صاروخ كوري يفرض معادلة جديدة… هل يهرب ترامب إلى «الأمام» بافتعال مواجهة؟
أثناء إعداد هذا التقرير شهدت واشنطن تحوّلات سياسية سريعة وهامة من شأنها، إنْ استمرّت وتيرتها، تضييق الخناق على شخص الرئيس دونالد ترامب وذلك بعد مثول مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين أمام القضاء واعترافه بذنب الإدلاء بشهادات كاذبة لمكتب التحقيق الفيدرالي. أما تداعياتها فستنعكس على المشهد الأميركي الداخلي حصراً.
سيستعرض قسم التحليل الجدل الدائر حول طبيعة وتوقيت الردّ الأميركي على إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً تهيئة لحمله رؤوساً نووية، كما يعتقد. اللجوء للخيار العسكري هو المفضل أميركياً، لا سيما في أوساط المحافظين الجدد ومؤيديهم، بيد أنّ قيوداً وتعقيدات دولية تحول دون تنفيذ تهديدات «الغضب واللهب»، والإطلالة على قنوات وساطة خلفية بين بيونغ يانغ وواشنطن بموافقة ضمنية من الرئيس ترامب.
السياسة الأميركية في المنطقة
اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية سياسة الرئيس ترامب نحو دول الخليج بأنها «لا تختلف كثيراً» عن سياسة سلفه الرئيس أوباما موضحاً أنّ استراتيجية الاستدارة نحو آسيا استدعت «فك اشتباك الولايات المتحدة من العلاقات الحميمية التي يعتبرها ترامب تجاوزت فوائدها». وأضاف أنه بصرف النظر عن الترحاب الكبير الذي حظي به ترامب لدى تلك الدول إلا أنّ سياسات «إدارة ترامب تشكل استمراراً لجهد متنامي لإبعاد الانخراط الأميركي عن الخليج وليس العكس». واستعاد المعهد قول أميركي مأثور حول تفاقم الأزمة العرقية في عقد السبعينيات من القرن الماضي، التجاهل غير المتعمّد، للتدليل على مطابقتها السياسة الأميركية الراهنة. وأردف بالقول إنّ عدداً لا بأس به من الأميركيين يعتبرون «تقليص العلاقات الأميركية لدول الشرق الأوسط ما هي إلا جزء من استراتيجية أميركا أولاً التي طال انتظارها».
تفاقم الملاحقات القضائية لأعوان الرئيس ترامب، على خلفية التواصل مع روسيا لترجيح كفة الانتخابات الرئاسية المزعومة، اعتبرها معهد أبحاث السياسة الخارجية بأنها بمثابة هدية للإدارة وربما «ستسفر عن إنشاء واقع جيو – سياسي جديد في منطقة الشرق الأوسط». وأعرب عن ارتياحه للتوقيت الزمني لتلك التحقيقات والتي «ربما قد ألقت ظلالاً من الشك على قمة سوتشي التي استضافها الرئيس الروسي» بحضور الرئيسين الايراني والتركي، وما أسفرت عنه من إعلان القمة «عقد مؤتمر لحوار وطني سوري في سوتشي في وقت قريب». وسخر المعهد من إعلان القمة عن التزام الزعماء الثلاثة «بجهود إعادة إعمار سورية.. وهم المشكوك بمصداقيتهم في ما يتعلق بممارسة الديمقراطية» داخل بلدانهم.
إيران وكوريا الشمالية
أعرب معهد واشنطن عن عظيم قلق الحكومة الأميركية من «اللقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولين إيرانيين وكوريين شماليين» في الآونة الأخيرة لما ينطوي عليها من «تعزيز علاقاتهما العسكرية المشتركة.. والتي تتجه وفق المؤشرات المتوفرة بأن بيونغ يانغ وطهران قد وقعتا وثيقة ثبتتا فيها التزامهما بتطوير مشترك لنظم الصواريخ الباليستية». وزعم المعهد أنّ «المؤسّسات الاستخباراتية الأميركية رصدت تواجد مسؤولين عسكريين إيرانيين في بيونغ يانغ.. وينبغي التوصل لإدراك شامل لحقيقة التعاون بينهما، والذي سيحتلّ مرتبة الأولوية لدينا».
نقلت مؤسسة هاريتاج عن مسؤول أميركي لدى «وكالة الاستخبارات الدفاعية» قوله إنّ «بيونغ يانغ باستطاعتها الآن تطوير رأس نووي مصغّر». واستعرضت المؤسسة جملة خطابات منسوبة لرئيس كوريا الشمالية كيم جونع أون يهدّد فيها مدناً أميركية بهجوم نووي منها «اوستن بولاية تكساس لوس أنجيليس وواشنطن العاصمة». وأشادت المؤسسة بطلب «إدارة الرئيس ترامب تخصيص مبلغ إضافي قيمته 4 مليار دولار» من الكونغرس «لتعزيز نظم الدفاع الجوي» في أميركا لا سيما أنّ «النظم الراهنة مكدّسة في الشطر الغربي من البلاد، بينما مدن الساحل الشرقي لا تتمتع بنظم حماية مماثلة»، وفق المؤسسة.
علق معهد المشروع الأميركي على إطلاق الصاروخ الباليستي الأخير استناداً إلى «رواية هيئة الأركان المشتركة» في كوريا الجنوبية بينما «فروع القوات المسلحة الأخرى لا تزال منكبّة للتيقّن من طبيعة الصاروخ». وشدّدت المؤسسة على أنّ إطلاق الصاروخ شكل نهاية لتكهّنات سادت في واشنطن كانت تعوّل على «التزام بيونغ يانغ بالتهدئة لـ ستين 60 يوماً.. مما كان سيفسّر في أروقة وزارة الخارجية الأميركية بأنّ كوريا الشمالية لديها نية مفتوحة للتفاوض». وزعم المعهد أنّ الرئيس الأميركي ترامب «طلب من القيادة الصينية إرسال مبعوث رفيع المستوى للقاء القيادة الكورية الشمالية»، لاستيضاح الأمر والنوايا المستقبلية، بيد أنّ الآمال المعقودة سرعان ما تبخرت لعدم تجاوب بيونغ يانغ، حسب سردية المعهد. وحث المعهد الرئيس الأميركي على «قصف موقع إطلاق الصاروخ في كوريا الشمالية».
زعم معهد أبحاث السياسة الخارجية أنّ «الاتحاد السوفياتي كان له الفضل في تأسيس جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.. والآن روسيا تحتفظ بعلاقات سياسية متينة معها ويشكل دليلاً لتفسير التقارب الذي يجمع البلدين». وأشار المعهد الى حجم النفوذ الذي يمكن لروسيا القيام به في سياق تطبيق نظام العقوبات الدولية وعلى رأسها «.. صادرات الطاقة الروسية استيراد موسكو للعمالة من كوريا الشمالية واستخدام موسكو لمرفأ راجين في كوريا.. وشبكات المواصلات والاتصالات». وأضاف أنّ روسيا «تتمتع بأفضل العلاقات راهناً مع كوريا الشمالية وتدني علاقات الأخيرة مع حليفتها الصين في السنوات الماضية.. فضلاً عن قدرتها للتدخل العسكري إنْ تطلب الأمر».
أثناء كتابة هذا التقرير، انتشر بين المراقبين «خيار» لجوء الرئيس ترامب لتوتير الأوضاع وافتعال مواجهة قد تفضي الى اندلاع حرب عسكرية مع كوريا الشمالية، اتساقاً مع سعيه للهروب من استحقاقات المرحلة بصرفه الأنظار عن تفاقم الأزمات التي تقترب من شخصه خلال ملاحقة كبار مساعديه قضائياً. في هذا السياق ليس مستبعداً لجوئه لتوتير الأوضاع العالمية، مع عدم ترجيح توجيه ضربة عسكرية «استباقية» لبيونغ يانغ، أو تصعيد نهج التخريب في منشآتها كما حدث للبرنامج النووي الإيراني.
حافظت الولايات المتحدة على سرديتها المشهورة منذ 75 عاماً بأنّ سلاحها وترسانتها النووية «ضرورية للحفاظ على أمنها ومصالحها». وعلى الرغم من محاولات متعدّدة لعقد تفاهمات بين بيونغ يانغ وواشنطن تفضي للقضاء على لغة التهديد بين البلدين، إلا أنّ الأخيرة التزمت فقط بانتهاك تعهّدات قطعتها كلما لاحت لها الفرصة: الاتفاقيات الطويلة مع السكان الأصليين التعهّدات مع الزعيم الليبي معمر القذافي إلخ…
مضت فترة «هدوء نسبي» شارفت على نحو 60 يوماً بين التجربة الأخيرة لكوريا الشمالية وسابقتها، مما أنعش آمالاً بنجاح الجهود الديبلوماسية بين البلدين. بيد أنها سرعان ما تبخرت وأطلقت كوريا الشمالية تجربة على صاروخ باليستي متطور.
في الحسابات العسكرية الأميركية، حلق الصاروخ الكوري الباليستي «هواسونغ- 15، على إرتفاع شاهق لنحو 4,475 كلم، بما يعادل عشرة أضعاف مدار محطة الفضاء الدولية قاطعاً مسافة 950 كلم طولية وتمّ حسب مسافة مساره بنحو 13,000 كلم 8،100 ميل ، تكفي لاستهداف العاصمة واشنطن، ومنها إلى باقي المدن الأميركية الرئيسة. ووفق بيانات «اتحاد العلماء المعنيين» الأميركي الرصين فإنّ المدى الجديد للتقنية الكورية يغطي معظم الكرة الأرضية وهي محملة برؤوس نووية «باستثناء أميركا الجنوبية والقطب المتجمّد الجنوبي».
وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، وافق على سردية بيونغ يانغ لناحية قوة ومدى الصاروخ قائلاً «بصراحة كان مداه أعلى من الصواريخ التي سبقته.. كوريا الشمالية تمثل تهديداً عالمياً».
عنصر المفاجأة لم يغب عن المؤسسة العسكرية والسياسية الأميركية لناحية فشل عدد من التجارب الكورية السابقة، جلها متوسطة المدى بضع مئات من الكيلومترات، أسفرت عن تشكل شبه إجماع بأنّ الولايات المتحدة «نجحت في تخريب تلك التجارب»، بوسائل متعدّدة ابرزها تشويش الكتروني وتزويد البرنامج بمعدات مستوردة أقلّ جودة وفاعلية من المطلوب.
ردود أفعال الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة بحر اليابان سلطت على إظهار القوة العسكرية الصرفة، بالقرب من سواحل كوريا الشمالية مناورات عسكرية عاجلة أجرتها كوريا الجنوبية. بيد أنّ الإقرار بنجاح إطلاق الصاروخ وتحليقه لأكثر من 50 دقيقة له دلالاته أيضاً، منها أنّ النموذج الجديد «هواسونغ تيمناً بكوكب المريخ» كان متطوّراً عن أسلافه وبوسعه «حمل رؤوس حربية ثقيلة». بل وصفته يومية «ديفينس وان» Defense One، بأنه «مذهل وجدير بالإعجاب» من الناحية التقنية الصرفة.
الجناح الواقعي في المؤسسة الأميركية الحاكمة ممثلاً بوزارة الخارجية شدّد على «بقاء القنوات الديبلوماسية مفتوحة، حتى الآن» جسّدها توجه واشنطن للأمم المتحدة لإستصدار قرارات أممية بالمقاطعة التدريجية والشاملة للمؤسسات والهيئات التي تتعامل مع بيونغ يانغ. في المقابل شهد العالم تصريحات عنترية هدّدت بأنّ «كافة الخيارات مطروحة، بما فيها السبل العسكرية» ترجمة لنوايا واشنطن المعلنة بضرورة تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها الصاروخي والنووي طوعياً.
هل تخطت كوريا عتبة النووي؟
الخبراء والأخصائيون في الجانبين، الأميركي والكوري الشمالي، يمضون في مسارات متوازية لحسم الجدل حول القدرة على تحميل الصاروخ الباليستي رؤوساً نووية ونموذجها المتطوّر بالنووي الحراري.
الأخصائيون الأميركيون لفتوا النظر الى إطلاق بيونغ يانغ صاروخها الجديد في ساعات متأخرة من الليل «لمحاكاة الظروف العملياتية التي سوف تستخدمها كوريا الشمالية فعلياً في سيناريوات حربية.. وربما استخدمت منصة إطلاق متحركة ليصبح استهدافها شبه مستحيل من قبل الولايات المتحدة أو التهديد بقصف موقع الإطلاق». وأضافوا أنّ بيونغ يانغ أثبتت قدرتها على «إجراء تجارب مفاجئة ومستقلة عن الظروف الجوية».
التحدّي الآخر أمام جهود التثبّت الأميركية هو الوقود السائل الذي شغّل محركات الصاروخ، والأقلّ فاعلية، مما يعني بلغة العِلْم أنّ الوقود تمّ تحريكه من مخزونه الى منصة الإطلاق وتزويد المحرقات بالطاقة اللازمة. استخدام الوقود السائل، نظرياً، يوفر للولايات المتحدة فرصة زمنية قصيرة لاستشعار الإطلاق واستهداف المنصة على الفور كلٌّ وفق السردية الأميركية.
المصادر العسكرية الأميركية أكدت تحليق «طائرات أميركية» للتجسّس في الأجواء القريبة خلال إطلاق الصاروخ الكوري، من طراز RC-135S Cobra Ball، والتزمت الحذر قبل الإفراج عن معلومات مفيدة، كما جاء في نشرة مختصة بشؤون الطيران ذي آفياشينست The Aviationist، 28 نوفمبر.
واكتفت البنتاغون بالقول «رصدنا إطلاقاً محتملاً لصاروخ من كوريا الشمالية. نحن منخرطون في تقييم الوضع وسنقدّم مزيد من التفاصيل حين توفرها».
في الجانب المعتم من المعلومات التقنية الموثقة، بالنسبة لواشنطن، عدم التيقن الصارم من المدى الذي بلغته كوريا الشمالية عقب تجربتها الناجحة في تفجير قنبلة هيدروجينية إنْ أضحى بمتناولها تطويع التقنية ونصبها على الصاروخ الباليستي، هواسونغ-15. فضلاً عن شحّ البيانات المتداولة للتأكد من نجاح كوريا في التغلب على المعوقات الفيزيائية ودرجات الحرارة العالية التي ترافق جسم الصاروخ في طريق عودته الى الغلاف الجوي للكرة الأرضية.
وعلى ذات المستوى من الأهمية امتلاك التقنية المتطورة لأجهزة توجيه باستطاعتها التحكم الدقيق بالرأس الحربي وإيصاله إلى هدفة على مسافات بعيدة تصل لبضع آلاف الكيلومترات. قرار كوريا الشمالية إسقاط الصاروخ الباليستي في مياه المحيط الهادئ يعقّد جهود الجانب الأميركي وحلفائه للتعرّف على مكوّناته وقياس مدى دقته، ومن ثم البناء على ذلك من استنتاجات ثابتة بقدرة الصاروخ «المقبل على استهداف المدن الأميركية».
الرسالة الكورية الحقيقية لم تغب عن بال المؤسسة الحاكمة الأميركية، بأنها ستنقل الحرب الى الأراضي الأميركية في حال شعورها بحتمية التهديد الأميركي. صنّاع القرار السياسي الأميركي تملّكهم الحرص الشديد على خوض المعارك والحروب في مناطق بعيدة عن السواحل الأميركية. والآن هي أمام مواجهة حقيقة جديدة في المعادلات الدولية: أصبحت كوريا الشمالية دولة نووية بصرف النظر عن التهديدات والرغبات الأميركية.
الزعيم الكوري علق مبتهجاً لما توصلت إليه بلاده بالقول «.. أخيراً حققنا حلمنا التاريخي بامتلاك القدرة النووية»، لردع الولايات المتحدة والحيلولة دون إقدامها على الإطاحة وتغيير النظام. وعليه، امتلكت بلاده سلاحاً متطوّراً لن يكون بوسع واشنطن تجاهله بعد الآن، كما يعتقد التيار الواقعي في السياسة الأميركية. وأضافت «ديفينس وان» أنّ نجاح التجربة الأخيرة سيحفز بيونغ يانغ على الاستمرار في تطوير برنامجها الصاروخي والنووي «لبلوغ مرحلة متقدّمة تستطيع تهديد الولايات المتحدة»، مستطردة أنّ ذلك «لا يعود لرغبة كوريا الشمالية افتعال حرب نووية، بل لحرصها على امتلاك قدرة ردع الولايات المتحدة».
الخيارات المتوفرة
منذ الأيام الأولى لتولي الرئيس ترامب مهام منصبه وهو يكثر من خطاب التهديد بأنه سيقضي على «برامج كوريا الشمالية وينزع سلاحها بالكامل». وتداول مستشاروه السبل المتاحة لتحقيق ذلك بالتشديد على «عدم تمكين كوريا الشمالية من اقتناء سلاح نووي تهدّد به الولايات المتحدة». بعض أركان الإدارة كان على قناعة ثابتة بأنّ بيونغ يانغ ستلجأ لنزع سلاحها طواعية، يقابله إفراط بنية استخدام القوة العسكرية بما فيها السلاح النووي لتحقيق ذلك.
نعيد الى الأذهان التهديد الشهير للرئيس ترامب، 20 آب الماضي، بأنه مقدم على قصف كوريا الشمالية «كردّ على مجرد الشعور بتهديدها» بلاده، ومحوها عن الخريطة بعد إحراقها «بالغضب واللهب».
على جانب كوريا الشمالية، يشار الى أنّ منصاتها ومنشآتها النووية وبنيتها التحتية منتشرة على رقعة واسعة من أراضيها، مما يتيح لها الردّ بالمثل إنْ تعرّضت للعدوان حتى ولو خرج بعض مواقعها من الخدمة بفعل القصف.
الخيار الأميركي المتداول أيضاً هو باستهداف هرم القيادة الكورية وعلى رأسها شخص الرئيس كيم جونغ إيل. من المعروف انّ الأخير دائم الحركة للحدّ من فعالية محاولات اغتياله.
قد تلجأ واشنطن للمراهنة على شق صفوف القوات العسكرية ودفعها لتنفيذ انقلاب على السلطة المركزية. بيد أنّ الأمر لا يغيب عن بال الزعيم الكوري الذي لجأ «لاعتقال وإعدام بعض الجنرالات المتورّطين»، تربطه ببعضهم قرابة عائلية.
نعيد إلى الأذهان بعضاً مما جاء في شهادة المرشح لتولي منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، مايك بومبيو، أمام الكونغرس في تموز الماضي، إذ قال في سياق تغيير النظام «.. شعب كوريا الشمالية، أنا على يقين أنه يتطلع بشوق لرؤية غيابه أيضاً». وأضاف «.. في ما يخصّ مستقبل النظام، يحدوني الأمل بأننا سنجد طريقة للفصل بين الحكم والنظام».
اما الخيار «الاستباقي» باستهداف وإسقاط صاروخ كوري شمالي خلال مرحلة التحليق فقد أدركته القيادة الكورية مبكراً وحرصت على إطلاقه من ساحلها الغربي للحفاظ على مسار تحليقه فوق الأراضي والمياه الكورية، تفادياً لمحاولة اعتراض وإسقاط أميركية فوق الأجواء الإقليمية والذي سيعتبر استفزازاً متعمّداً من قبل واشنطن ومن أعمال الحروب العدوانية، ويستدعي الردّ.
في الجانب العملياتي الصرف، تتوارد تصريحات خبراء وأخصائيين أميركيين في المجال الصاروخي والنووي محذرة من الإفراط في تهديد الساسة بقدرة التقنية المتوفرة على التصدّي وإسقاط تقنية باليستية، مشدّدين على أنّ التجارب الميدانية لم تأتِ بنتائج مطمأنة في هذا المجال واستمرار المراهنة عليها ينطوي على قدر كبير من التبسيط والفشل وما سينجم عنه من تهديد الهيبة الأميركية على المدى الطويل.
أمام هذا المشهد بالغ الحساسية يعتقد المراقبون الأميركيون أنّ التهديد الأميركي الثابت بشنّ حرب على كوريا الشمالية يرمي إلى «تعزيز الفرص لإقدام الزعيم الكوري على ارتكاب خطأً في الحسابات والبدء بالحرب». وأضاف أولئك لنشرة «ديفينس وان» أنّ المراهنة الأميركية على منع كوريا من امتلاك التقنية النووية بكافة مراحلها «قد عفى عنها الزمن منذ سنوات بعيدة».
التيار السياسي الواقعي في الداخل الأميركي، مرة أخرى، يرى مخاطر وأهوال حرب قادمة، ليس في البعد الإنساني وضحاياه فحسب، بل لتداعياته على الاقتصاد الأميركي ومن ثم ما قد يتعرّض له حلفاء واشنطن من تدمير في البنية الصناعية الهائلة في كلّ من اليابان وكوريا الجنوبية.
أما الحلّ الأمثل، بنظر هؤلاء، فيتمثل بتبني «الرئيس ترامب استراتيجية خاصة بكوريا الشمالية تعترف فيها بقدرة الأخيرة على تهديد الأراضي الأميركية، والبناء عليها لاحتوائها وردع تجلياتها المدمّرة». واستطرد هؤلاء أنّ من شأن سياسة بهذا الاتجاه «إعادة الطمأنينة لحلفاء أميركا في الإقليم، والحدّ من انتشار التسلح، طمعاً في الوصول لمرحلة تسيّد العامل الديبلوماسي للحدّ من برامج كوريا الشمالية.
مراهنة الولايات المتحدة على دقّ إسفين بين الصين وروسيا من ناحية، وبينهما وبين كوريا الشمالية، في سياق تجسيد «سياسة فرِّق تسد»، أنعشت آمالاً غير حقيقية في واشنطن لمفاضلة الصين وإيلاء بعض المهام الديبلوماسية لها.
أما الصين فلها رأي مغاير أفصحت عنه عبر يوميتها باللغة الانكليزية «غلوبال تايمز»، 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، بالقول «ينبغي الإقرار بأنّ السياسة الخارجية الأميركية نحو كوريا الشمالية لم يسفر عنها سوى فشل ذريع».