رئيس الجمهورية يختتم زيارته لإيطاليا: نحن أقوياء ونتكلّم بحرية لأننا لسنا متورطين مع الذين أوجدوا الإرهابيين أو مع شركائهم
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نحن أقوياء ونتكلم بحرية لأننا لسنا متورطين مع الذين أوجدوا الإرهابيين أو مع شركائهم مركّزاً خلال زيارته الايطالية على أهمية الوحدة الوطنية اللبنانية والاستقرار الامني والمالي فالأزمة التي نشأت بعد إعلان الرئيس الحريري استقالته قد طُويت وهي في طريق المعالجة النهائية، ومشيراً إلى أن «المقصود كان أن يبقى لبنان دولة مطيعة، لكننا تمكنا من أن نثبت أنه دولة سيّدة تتعاطى مع الجميع من الندّ إلى الندّ».
اختتم رئيس الجمهورية زيارته إلى العاصمة الإيطالية وعاد والوفد المرافق الى لبنان. وكان رئيس الجمهورية عقد في مقر الرئاسة الايطالية اجتماعاً مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا قبل أن ينضمّ الوفد الرسمي اللبناني والجانب الإيطالي إلى الاجتماع الثنائي الذي تحول الى غداء عمل موسّع. وتناول اللقاء مختلف التطورات الإقليمية والدولية، وأكد أهمية المحافظة على الاستقرار والسلام في لبنان.
وأكد الرئيس الإيطالي استمرار دعم بلاده للبنان على مختلف الصعد اقتصادياً وتربوياً وعسكرياً من دورات تدريب للضباط والعسكريين في إيطاليا وتبادل للخبرات في هذا المجال، وشدّد على استمرار المشاركة الإيطالية في الـ «يونيفيل». وشكر الرئيس عون للرئيس الإيطالي دعم بلاده للبنان، ووجّه له دعوة لزيارة لبنان، فشكره ماتاريلا واعداً بتلبيتها.
والتقى الرئيس عون رئيس وزراء ايطاليا باولو جنتيلوني الذي أكد أن حكومته سوف تعمل على تنظيم مؤتمر خاص لدعم القوات المسلحة اللبنانية خلال الفترة المقبلة. وهي في صدد إجراء الاتصالات اللازمة لضمان نجاحه، معتبراً أن للبنان دوراً بارزاً في توطيد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لافتاً الى أن إيطاليا تعمل على تعزيز هذا الدور من خلال العمل على استمرار الاستقرار الامني، خصوصاً في الجنوب حيث تعمل قوة ايطالية ضمن «اليونيفيل» بالتنسيق مع الجيش اللبناني الموجود في المنطقة. وشدّد جانتيلوني على ان ايطاليا ترغب في أن تبقى مهمة «اليونيفيل» وفق ما جاء في قرار مجلس الأمن 1701 مع التأكيد على الترحيب بوجود الجيش اللبناني في المنطقة، ذلك أن إيطاليا تعتبر أن للجيش القدرة على المحافظة على الاستقرار».
وأكد أن حكومته سوف تواصل تقديم المساعدات للبنان وفق البرنامج الموضوع لهذه الغاية، كما تتطلّع الى زيادة التعاون التجاري والمساهمة في المشاريع الانتاجية كالكهرباء والتنقيب عن النفط والغاز، خصوصاً أن الشركة الإيطالية الكبرى ENI من ضمن كونسورسيوم سوف يتولى التنقيب عن النفط والغاز في حقلين واحد في جنوب لبنان وآخر في شماله.
وردّ عون شاكراً الرئيس جنتيلوني على التزام الحكومة الإيطالية الثابت بدعم لبنان في مختلف الميادين، وتأييدها لقضاياه العادلة في المحافل الدولية، ولا سيما تقديم المساعدات له في مجالي التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز قدرات الجيش اللبناني للقيام بالواجبات الوطنية الملقاة على عاتقه بالصورة الفضلى ومحاربة الإرهاب.
وجدّد الرئيس عون شكره وتقديره للحكومة الإيطالية لمساهمتها الفعالة في قوة «اليونيفيل»، وللتضحيات التي قدّمتها في هذا المجال، إضافة الى توفيرها الخدمات الاجتماعية والتربوية للمواطنين في مناطق وجودها بما يلقى الكثير من التجاوب والترحيب.
أضاف أن مشاركة ايطاليا في «اليونيفيل» عامل مهم، كذلك فإن الدور الإيطالي في الأمم المتحدة له تأثيره المباشر على قرارات المنظمة الدولية.
وأشار رئيس الجمهورية الى برنامج التعاون القائم بين لبنان وايطاليا في المجالات كافة، معرباً عن سعادته للاتفاق الذي تمّ بشأن وضع أولويات جديدة لتمويل إيطالي لعدد من المشاريع في لبنان.
وعرض الرئيس عون للوضع السياسي الراهن مؤكداً أن الأزمة التي نشأت بعد إعلان الرئيس الحريري استقالته قد طُويت وهي في طريق المعالجة النهائية، مركّزاً على اهمية الوحدة الوطنية اللبنانية والاستقرار الأمني والمالي.
وأثار عون موقف لبنان من قضية النازحين السوريين مركزاً على ضرورة عودة هؤلاء الى المناطق الآمنة في سورية وتعاون المجتمع الدولي مع لبنان لتحقيق ذلك وإزالة العراقيل التي تُعيق هذه العودة نظراً للانعكاسات السلبية لهذا الواقع على الوضع في لبنان. وتطرق الحديث بين الجانبين اللبناني والإيطالي الى عدد من المواضيع التي تهمّ البلدين. وكانت جولة أفق في الأوضاع الاقليمية ولا سيما في سورية والعراق. وقد توافق الجانبان على ضرورة تفعيل اللقاءات والمؤتمرات التي تعقد للبحث في حل سلمي للازمة السورية، لا سيما أن مثل هذا الحل يضع حداً لمعاناة النازحين السوريين في لبنان.
وخلال حفل الاستقبال الذي أقامته سفيرة لبنان لدى إيطاليا ميرا الضاهر فيوليديس، على شرفه واللبنانية الأولى ناديا الشامي عون، ودعت إليه أبناء الجالية اللبنانية، أكد رئيس الجمهورية أن «لبنان استطاع أن يجتاز ازمة كان من الممكن أن تشكل خطراً عليه، وذلك عبر معالجتها بكل تروٍّ وحكمة»، لافتاً الى أن «الأهم هو أن يعيش جميع اللبنانيين في استقرار وراحة بال»، ومشيرا الى أن «المقصود كان أن يبقى لبنان دولة مطيعة، لكننا تمكنا من أن نثبت أنه دولة سيدة تتعاطى مع الجميع من الند الى الند»، وقال: «لا توجد دولة أكبر من لبنان أو أصغر منه. فصحيح أن عددنا قليل، ولكن كرامتنا كبيرة وهي بحجم انتشارنا في العالم».
وطمأن اللبنانيين الى أن «لبنان لن يتعرّض بعد الآن لمشاكل كثيرة، وسيعلم الجميع أننا دولة ذات سيادة ومستقلة تسودها الحرية، وتتعامل مع غيرها من الدول، محترمة كل القيم التي تلتزم بها الدول في علاقاتها مع بعضها البعض».
وأكد أننا «استطعنا اليوم خلال مشاركتنا في مؤتمر الحوار الأوروبي – المتوسطي أن نتكلم بكل حرية وببساطة، لأننا لسنا متورّطين مع أحد، إن كان مع الذين أوجدوا الإرهابيين او مع الذين أحياناً كانوا شركاءهم، إلا أن اسلوبنا في التعاطي مع الجميع لم يتغيّر لأن رأسنا مرفوع، ونحن أقوياء لأن تصرّفاتنا نظيفة إن كان في حياتنا الخاصة أو العامة. وأنا فخور بكم وأنتم بدوركم تستطيعون أن تكونوا فخورين بوطنكم، لأنه صار يتمتّع بسقف الحرية والاستقلال والسيادة. عشتم وعاش لبنان».
وافتتح الرئيس عون مؤتمر «حوارات المتوسط «2017 MED «، وألقى كلمة قال فيها: «يُعقد هذا المؤتمر تحت عنوان حوارات المتوسط، وفي عنوانه رؤية واستشراف واعتراف بأن الحوار صار ضرورة ملحّة وبأنه طريق الخلاص مما يتخبّط به عالمنا اليوم، وخصوصاً الإرهاب المتنقل الذي لا يعرف حداً ولا حدوداً. لذلك اخترت لكلمتي، موضوع الإرهاب، أسبابه الحقيقية وسبل المعالجة».
أضاف: «إن الإرهاب، من حيث هو عنف ممنهج تقوم به مجموعات مسلحة لتغيير واقع، أو فرض معادلات جديدة غالباً ما تكون أسوأ من الموجود، ليس مستحدثاً، وقد عرفه العالم في مختلف الحقبات، وبأوجه متعدّدة. ولعل الإرهاب الذي يضرب عالمنا اليوم هو أكثرها خطورة لأنه أوسعها انتشاراً، وأحدثها سلاحاً. فكيف نشأ وكيف تطوّر وكيف توسّع حتى طاول تهديده كل دول العالم؟».
أضاف: «لقد رفعت الصوت مراراً وتكراراً محذراً من الانجرار في الحرب السنية الشيعية وما يمكن أن تجره على منطقتنا من ويلات، وأبلغت سفراء الدول الأوروبية وكل من زارني من سياسيين غربيين بأن ما يُعَدّ للمشرق، إذا ما قيض له النجاح، لن تقتصر أضراره علينا بل ستكون له انعكاسات كبرى في أوروبا، ولن تكون هناك من حدود فاصلة، فالمتوسط يجمعنا. ولكن المخطط كان أقوى من أي تحذير، وها هو شرقنا كله يعاني عبء التداعيات، وها هو الإرهاب يتنقل من دولة الى أخرى في أوروبا. كذلك حذرت مراراً وتكراراً منذ التسعينيات، من تنامي الأصولية التكفيرية وخطورة مخططاتها على لبنان والمنطقة، كما على أوروبا، فلبنان على خط التماس بين أوروبا والمشرق وأي خسارة هنا لن تكون من دون انعكاسات هناك».
وتابع: كي لا يبقى العالم فريسة التطرف القاتل لا بد من وضع أسس لمعالجة مزدوجة: آنية تقضي على الواقع الحالي، وجذرية تمنع تكرار قيامه مستقبلاً. وإذا كانت المعالجة الآنية تقضي بصد الإرهاب عسكرياً وردعه بالقوة وتجفيف المنابع المالية التي تغذّيه، ومنع رفده بعناصر جديدة. فإن المعالجة الجذرية هي الأهم، لأنها تمنع قيامه من جديد من خلال القضاء على مسوّغات وجوده، أي الأيديولوجيا. إن الفكر الإرهابي هو فكر شمولي، يناقض حق الاختلاف ويبيح قتل الآخر المختلف، لا بل يدعو لذلك، وينفّذ. من هنا، فإن تطوير القيم الديموقراطية، التي تحترم حق الإنسان بالاختلاف وحرية المعتقد والتعبير والرأي، وتحترم فرادته الدينية والعرقية والإتنية وتسمح له بعيشها، هو وحده القادر على المواجهة الفكرية مع أيديولوجية الإرهاب. ومما لا شك فيه أن تحديث التعليم والتربية على القيم الديموقراطية، بالإضافة الى الإنماء ومحاربة الفقر وخلق فرص العمل، وتحرير المرأة، تواكب مجتمعة عملية الانتقال المتدرج للدول من الأنظمة المتخلّفة التي تشكّل البيئات الملائمة لنمو الإرهاب والتطرّف، نحو الديموقراطية الكاملة وقبول الفوارق بين البشر».
وقال: «لبنان هو مجتمع تعددي بطبيعته، يجمع المسيحيين بكل مذاهبهم والمسلمين بكل مذاهبهم، يعيشون معا، يتشاركون الكثير من العادات والقيم والحياة الاجتماعية والسياسية. قد يركبون أحيانا موجة الانقسامات السياسية، ولكن انقساماتهم لم تعد تتخطى السياسة، وسقفها وحدتهم الوطنية، وهذا ما دفع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الى القول عن لبنان: «إنه أكثر من بلد، إنه رسالة».. وهذه الرسالة بالضبط هي التي دفعتني الى التوجه للأمم المتحدة مرشحا لبنان ليكون مركزا دائما للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق، ومدرسة لإعداد مربين يحملون القيم الإنسانية والعيش المشترك، وهي نفسها دفعتني للوقوف أمامكم اليوم، داعياً الى تبني هذا التوجّه. وفي اعتقادي أن الحضارة المتوسطية هي خير مَن يحتضن هذا الحوار من خلال الروابط التاريخية والثقافية التي تجمع بينها، وهي المعنية أكثر من سواها بالحوار بين الحضارات والأديان، للقضاء على الإرهاب والعنف اللذين يجتاحان العالم. فهل تكون رائدة في المبادرة إلى حوار الأديان والثقافات؟».