يعالون… حين يُغضبه بينيت أكثر من نصر الله!

عجيب أمر الإعلام الصهيوني، فعدا عن كونه موجّهاً لخدمة الصهيونية وأطماعها، إلا أنّه يثير فينا العجب كيف يصنع من «الحبة» «قبّة»، ومن الجبان «بطلاً»، ومن يعالون… «نجماً».

هو وزير دفاع العدو موشيه يعالون، الذي تفيد تقارير كثيرة عن خوفه الدائم، وعن خشيته من مواجهة المقاومة في لبنان مستقبلاً، وجد اليوم من يتشدّق بلسانه، وليس الإعلام إلا ذلك المنبر الذي يصنع من الأقزام جبابرة. حتّى لو كان ذلك عبر نشر الخلافات الداخلية في الحكومة الصهيونية.

كتب عاموس هرئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:

حينما يُسأل وزير الدفاع موشيه يعالون عن التحدّيات الخارجية التي تواجهها «إسرائيل»، يكون جوابه دائما مُقدراً وواعياً، ويحاول يعالون دائماً أن يضع خطر التهديد في التناسب الصحيح بل إنه يُقلله. وإذا كان الحديث عن المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، فإن تشاؤمه الشديد يُترجم إلى موقف صقري متشدّد. لكن في كل ما يتعلق باستعمال القوة العسكرية، فإنّ وزير الدفاع شخص حذر جداً. وهذا توجه برز طوال الحرب في غزّة في الصيف الاخير، وعبّر عنه ايضاً الحديث هذا الاسبوع مع صحيفة «هاآرتس». والرسالة التي ينطوي كلامه عليها هي أن الحال كانت كذلك دائماً: فـ«إسرائيل» كما يرى يعالون عالقة في منطقة معادية وعليها أن تحتال فيها بصرامة لكن بحذر ايضاً، فلا داعٍ إلى التأثر.

ويحتفظ يعالون بالحماسة ورفع الصوت في حديثه عن الخصوم من الداخل. فالأعداء من الخارج ـ إيران وحزب الله وحماس و«داعش» ـ لا يستخرجون منه شيئاً من الانفعال الذي يبلغ إليه حينما يتطرّق إلى الخلافات في الحكومة. ويوجد كالعادة وزير المالية وموظفوه الذين يقلق يعالون تدبيرهم أن يقتطعوا من الجيش «الإسرائيلي» الاموال التي يستحقها بسبب تكلفة محاربة حماس. لكن حتّى يئير لبيد لا يثير غضبه كما يغضبه الشخص الذي ينبغي ألا يُذكر اسمه، وأعني نفتالي بينيت.

أكثر الاثنان طوال الحرب من التشاجر في اجتماعات المجلس الوزاري المصغر، فقد اتهم بينيت يعالون وكبار قادة الجيش «الإسرائيلي» بسياسة متردّدة جداً، وزعم أنه لولا أن استحثهم بتحدٍ لا ينقطع لمنطقهم لما عملت «إسرائيل» البتة على هدم الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس. ويعتقد يعالون أن بينيت ينسب إلى نفسه إنجازات ليست له، وأن تصريحاته تجاوزت مسؤولية أعضاء المجلس الوزاري الامني المصغّر في الحرب. ويبدو أن الفرق بين السنّين 22 سنة والاسلوبين فعل فعله. وليس مما يطيب أن نقول ما سنقول، لكن يبدو أن آخر انسان نجح في أن يُغضب يعالون هذا الغضب مع التفرقة هو ياسر عرفات.

بعد سبعة أسابيع من هدنة كاملة في قطاع غزّة، حدثت الاحداث الامنية الاخيرة في الشمال خصوصاً إسقاط طائرة حربية سورية اجتازت الحدود في هضبة الجولان، وجُرح جنديان بعبوة ناسفة وضعها حزب الله في مزارع شبعا. ويعترف يعالون بأنه قد يكون حزب الله جمع من الثقة بالنفس أكثر مما نسبنا إليه. ويقول إن المنظمة تحاول أن تُقرّ معادلة ردع جديدة على الحدود اللبنانية والسورية ترد في نطاقها بهجمات على أرضنا على كل عمل عسكري تنسبه إلى «إسرائيل» في داخل لبنان.

يوجد هنا قلب لمعادلة الماضي، فقد كان النظام السوري ذات مرة يستعمل حزب الله ليضربنا في جنوب لبنان من دون أن نستطيع أن نتهمه بمسؤولية مباشرة عن ذلك، ويعمل حزب الله الآن بالطريقة نفسها في هضبة الجولان. وتنسب «إسرائيل» عدداً من الوقائع وقعت في السنة الماضية في الجولان إلى عصابات مسلحة لها صلة بنظام الأسد في سورية، لكنها تعمل بهدي من حزب الله والحرس الثوري الايراني.

ويصادق يعالون على أن عملية حزب الله الاخيرة كانت طموحة، لكنه يرفض احتمال أن تكون الاستخبارات «الإسرائيلية» تقلل من قوة نوايا المنظمة التي يبدو كأنها كانت مستعدة للمخاطرة بتصعيد عسكري لو نجحت خطتها بقتل عدد كبير من الجنود باستعمال العبوات الناسفة. ويقول إن حزب الله يرسل مقاتليه إلى العراق وسورية على غير رغبة منه، بل بإملاء يتلقاه من ايران. والمنظمة الشيعية غارقة ايضاً في حرب داخلية لفصائل سنية متطرّفة في البقاع اللبناني فلها مشكلات أخرى سوى التوتر مع «إسرائيل». «إن الوقائع معنا لا تثبت أن حزب الله متجه إلى تصعيد عسكري، وقد ردّدنا بقوة كي يحسب حزب الله هل من المجدي عليه أن يتجه إلى تصعيد عسكري».

نشبت المعارك في لبنان بتأثير الحرب في سوريو. ويقول يعالون إن الرئيس الاسد يسيطر الآن على 25 في المئة من مساحة الدولة الاصلية. «ليست تلك سورية بل هي دولة العلويين وهي مدن الساحل في شمال الدولة وممر يربطها بدمشق، وأصبح المتمردون يسلبونه السيطرة على الحدود معنا في الجولان، ويسيطر داعش على شرق الدولة وتوجد منطقة حكم ذاتي للاكراد في شمال شرق سورية». ويقلقه دخول منظمات سنية متطرّفة موالية للقاعدة مثل «جبهة النصرة»، إلى الجولان، لكنه يرى هنا ايضاً أن الوضع مُتحكم فيه حتّى الآن. «من الواضح أنّ عدم استقرار موجود هناك، لكن المنطقة الملاصقة للحدود تسيطر عليها عصابات مسلحة اكثر اعتدالاً مثل الجيش السوري الحر. وليس سراً أنها تتمتع بمساعدة انسانية نعطيها لسكان القرى في المنطقة كالعلاج الطبي في مستشفياتنا، والطعام للرضع والمعدات والبطانيات في الشتاء. ويحدث ذلك بشرط ألا تُمكن منظمات اكثر تطرفاً من الوصول إلى الحدود».

ما الذي تعلمه حزب الله والمنظمات الاخرى من الحرب في غزّة؟ «تعلمت هذه المنظمات قبل كل شيء أن مسألة خيوط العنكبوت لم تعد صحيحة». ويقصد يعالون الخطبة التي خطبها نصر الله في أيار 2000 بعد انسحاب الجيش «الإسرائيلي» من جنوب لبنان بيومين، وقال نصر الله آنذاك إن المجتمع «الإسرائيلي» أوهى من خيوط العنكبوت. وكانت تلك، كما يقول وزير الدفاع، هي الخطبة التي لخّصت تسعينات القرن الماضي، لكن الامور تغيرت منذ ذلك الحين فكانت «السور الواقي أولاً في 2002 وبعدها العمليتان في غزّة وفي نهاية المطاف الجرف الصامد في هذا الصيف. إنه توجه مختلف وتصميم مختلف». وهو غير سعيد لأن المعركة استمرت خمسين يوماً، لكن يعالون يقول إن العرب تعلموا أن «إسرائيل»، بخلاف بعض تخميناتهم، قادرة على الثبات في الاستنزاف ايضاً. فهي تدافع عن نفسها وتجبي من أعدائها ثمناً باهظاً.

في المؤتمر الذي عقد في القاهرة في بداية هذا الاسبوع وُعِد بـ 5.5 مليار دولار من اموال الدول المانحة لإعمار غزّة. ويعالون ليس على ثقة من أن الاتصالات غير المباشرة بحماس ستنتهي إلى تسوية هدنة اكثر تفصيلاً. ويكفي من وجهة نظر «إسرائيل» مبادئ صيغت في التسوية المقلصة في نهاية آب تضاف اليها الاتفاقات التي توصلت اليها مع الامم المتحدة والسلطة الفلسطينية على إدخال سلع واموال إلى قطاع غزّة تحت رقابة دولية وثيقة.

إن لبّ الامر في نظره التنسيق السياسي الامني مع مصر الذي أصبح يُمكّن من الحد من جهود حماس للتسلح بقدر كبير. «لم تمر منذ سنة قذيفة صاروخية واحدة من سيناء إلى غزّة لأن مصر بدأت تعمل بصورة فعالة، وأوقفنا نحن والمصريون نقل الاسمنت إلى القطاع قبل القتال بكثير لأننا لاحظنا أن الاسمنت يستعمل في حفر الانفاق». ويقول إن الترتيبات الجديدة «ستُمكن الغزيين من العيش. وقد بدأ تحويل المال والمعدات لإعمار غزّة. لكن الميناء والمطار حلما يقظة. ويمكن التباحث في ذلك في القاهرة لكن حماس ايضاً تدرك أن هذين الأمرين ليسا في جدول أعمالنا ولا في جدول أعمال السلطة ومصر».

لكن المشكلات الداخلية كانت اكثر اقلاقاً له في الحرب في غزّة، لا سيما ما يرى أنه عدم مسؤولية عند اعضاء في المجلس الوزاري المصغر. «تلقى وزير ما بينيت تقريراً ميدانياً وقال إنه يوجد لواء جفعاتي طور طريقة لعلاج الانفاق، لكننا لا نُمكنهم من ذلك. وأقترح أن يقدر الوزراء تقديرات أوسع كحوارنا مع الادارة الأميركية والامم المتحدة. إننا لم ندخل هذه الحملة كما كانت الحال في حرب لبنان الثانية فقد كنا نعرف إلى أين نريد أن نصل. وثمة اعتبارات تتجاوز وجود قدرة مستعدة للعمل. وهناك عدد غير قليل من التهديدات، وحينما تُرسخ ردعاً لا تستطيع أن تنقض على كل شيء لأن للعدو قدرة تكتيكية فقط. يوجد 100 ألف قذيفة صاروخية لحزب الله موجهة علينا، فهل ندخل لبنان الآن لعلاجها؟».

زعم بينيت أن صلته المباشرة بقادة الميدان أتاحت له وجهة نظر مختلفة، بصفته عضواً في المجلس الوزاري المصغر، في القرارات الحاسمة المصيرية وساعدته على ان يحث وزير الدفاع ورئيس الاركان بني غانتس على العمل. ويرفض يعالون هذا التعليل رفضاً باتاً.

يرفض يعالون أن يتقاسم مع بينيت مجد إجازة العملية على الانفاق. «من المسؤول عن الروح القتالية في الجيش؟ هل هو رئيس الاركان أم حزب ما؟ هذه تدبيرات سياسية. كنت في مجالس وزارية مصغرة في العشرين سنة الاخيرة، منذ أن تم تعييني رئيس «أمان». وقد بحثت الحكومة السابقة وهي الثامنة التي كنت عضواً فيها في شؤون مصيرية وكانت جدالات جدية عاصفة احياناً، لكن لم يخرج أي شيء من تلك الحلقة. وحتى لو صوّت معترضاً على قرار ما فعليك مسؤولية باعتبارك عضواً في الحلقة ألا تثور عليه في الخارج وقت الحرب».

وجاء عن مكتب بينيت، ردّاً على ذلك، أنّ وزير الدفاع هو أبو التصور العام الذي يرى أن حماس مردوعة ولهذا لن تستعمل الانفاق. ويقتضي انهيار ذلك التصور فحصاً عميقاً لتسديد سلوكنا في المستقبل. إذا كانت تهمة الوزير بينيت هي التوجه إلى الميدان ولقاء القوات المقاتلة وسكان غلاف غزّة، فهو معترف بالتهمة وسيفعل ذلك في المستقبل ايضاً. وستُحقق وتُفحص تأثيرات المعلومات التي جاء بها بينيت إلى المجلس الوزاري المصغر عن الخروج إلى عملية الانفاق فحصا كاملاً من دون طمس الحقائق ومن دون تهرّب. وليس التقصير في مسألة الانفاق مسألة مناكفة سياسية بل تحقيق جدّي قاس، وبهذا فقط نستطيع أن نحسن وضعنا في الصعيدين السياسي والعسكري استعداداً للمعركة التالية وهذا ما سيكون.

وينوي الوزير بينيت العمل على أن يُفحص في هذا التحقيق عن محاضر الجلسات لإعطاء اجوبة لا لبس فيها عن الاسئلة الصعبة مهما تكن تأثيراتها في الجهاز».

في ظل الاعياد، حل رئيس الوزراء، موقتاً على الاقل، ازمات الميزانية حينما وافق على زيادة نحو من 14 مليار شيكل على الميزانية الامنية خلال سنة ونصف، إثر الحرب في غزّة. وما زال يعالون غير راض. «أنا أدير معركة مع وزارة مالية تظن أنه لا يحتاج إلى مال للامن. والتزم رئيس الوزراء بالتباحث ألا يشمل الاتفاق على زيادة الميزانية الامنية مواد من خارج الميزانية كنقل الجيش الإسرائيلي إلى النقب والعمل على ازالة الالغام، ولهذا صوتّ مؤيداً. وجاءت المالية الآن فزعمت أن كل شيء مشمول، وأقدر أن توجد جدالات اخرى في السنة المقبلة».

وعد يعالون في نهاية الصيف بأن يشتغل في تعيين رئيس الاركان التالي الذي يفترض أن يرث غانتس في منتصف شباط، وقد حان الموعد تقريباً. ويقول يعالون إنه سيفي بما وعد. والمرشح شبه المؤكد للمنصب، على رغم أن يعالون غير مستعد للتطرق إلى ذلك بأيّ صورة، هو نائب رئيس الاركان الحالي، اللواء غادي آيزنكوت. ويعد وزير الدفاع بإجراء شفاف كامل مع كل المشاورات المطلوبة. «سنقوم بكل الفحوصات التمهيدية المطلوبة وسنأتي الحكومة بأفضل مرشح في موعد قريب من تشرين الثاني».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى