رائد المسرح اللبناني جلال خوري… يُسدِل ستارة المشهد الأخير

عبير حمدان

حين ننظر ملياً إلى تفاصيل حياتنا ندرك أننا شخوص ندور في فلك المسرح، حيث إنّ وجودنا مسرحية لا تنتهي فصولها، ورغم ذلك لا نتعلّق كما يجب بهذا الفنّ الذي يترجم انفعالاتنا من دون أيّ تجميل لكونه الفعل المباشر الذي يدعونا للتفاعل والنقاش.

وتُرفع الستارة وبالتالي «يصبح الضوء مسلطاً على المسائل الكبيرة التي تعنينا وتصبح الدعوة لمعالجتها ضرورة يتقصّدها مَن يعمل على كتابة وإخراج الحالة للدلالة عليها ومنحنا المعرفة اللازمة وما يتبعها من متعة». هذا التوصيف قاله الكاتب والمخرج المسرحي جلال خوري، الذي غادرنا أول من أمس السبت عن عمر 83 عاماً، في أحد لقاءاته الصحافية ربما لأنه يرى أنّ هذه المساحة الصغيرة المتمثلة بالخشبة التي تحمل ثقل الرؤية الإنسانية وما لها من خلفيات اجتماعية وسياسية وثقافية وحتى دينية ووجودية قادرة على خلق واقع جديد، ولو لم يأتِ كاملاً، ولكنه يساهم في بلورة الوعي إلى حدّ ما.

وخوري هو أول كاتب مسرحي لبناني يترجم وينفّذ دولياً، وترجم أعماله إلى الألمانية والإنكليزية والأرمنية والإيرانية والفرنسية. لعبت مسرحيته «رفيق سجعان» لفصلين متتاليين في فولكستيتر روستوك. ويُعرف خوري بأنه المروّج السياسي في المسرح في الستينيات من القرن الماضي، وهو أيضا عالم إيثنوسينولوجيست. وقد شارك في عدد كبير من الندوات في باريس والمكسيك، لخوري أيضاً مؤلفات عن المسرح والفنون، باللغتين الفرنسية والعربية، نشرت في لبنان والخارج، وقد درّس المسرح لأعوام طويلة في أكثر من جامعة في لبنان. من أبرز أعماله: «شكسبير إن حكى» و «خدني بحلمك مستر فرويد» و «فخامة الرئيس».

وقد نعاه وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري، حيث قال في تصريح له: «برحيل الفنان جلال خوري تفقد الساحة الثقافية ركناً كبيراً من أركانها ورائداً من روادها، ترك بصمة ستبقى في ذاكرة كلّ مَن عاصر جلال خوري أستاذ المسرح المثقف الذي يعتبر أوّل كاتب مسرحي ترجمت أعماله الى اللغات الأجنبية.

هو رائد المسرح اللبناني الذي كان يرى أنّ مسرح الستينيات تميّز بأهميته وقد كتب عنه: «تكمن أهميّة مسرح الستينيات أنه كان شريكاً في حراك شعبي كبير جاء نتيجة سعي ومعاناة جمهور واسع عاش حقبة درامية مثيرة، عُبّر عنها في أكثر من وسيلة الشعر والصحافة والندوات والفنون الجميلة والموسيقى والنشر ، وفي أكثر من حراك وطني واجتماعي في السياسة والمطالب النقابيّة، والتضامن مع قضايا الحق كله في العالم من المقاومة الفلسطينية إلى حرب فيتنام مروراً بثورة الجزائر فارتبطت أهميّة هذا الفن، قبل كلّ شيء، بلحظة بارزة مفصليّة من تاريخنا. لقد حمل المسرح اللبناني في مضمونه، ماهيّة ذلك العصر وحدّته ووصمته، وقد أعطاه هذا العصر بدوره قيمته ودلالته».

اليوم يسدل خوري الستارة عن المشهد الأخير له على هذه الخشبة التي ضاقت بها الحياة ويحمل معه الكثير من علامات الاستفهام حول جدلية البحث عن النصوص الجيدة التي تشبهنا وفكرة الاقتباس، ولكن مع فعل الاحتراف كي تأتي الإسقاطات في موضعها الصحيح ويبقى للزمن الحكم على فنانين ومسرحيّين كتبوا له كلمات الرثاء، وهم مطالَبون بالحفاظ على إرثه المسرحي على الأقلّ في وجدانهم وذاكرتهم عسى أن يجدَ طريقه إلى جيل يتابع الأعمال المسرحية المحفّزة على المعرفة ويهتمّ بتفاصيلها ويتعلّم منها الأسلوب الأمثل للبحث والنقاش.

الجدير ذكرُه أنّ أهمّ كتابات خوري المسرحية هي:

ويزمانو، بن غوري وشركاه… 1968

جحا في القرى الأمامية 1971

الرفيق سجعان 1974

كذاب… أو محاورات شاهين وطنسا 1982

فخامة الرئيس 1988

يا ظريف أنا كيف 1992

رزق الله يا بيروت… 1994

هنديّة، راهبة العشق 1999

الطريق إلى قانا 2006

رحلة مُحتار إلى شرْي نَغار 2010

وأهم اقتباساته، هي:

قبضاي 1972 عن «Play boy of the Western World» لجون ميلينغتن سينج

نهوند بند وبند 1993 عن « La puce l oreille» لجورج فيدو

أما بداياته في الإخراج، فهي:

رؤى سيمون ماشار 1964 بالفرنسيّة

صعود أرتورو أوي 1966 بالعربيّة

وفي التمثيل:

بالفرنسيّة سنة 1962 في المركز الجامعي للدراسات المسرحيّة C.U.E.D. في مسرحية

«بانتظار غودو» لصموئيل بيكت.

وهو حائز من الحكومة الفرنسية على وسام Chevalier des Arts et des Lettres برتبة فارس 2005 .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى