اجتماعات حاسمة لبلورة تفاهمات مستحقة
سعد الله الخليل
«إنها لعبة معقدة لا تُلزم الفرنسيين والأميركيين والروس فحسب بل أيضاً مواقف جهات فاعلة أخرى مهمة بالقدر نفسه». بهذه الكلمات ختم الناطق باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو مؤتمره الصحافي حول ما أسفر عنه اجتماع 26 أيار 2013. حينئذ، وصف لاليو الاجتماع كمحطة لقاء ضرورية بين ثلاثة من المروّجين الأساسيين لمشروع مؤتمر جنيف، وفي لحظة حاسمة بالتزامن مع قرارات مهمة في بروكسيل واجتماع اسطنبول، وثمة عدد من نقاط الاتفاق ولكن هناك صعوبات لا يجوز الاستهانة بها.
في بروكسل، خيّمت النزاعات حول تسليح المعارضة، وحينئذ أصدر الاتحاد الأوروبي قراراً برفع الحظر عن توريد المعارضة السورية، وتزامن ذلك مع إعلان روسيا توريد شحنة أنظمة الدفاع الصاروخي إس-300 وصفها بوتين بالعامل المساعد على الاستقرار ومنع المتهورين من استكشاف سيناريوهات يمكن أن تعطي للصراع طابعاً دولياً بمشاركة قوات من الخارج.
وفي اسطنبول، كان الغرب يضغط على ائتلاف المعارضة لتعيين رئيس جديد له خلفاً للرئيس المستقيل معاذ الخطيب وتشكيل جبهة موحدة، فيما كان الوضع الميداني على الأرض يشهد اندحار المجموعات المسلحة بعد استعادة السيطرة على القصير وتوجه الجيش نحو حمص.
في تلك الأثناء، كثف الغرب حملته للترويح لاحتمال استخدام الجيش السوري السلاح الكيماوي، فأعلن المتحدث باسم الخارجية البريطانية في الثلاثين من أيار قلق بلاده من استخدام تلك الأسلحة. وشددت الولايات المتحدة العقوبات على طهران وفرضت عقوبات جديدة على البنوك الفنزويلية.
كل هذا التصعيد سبقه في التاسع من نيسان تشكيل «داعش» في كلمة صوتية بثتها قناة الجزيرة لأبو بكر البغدادي، ثم ما لبثت «داعش» أن سيطرت على خان العسل التي شهدت استخدام المواد الكيمائية واستولت على مطار منغ العسكري وتمددت وتمددت فاكتملت عدة الحرب…
إذاً هي ذروة الحرب والتصعيد في اللعبة المعقدة بحسب وصف لاليو والتي شحذ الغرب لها كل أدواته ظناً منه أنه سيدخل مؤتمر جنيف لكسب كل الملفات من البوابة السورية.
حملة التصعيد الإعلامية حول الاستخدام الكيماوي أتت في ذروة اكتمال العدة، فأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في الثامن والعشرين من آب موافقته الرسمية على بدء الهجوم العسكري ضد سورية، في حين أعلن البيت الأبيض أن الهجوم سيبدأ خلال ساعات قليلة.
وفيما كانت البوارج الأميركية تجوب البحر المتوسط، طالت ساعات أوباما وانتظر ستة عشراً يوماً، لينقذه اتفاق لافروف وكيري، بعد جولات ماراثونية في جنيف، على تسليم سورية أسلحتها الكيمائية كمدخل لبدء مفاوضات جنيف 2، ما شكل فرصة لأوباما للتراجع عن مشروع الحرب.
وأمام المواجهة الكبرى مع روسيا، أشعلت الولايات المتحدة والغرب أزمة أوكرانيا بعد دفع المعارضة للاعتراض على شراء روسيا سندات دين الحكومة الأوكرانية، ومقدارها 15 مليار دولار في كانون الأول 2013، ما يقلص أهمية أي مساعدة يقدمها الاتحاد الأوروبي عبر صندوق النقد الدولي، وخفض سعر الغاز الروسي إلى الثلث، وبدأت المعارضة في تشرين الثاني بتنظيم احتجاجات حاول الغرب من خلالها الضغط على موسكو من بوابة دعمها الرئيس فيكتور يانوفيتش، وتطورت إلى مواجهات وعزل الرئيس واتهمت روسيا بعرقلة الحل في موسكو وبدأ مسلسل فرض العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا.
ومع استعارة الحرب، بدا واضحاً للغرب ألا مفر من التفاوض الذي بدأ من الملف الإيراني. ففي 24 تشرين الأول 2013، حين اتفقت طهران والسداسية الدولية على عقد جولات من المفاوضات، انطلقت الجولة الأولى منها في جنيف في سويسرا وما زالت الجولات جارية، تمكنت إيران عبرها من فك القيود على الودائع المالية المجمّدة من عوائد النفط وانتزعت اعترافاً بحقها في تخصيب اليورانيوم، وهو ما يعد تراجعاً غربياً عن المواقف السابقة.
وبدت حروب السعودية وتركيا في المنطقة بلا طائل، وسقطت ورقة اليمن من يد أميركا والسعودية ووقع الحوثيون وباقي الأطراف السياسية اليمنية اتفاقاً في 21 9 2014 ينص على تشكيل حكومة كفاءات، وكلف خالد محفوظ بحاح بتشكيلها وهو أحد ثلاث مرشحين من قبل الحوثيين.
في الملف السوري، تحاول الولايات المتحدة والتحالف الدولي محاربة «داعش» عبر شن ضربات استعراضية، وبدأت فجر الثلاثاء في 23 أيلول ضرباتها في سورية، فيما سقط الحلم التركي بإقامة المناطق العازلة في سورية وهو ما أعلنته الإدارة الأميركية في العاشر من تشرين الأول.
ومع صعوبة التقدم في حرب المحاور وانكشاف الخداع بصعوبة التقدم في ملفات الحرب، بات الجميع أمام حقيقة واحدة تقضي بضرورة التفاوض، وأمام اجتماعات حاسمة خلال الشهرين القادمين لبلورة تفاهمات مستحقة.