مواجهة التطبيع أكثر إلحاحاً الآن

حسين حمّود

قصة الموقوف «المثقف» زياد عيتاني، بحسب تسريبات التحقيق معه في شبهة التعامل مع كيان العدو «الإسرائيلي» صحيحة، فهذه القصة يمتزج فيها الهزلي مع الدرامي بشكل شائك، لتغدو سيناريو مسرحية شديد التعقيد.

لكن العقدة، بل العقد الكثيرة، ليست هنا فحسب، بل في المهمة التي كلّفته بها مشغلته في العالم الافتراضي الوهمي، لتدمير دولة من خلال اغتيالات شخصيات سياسية لإحداث فتنة مذهبية ومحاولة جرّ مجتمع إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني من بوابة مثقفين لبنانيين.

الغاية الأولى يمكن إفشالها سريعاً ووأد الفتنة في مهدها، كما حصل في محطات خطيرة شهدها لبنان سابقاً ومنذ العام 2005 وحتى اليوم، وأحد فصولها كان أزمة إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته من الرياض ومن قبل ومن بعد الحملة العنيفة التي شنتها السعودية على لبنان والتحريض ضد المقاومة.

أما المهمة الثانية التي تمّ تكليف عيتاني بها من جانب عميلة الموساد «الإسرائيلي»، وهي الترويج للتطبيع والسلام مع العدو ضمن مجموعة معينة من المثقفين، فهي ربما تكون أخطر من المهمة السابقة لأسباب عدّة، منها:

1 – انتماء المجموعة المختارة إلى أطياف متعدّدة في المجتمع اللبناني ما قد يؤدي إلى تأثير كل فرد من المختارين بسهولة.

2 – تولي كل فرد من هؤلاء وظيفة إعلامية ضمن مؤسسات كبرى ما قد يؤدي أيضاً، في حال التجاوب مع عيتاني، إلى تمرير رسائل بسيطة إلى المتلقي حول التطبيع ومغرياته يسهل معها إقناعه «عاطفياً وغرائزياً» بإمكان التطبيع وجعله على ألسنة المتأثرين كل في محيطه.

3 – قدرة هذه النوعية من المختارين على إحداث خرق مجتمعي وثقافي لبناني، نظراً للوسائل المتاحة لهم ولقربهم من الناس.

إضافة إلى أسباب أخرى، لكن يبقى أخطرها هو أن تبدأ مفاهيم التطبيع تتسلّل إلى المثقفين النخبويين في المجتمع الأمر الذي سيصبح «سوسة» ستنخر رويداً رويداً في هذا المجتمع إن في وسائل الإعلام أو في الندوات والمؤتمرات أو في أنواع الفن المتعددة.

كل هذا كان متوقفاً على تقبّل ما كان سيطرحه عيتاني ضمن هذه الحلقة من المثقفين، ودائماً بحسب المعلومات المسّربة من التحقيقات معه والتي أنهاها جهاز أمن الدولة أمس، وأحال عيتاني إلى القضاء.

في المقابل، لم نشهد ولم نسمع بأي ردود أو تعليقات من المثقفين المناهضين للتطبيع إلاّ الشيء البسيط الذي لا يرتقي إلى حجم «المشروع الإسرائيلي التطبيعي للبنان» والوسائل التي كان يُعتقد أنه سيستخدمها العدو لتنفيذ المشروع المذكور.

فمواجهة التطبيع بوصفه احتلالاً للعقول والنفوس مثل احتلال الأرض. لكن في التطبيع يتمّ الاستسلام للعدو، إذا أفلح في تسويق مشروعه، من دون حرب ومعارك ويبقى آمناً من دون مقاومة. لذا فإن قضية زياد عيتاني تستدعي استنفاراً عارماً من جانب المثقفين المؤمنين بمواجهة العدو «الصهيوني» وتحرير فلسطين بالوسائل كافة، وحتى بالكلمة الواقية من غزوه الثقافي على امتداد الأمة والمهاجِمة أيضاً معاقله الثقافية التي توازي في عدوانيتها معاقله العسكرية.

حراسة روح الأمة هي مهمة مثقفي محور المقاومة والبندقية بيدهم والزناد تحت إصبعهم، لمواجهة العدو وأتباعه فخطره يتعاظم في السلم أكثر مما في الحرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى