اللغط حول رسالة مدير «سي أي آي» لسليماني
حميدي العبدالله
يدور بعض اللغط حول الرسالة التي بعثها مدير المخابرات المركزية الأميركية «سي أي آي» إلى الجنرال قاسم سليماني.
وسائل إعلام عربية وغربية حاولت تقديم هذه الرسالة على أنها تحذير من قبل الولايات المتحدة لإيران، وبالتالي استنتجت أنّ الرسالة تعبّر عن موقف أميركي صارم ضدّ الوجود الإيراني في سورية.
لكن هل تعبّر الرسالة فعلاً عن مثل هذا الاستنتاج، أم أنّ لها تفسيراً آخر؟ يمكن تثبيت تفسير موضوعي للرسالة أو الهدف من وراء هذه الرسالة غير ما عمدت إليه وسائل الإعلام الغربية ووسائل العربية التي تدعم السياسة الأميركية في المنطقة.
واضح أنه لم يكن في نية الولايات المتحدة الكشف عن وجود هذه الرسالة، من بادر إلى كشفها هو إيران وليس الولايات المتحدة، وهذا يعني أنّ واشنطن لو كانت في وضع أفضل وأنّ هدف الرسالة تحذير صارم لإيران وليس التودّد لها لكانت واشنطن هي التي بادرت إلى الكشف عن وجود هذه الرسالة وليس إيران. كشف الولايات المتحدة عن وجود الرسالة بعد الكشف عنها من قبل إيران جاء لمحاصرة الأضرار الناجمة عن عملية الكشف هذه، وقطع الطريق على أيّ تأويلات قد تؤثر على معنويات حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
واضح أيضاً أنّ عدم قبول الجنرال قاسم سليماني تسلّم الرسالة يؤكد على موقف إيران الصلب في مواجهة الولايات المتحدة في سورية، وقد أكد مدير «سي أي آي» عدم قبول سليماني تسلم الرسالة، وهذا الاعتراف لا يصبّ في مصلحة الاستنتاج الذي روّجت له وسائل الإعلام الغربية ووسائل الإعلام العربية الموالية للغرب.
الرسالة الأميركية ورفض سليماني تسلّمها يؤكد أنّ إيران هي في موقع القوة في سورية والولايات المتحدة في موقع الضعيف، على عكس ما يروّج له الإعلام. هذه حقيقة يمكن التعرّف إليها من الواقع الميداني الذي يحيط بالقوات الأميركية في سورية. إيران تحظى بشرعية وجودها في سورية على عكس القوات الأميركية، وشرعية وجود القوات الإيرانية يعني أنها تحظى بدعم الجيش السوري الذي يسيطر على 90 من سورية، كما أنّ القوات الإيرانية هي حليفة للقوات الروسية الموجودة في سورية، وعلى حدود سورية الشرقية في العراق تنتشر وحدات عسكرية من الحشد الشعبي حليف إيران، وعلاقات تركيا مع الولايات المتحدة تعاني من تأزّم بسبب الأكراد وقضايا أخرى، وتجعل تركيا مهيّأة لعلاقة مع إيران لا تصل إلى حدّ تعاون أنقرة مع واشنطن ضدّ طهران. كلّ هذه الاعتبارات تجعل إيران في وضع عسكري في سورية أفضل من وضع الولايات المتحدة التي تحتاج لتأمين قواتها لشيء من الهدوء إزاء إيران، وهذا هو الهدف من وراء إرسال مدير «سي أي آي» لرسالته إلى قاسم سليماني.