رئيس الجمهورية: لا نقبل المسّ بكرامتنا ووحدة اللبنانيين تبقى الأساس
أنهت الجلسة السياسية التي عقدها مجلس الوزراء في القصر الجمهوري فصولَ أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، وطوتها نهائياً، معيدة إياه رسمياً الى «السراي»، حيث نصّ البيان الذي صدر عقب الجلسة على أن «مجلس الوزراء أكد بإجماع المكوّنات السياسية الممثلة في الحكومة التزام البيان الوزاري قولاً وفعلاً، وبخاصة بالفقرة التالية منه: أن الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أن لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النار المشتعلة حوله في المنطقة، بفضل وحدة موقف الشعب اللبناني وتمسكه بسلمه الأهلي. من هنا ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاقٍ. وستواصل الحكومة بالطبع تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة والتأكيد على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في اطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية. كما انها تؤكد على احترامها المواثيق والقرارات الدولية كافة والتزامها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 وعلى استمرار الدعم لقوات الامم المتحدة العاملة في لبنان». وفي ضوء هذا التأكيد يقرر مجلس الوزراء الآتي: التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوّناتها السياسية النأي بنفسها عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب أو عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظاً على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب.
وجدّد مجلس الوزراء، بحسب البيان تمسّك الحكومة باتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني لا سيما البند الثاني من المبادئ العامة التي تنصّ على أن «لبنان عربي الهوية والانتماء. وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بميثاقها، وهو عضو في حركة عدم الانحياز. وتجسد الدولة اللبنانية هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. ويتطلع مجلس الوزراء بناء على ذلك، إلى أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب وأمتنها، بروح الروابط التاريخية التي تجمع بين دولنا وشعوبنا. في النهاية، يشكر مجلس الوزراء رئيسه على موقفه وعلى عودته عن الاستقالة.
أما أجواء الجلسة، فكانت إيجابية إلى حدّ كبير وأبدى خلالها الوزراء كلّهم ترحيبهم بما تضمّنه الاتفاق، فاعتبرته «القوات اللبنانية» مدخلاً للحلّ وبداية للنأي الحقيقي عن الأزمات، شرط أن يتم تنفيذ بنوده. أما وزير حزب الله محمد فنيش فقال إن «الأولوية اليوم لمصلحة البلد واستقراره».
وكانت الجلسة استهلّت بكلمة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون رحّب فيها برئيس الحكومة والوزراء، وعرض بالتفصيل للمراحل التي تلت إعلان الرئيس الحريري الاستقالة من الخارج والتحرّك الذي قام به لمعالجة هذا الموقف من خلال الاتصالات التي أجراها داخل لبنان مع القيادات السياسية والروحية والمالية، وعدد من قادة دول العالم، لافتاً إلى أن التركيز كان على عودة رئيس الحكومة إلى لبنان والبحث معه في الظروف التي رافقت إعلان الاستقالة. وتناول الرئيس عون ردود الفعل الدولية المؤيدة لمواقف لبنان لا سيما من الدول التي أظهرت تعاطفاً مع المستجدات وتأييداً لضرورة عودة رئيس الحكومة إلى بلده. وقال الرئيس عون «إن موقفنا في الأزمة الأخيرة انطلق من عدم قبولنا بأن تمسّ أية سلطة في العالم كرامتنا، فلا وطن صغيراً، أو وطن كبيراً، بل الكلّ يجب أن يكون متساوياً في العزة والكرامة. كذلك، فإن موقفنا كان موقف مواجهة، ووحدة اللبنانيين تبقى الأساس لحماية الاستقرار في البلاد». وحيّا الرئيس عون مواقف القيادات اللبنانية التي تعاونت من أجل مواجهة الظروف التي مرت بها البلاد. وختم قائلاً: «الحمدلله» مرت الأزمة من دون مضاعفات ولم يشعر اللبنانيون بأي خطر، والآن علينا أن نستأنف العمل».
وتحدّث الرئيس الحريري بعده، فشكر رئيس الجمهورية «على إدارته الحكيمة للأزمة الأخيرة، ولكل الجهود التي شاركت فيها مكوّنات الحكومة لحماية الاستقرار». وأضاف «آمل أن تشكل هذه الجلسة، فرصة جديدة للتضامن على حماية البلد. فكلنا نرى كيف أن المنطقة تغلي، ولا يجب أن يكون لدينا وهمٌ بأن أي خطوة ناقصة يمكن أن تجر البلد إلى منزلق خطير. ما قمنا به حتى اليوم، كان قمة في المسؤولية… وأهم ما فيه أننا رفضنا الانجرار خلف شعارات ودعوات ليس لها وظيفة إلا استدراج الفوضى للبنان. أنا رئيس مجلس وزراء لبنان واليوم، هناك حكم إعدام بحقي في سورية، وحزب الله مصنّف إرهابياً في دول الخليج. كل ما أقوله هو أن نجنّب البلد الدخول بصراعات المنطقة ونحافظ على استقرارنا. لكن هذا لا يُعفينا من أن نرى المشكلة القائمة وملاحظات عدد من الدول الشقيقة، خصوصاً دول الخليج، التي وجّهت لنا رسائل واضحة حول التدخل بشؤونها الداخلية. هذا يعني أن هناك مشكلة لا يمكننا أن نقفز فوقها. وهذه المشكلة لا يجوز أن تستمرّ. التهجم على دول الخليج في الإعلام والسياسة أمر يهدّد مصالح لبنان، خصوصاً مصالح اللبنانيين العاملين في الخليج. لقد بات لزاماً علينا أن نضع يدنا على الموضوع، وأن نأخد قراراً نعلن فيه النأي بالنفس قولاً وفعلاً. أي أنه يجب أن نقتنع أن التدخل بالشؤون الداخلية لدول الخليج له انعكاسات خطيرة على أوضاعنا وعلى مصالحنا. إذا كنّا نرفض أن تتدخل اي دولة في شؤون لبنان فلا يجوز أن نقبل أن يتدخل أي طرف لبناني في شؤون الدول العربية، خصوصاً في شؤون دول الخليج العربي. مصلحتنا أن نحمي علاقاتنا التاريخية مع السعودية وكل الخليج، وألا نعطي أي ذريعة للمصطادين بالماء العكر لجرّ لبنان الى الفوضى».
وتمنّى الحريري «على الجميع أن يأخذوا هذه الأمور بأعلى درجات المسؤولية، وأن نفتح صفحة جديدة للبلد تحمي الاستقرار والعلاقات الأخوية مع البلاد العربية. نحن لسنا في مجال التأكيد على عروبة لبنان. هذا أمر محسوم وليس موضع نقاش… واتفاق الطائف واضح وضوح الشمس… لكننا في مجال توجيه رسالة للأشقاء العرب بأن لبنان ليس في موقع التخريب على علاقاته العربية، ولا في موقع توجيه الأذى لأي دولة عربية. التطورات في المنطقة توحي بوجود موجة جديدة من الصراع… ربما الصراع صار في نهاية الشوط، وعلى خط النهاية لا يجوز أن يسقط لبنان بموجة الفوضى. وأنا من جهتي لن أضحي باستقرار البلد مهما كانت الظروف. سلامة لبنان وحمايته من الحرائق الأمنية والمذهبية فوق كل اعتبار».
وأضاف «أتمنى من كل الأشقاء العرب أن يتفهّموا أوضاع لبنان. الأشقاء العرب لم يتركونا في أصعب الأيام… وتاريخ الدعم الخليجي للبنان يشهد عليه كل اللبنانيين. وأتمنى اعتباراً من اليوم أن نجدد الثقة بعلاقاتنا، ونضع العلاقة مع الأشقاء على السكة الصحيحة». وتابع الحريري «في المناسبة، نحن أمام تطور غير مسبوق في المنطقة. الإدارة الأميركية على مشارف إعلان القدس عاصمة لـ»إسرائيل». هذا التطور ستكون له انعكاسات، وفي حال حصوله، سيكون للحكومة موقف واضح، في إطار الموقف العربي الجامع الذي يؤكد على حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس».
وختم الحريري قائلاً: وحده النأي بالنفس قولاً وفعلاً يحمينا، وهذا ما أشار اليه فخامة الرئيس في اكثر من مناسبة، الموضوع لا يعني مصلحة سعد الحريري، بل مصلحة لبنان، المسألة ليست صحة سعد الحريري، بل صحة لبنان واستقراره وأمنه وسلامته، وكل ما جاء في خطاب القسم. كلنا في السفينة نفسها اذا غرقت نغرق كلنا، واذا نجحنا تمر العواصف الكبيرة والكثيرة التي تضرب المنطقة ونكون قد نجونا. فلنكن مع بضعنا البعض لحماية استقرار لبنان».