«جنيف 8» طبخة بحص
حميدي العبدالله
فشل «جنيف 8» وعدم قدرته على تحقيق أيّ اختراق أو تقدّم، حتى لو كان شكلياً، واضح هذه المرة أكثر من الجولات السبع السابقة.
نظرياً يفترض أن يكون «جنيف 8» خطوة إلى الأمام بالمقارنة مع الجولات السابقة لأسباب كثيرة أبرزها التحوّلات الميدانية التي تعزّز خيار الحلّ السياسي، والتبدّلات التي طرأت على وفد المعارضة. ولكن الوقائع تشير إلى عكس ذلك، ومن بين هذه الوقائع:
أولاً، الوضع الميداني وصل إلى مرحلة باتت معها المواجهة بين التحالف الذي يدعم الدولة السورية ويضمّ روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهذه المواجهة هي المحرك الرئيسي للأحداث الجارية في سورية. الولايات المتحدة جاهرت لأول مرة بأنّ قواتها في سورية لم تأتِ فقط لمحاربة داعش، بل لخدمة أجندة أخرى، أوضحتها تصريحات المسؤولين التي تحدّثت أنّ هذه القوات لن تنسحب من سورية ما لم يتمّ التوصل إلى حلّ في جنيف. وعن ماهية هذا الحلّ عاد الحديث من جديد وكأننا في أيام الأزمة الأولى، عن رحيل الرئيس بشار الأسد، وتقليص وجود حلفاء سورية الذين شاركوها في قتال الإرهاب.
ثانياً، إصرار الولايات المتحدة على ربط سحب قواتها بنجاح مسار جنيف، أيّ قبول الإملاءات الأميركية، جعل الوضع أكثر صعوبة، ووضع الولايات المتحدة وروسيا وجهاً لوجه، وقلّص مساحة العمل المشترك التي كانت متاحة سياسياً وميدانياً عندما كانت داعش والتنظيمات الإرهابية يسيطرون على مساحات واسعة من الأراضي السورية. واضح الآن أنّ هامش المناورات السياسية وحملات العلاقات العامة قد انتفى، اليوم بات الحديث عن الخاتمة السياسية لحرب السبع سنوات، فإما المواجهة وإما حلّ سياسي على القواعد والأسس التي تضمّنها قرار مجلس الأمن 2254، كما هي ومن دون أيّ تفسير آخر.
كون هامش حملات العلاقات العامة والمناورات قد انتفى لذا كان واضحاً، وانسجاماً مع الرغبة الأميركية، أنّ مقرّرات «مؤتمر الرياض 2 » تمسّكت بالطرح ذاته الذي كان وراء استمرار الحرب، ولعلّ التصريح الأميركي الفرنسي الذي لا يعترف بشرعية أيّ مسار سوى مسار جنيف يدلّ على مصادرة الولايات المتحدة للحلّ السياسي وسعيها إلى التصعيد الذي سيجعل «جنيف 8» أكثر الجولات فشلاً.