّ ولومها الدائم بأنها كانت السبب في موت والدها. «لأنها الغنوجة التي لولا دلعها لبقي حياً»، الطفلة التي طلبت الماء من والدها لم تكن تعلم أن قدره المحتوم سيكون على هيئة قذيفة طائشة، هذا المشهد أتى سريعاً قي سياق العرض الذي ركّز على الصراع بين الشقيقتين حول «البيت»، فيما شقيقهما طارق يعقوب يقف متفرّجاً، ربما كان من الجيد الغوص أكثر في عمق مشاعر «ريم» كي لا تستمر في جلد والدتها التي بدأ العرض بالإشارة إلى موتها الذي لمّ شمل العائلة ولو لفترة قصيرة.
قد نلمح في الشجار المتكرّر شيئاً من تفاصيل حياتنا اليومية. ففي كلّ بيت يختلف الأخوة ويدور النقاش والعتب واللوم ويصبح صراخاً في مرحلة الغضب. ولكن ماذا عن رابط الدم الذي يتفوّق على هذا الضجيج كلّه؟
من البديهي، وضمن سياق الحوار أن يزداد التفكّك. وفي النهاية يخرج المخطّط التنظيميّ للمدينة كي يلغي وجود البيت العتيق بعد صولات وجولات بين الأشقّاء. والسؤال: هل انتصرت «ريم» على «ناديا» حين حرّكت ملفّاً مهملاً لغاية في نفسها؟ أم أنها هربت من مواجهة ذاتها التي تسكن بين تفاصيل المنزل بحجّة «التنفّس»؟!
تبقى الأسئلة معلّقة، ولكلّ منا قراءته الخاصة حين يتّصل الطرح بمفهوم الانتماء إلى المكان والتمسّك بالعائلة بكلّ ما فيها من تناقضات، كونها الأرضية الصلبة لنهوض المجتمع وقيامته.
وللإنصاف، يمكن الجزم أن براعة الأداء بدت جلية لدى الممثلين وشعرنا أننا حللنا ضيوفاً في «بيتهم»، وتفاعلنا مع تعابيرهم. ولكن حبّذا لو لم يخترق الطريق السريع «صالونهم» الكبير!
الجدير ذكره أنّ مسرحية «البيت» من تأليف: أرزة خضر، وإخراج: كارولين حاتم وتمثيل كل من :يارا أبو حيدر، جيسي يوسف خليل، وطارق يعقوب يعقوب.
وقد كتبت أرزة خضر مسرحيتها الأولى «البيت» ضمن ورشة كتابة مسرحية نظّمها مسرح «رويال كورت» عام 2008. وقدّمت هذه المسرحية ضمن قراءات مسرحية في عدّة عواصم أوروبية وعالمية. وهي تحظى اليوم بإنتاجها اللبناني الأوّل.