قراءة في «إدارة التوحّش» المعتقد «الداعشيّ» المتهافت ٣

جورج كعدي

بحسب المدعوّ «أبو بكر ناجي»، المنظّر للمعتقد «الداعشيّ» في كتاب «إدارة التوحّش» منشورات «دار التمرّد» السوريّة الذي بدأنا منذ أسبوعين وفي حلقتين سابقتين قراءته، فإنّ للنفط حيّزاً مهمّاً في المشروع «الداعشيّ» يضيء بوضوح على ما يخيف آل سعود وأمراء الخليج الذين ينعمون بالثروات الطائلة دون سائر المسلمين من العامّة. يقول «أبو بكر ناجي»: «تبعاً لأهداف تحرّكاتنا العسكريّة في مرحلة شوكة النكاية والإنهاك، بخاصة هدف تقوقع العدوّ بقوّاته وقوّات أعوانه من المرتدّين حول أهداف معيّنة وانسحابهم من أماكن وجودهم، بخاصة مناطق الجماهير بحيث نستطيع البدء في مرحلة إدارة التوحّش، وتبعاً لمبدأ المصلحة الذي يتبعه العدوّ والذي شرحنا بعض أبعاده في ما سبق، فعلينا تعيين أهداف اقتصاديّة مؤثّرة للعدوّ وعلينا تتويج ذلك باستهداف قطاع البترول حيث إنّ البترول هو شريان الحياة في الغرب، وأميركا منذ اكتشاف البترول وهي تراه سلعة رئيسيّة واستراتيجيّة حيويّة في الحرب وضروريّة في السلم ولازمة للنفوذ الدوليّ، واستهداف اقتصاد العدوّ سياسة عسكريّة ثبت نجاحها تاريخيّاً، بخاصة عندما يكون الطرف الذي يمارسه يقدّم الدين أو أيّ اعتبار آخر قبل الاقتصاد والمصالح المادّية أو يكون قد خسر جلّ مصالحه المادية ولم يتبقّ عنده الكثير ليخسره، وهي من السياسة المشروعة في حروبنا ولها أصول في السياسة الشرعيّة النبويّة. في المثال التطبيقيّ الذي سنعرضه هنا سنشرح كيف نقوم بذلك بدون إهدار نفوس أو أموال معصومة، وكيف نتفادى التشويه الإعلاميّ للعدوّ، حيث سيقوم العدوّ بحملة إعلاميّة توجّه لنا كلّ التهمّ بداية من العمالة إلى العمل على إفقار وإضعاف البلاد اقتصاديّاً و.. و..، وسيشارك فيها بالطبع الأحبار والرهبان والطاقم الفذّ من قيادات العمل الإسلاميّ، خصوصاً أنّ أمامنا مثالاً سابقاً عندما استهدفت الجماعة الإسلاميّة بمصر قطاعي السياحة والبنوك، نعم هي لم تستطع استهدافهم بجديّة لضعف استراتيجيّتها العسكريّة، إلاّ أنّه ظهر بوضوح وقتها عدم قدرتها على الوقوف في وجه التشويه الإعلاميّ على الرغم أنّها استدفت قطاعين ممتلئين بالممارسات المحرّمة فكيف سيكون حال التشويه في حال استهداف هدف اقتصاديّ كالبترول، وهو مباح بالجملة، ومستقرّ في أذهان الناس كونه مصدر رزق مئات الملايين من المسلمين في العالمين العربيّ والإسلامي» ص 111 ـ 112 .

في هذا المقطع تتضح أهميّة النفط كسلعة استراتيجيّة، وهو بالتالي «هدف اقتصاديّ مؤثّر» ضدّ العدوّ، لذا يجب استهدافه كشريان حياة للغرب. ضرب القطاعات الاقتصاديّة في الدول المستهدفة من «داعش» ركن أساسيّ في الخطّة والمعتقد، إلى حدّ أنّ «أبو بكر ناجي» ينتقد «إخوان» مصر رغم العداء بين التنظيمين الإسلاميين الإرهابيين والاختلاف العقيديّ على فشلهم في ضرب قطاعين حيويّين جداً في الاقتصاد المصريّ، السياحة والمصارف، وينطوي هذا الانتقاد على حضّ علنيّ على ضرب اقتصادات الدول التي تنشط فيها تنظيمات «جهاديّة» سلفيّة إرهابيّة متخلّفة، مثل «داعش» و»الإخوان» و»النصرة» و»القاعدة» ومَنْ لفّ لفّها!

يمضي المنظّر «الداعشيّ» الفذّ في رسم سياسة تنظيمه في مسألة النفط فيرى أنّ ثمّة «إجحافاً لحق بالأمّة من جرّاء بخس سعر البترول، فالأموال المتحصّلة طوال عشرات السنين ـ مع بخسها ـ لم تذهب لبناء الأمّة بقدر ما ذهب أغلبها لأرصدة حفنة من العملاء ووكلاء الغرب من أنظمتنا العربيّة والإسلاميّة بحيث يبقى فتات الفتات للأمّة وشعبها لذرّ الرماد في العيون، مع بيان السعر الذي ينبغي أن يكون عليه البرميل حالياً، وكل ذلك محصّلة دراسة اقتصاديّة تمّ توزيعها على الباحثين الاقتصاديّين والسياسيّين والنخب الإعلاميّة في عالمنا الإسلاميّ … على جميع الدول التي تحصل على بترول من أراضي المسلمين أن تدفع السعر الحقيقيّ المدوّن في الدراسة والبيان كليهما مع الاحتفاظ بحقّ المسلمين في المطالبة بفارق السعر عن كامل السنين السابقة، وأنّنا نقول لمن يناقش في هذا السعر: إنّ هذا السعر هو الذي يبيع به المسلمون ما يملكون ومَن لا يريد أن يدفع ذلك السعر لا يشتري، وأنّ الأموال التي ستدفع مقابل بترول المسلمين لا تدخل بعد الوم في خزانة الأنظمة المثقوبة بثقب ينفذ على بنوك سويسرا، وإنّما تتسلّمها لجان شعبيّة وتقوم هذه اللجان بإنفاقها على الشعوب المحتاجة، وذلك بعد دفع مرتّبات العاملين في قطاع البترول، هذه اللجان الشعبية تتكوّن من أشخاص ثبتت أمانتهم من تجّار البلاد وأعيان البلدان الإسلاميّة … أغلب دخلنا من البترول يذهب في معظمه إلى الحسابات البنكيّة للحكام العملاء وأعوانهم ولا يُنفق مهن على الشعوب إلاّ ذرّ للرماد في العيون … أمّا على البعيد فنأمل أن يتغيّر حال الأمّة وقد استردّت إرادتها وحقوقها وأموالها التي سلبها الغرب وعملاؤه من الحكّام الخونة … ليعلم الجميع مدى الظلم الذي ألحقوه بالشعوب الفقيرة في أمّتنا، وكذلك لتشجيع الدول البتروليّة في غير منطقتنا الإسلاميّة على رفع سعر البترول بدورها. أمّا البيان المختصر فينبغي أن يصل إلى كل بيت في أمّتنا وبأيّ طريقة ممكنة حتى لو تطلّب الأمر خطف مدير أو مهندس صليبيّ ـ ويُفضّل أن يكون عاملاً في قطاع البترول ـ ولا يُطلق سراحه إلاّ بشرط إعلان البيان في الصحف وقنوات التلفاز كاملاً، ويمكن أن تتمّ عمليّة الخطف مثلاً في نيجيريا أو السنغال أو أيّ بلد بتروليّ إسلاميّ حتى لو كانت العمليّات المخطّط لها بعد ذلك ستتمّ في أماكن أخرى كالخليج مثلاً، وإذا تعذّر خطف صليبيّ غربيّ يمكن خطف أحد نصارى العرب الذين يعملون في قطاع البترول، كذلك يمكن أن يكون المخطوف صحافيّاً غربيّاً ونحو ذلك ممّن يتيسّر خطفه من غير العاملين بقطاع البترول، إذا كان خطفه يخدم الخطة الإعلاميّة المتعلّقة بهذه العمليّة، ويمكن أن يكون بدلاً من عمليّة الخطف القيام بأيّ عمل يمكن أن يشدّ أنظار العالم ويجعله متشوّقاً لسخماع البيان الذي سيلي ذلك العمل. قد يتعجّب البعض إذا قلت إن كلّ المطالب التي في البيان ليست هدفنا الأساسيّ، بل المتوقّع بعد القيام بالخطوتين السابقتين عدم استجابة الغرب أو الأنظمة لأيّ مطلب من المطالب السابقة، بل ومحاولة الاستهانة بالتهديد مع كونهم سيتعاملون معه بأعلى درجات الجدّية بخاصة إذا تمّ الإعلان عنه عن طريق خطف كما ذكرنا … ».

يكشف ما ورد آنفاً أسباب جَزَع آل سعود وأقرانهم الخليجيين من مشروع «داعش»، النفطيّ بخاصة، إذ تنوي هذه الجماعة الاستيلاء على النفط لتصويب سعره حيال الغرب فعلوا العكس بنفط سورية الذي باعوه بأبخس الأسعار للأتراك! وإعادة توزيع الثروة النفطيّة على الشعب وعدم تركه في أيدي «الحكام العملاء وأعوانهم»، في التعبير «الداعشيّ»، والحضّ على خطف غربيّين «صليبيّين» عاملين في قطاع البترول، أو صحافيين عربيّين حصل هذا مراراً في الفترة الماضية ويحصل باستمرار أو خطف أحد «نصارى العرب» الذين يعملون في قطاع البترول، ما يؤكّد على التكفير المطلق لمسيحيّي الغرب «الصليبيّين» ولمسيحيّي الشرق على السواء. فضلاً عن اعتماد الخطف كعمل إرهابيّ بامتياز، معلن ومبرّر ومحلّل وابتزاز الغرب الخصم بواسطته لإخضاعه وتهديده، مع توقّع استهانته بالتهديد وعدم الاستجابة للمطالب أليس قريباً من هذه «الاستراتيجيّة» الإرهابيّة ما يختبره لبنان في مأساة العسكريّين المخطوفين ومَنْ ذبح منهم ومَنْ بقي مختطفاً؟! .

النواحي الخطيرة جداً في المعتقد «الداعشيّ» كثيرة وتستحقّ أن نكمل في قراءتها والإضاءة عليها في حلقة رابعة مقبلة وأخيرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى