برنامج إيران» الصاروخي « بدل «النووي»؟
روزانا رمّال
تتضح الرغبة الأميركية بالتصعيد باتجاه إيران، لكن ليس لجهة الملف النووي الإيراني الموقع مع الدول الخمس زائداً واحداً. وهو الأمر الذي بدا أصعب مما اعتقدت واشنطن بعد طرح فك الاتفاق أو نسفه مع طهران، كما وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب «الاسرائيليين» خلال حملته الانتخابية. وهو الأمر الذي يشكل القلق الأكبر بالنسبة لـ«إسرائيل» والسعودية.
المشكلة في الاتفاق النووي الإيراني الذي شرّعه الرئيس السابق باراك أوباما أنه فتح الأبواب على إيران نحو آفاق جديدة من العلاقات مع الغرب، ولأن الإيرانيين وكذلك الأوروبيين كانوا متعطّشين لفتح علاقات وأسواق جديدة، كانت هناك محطات أو صفقات تجارية وازنة أبرزها مع فرنسا وايطاليا وصار المأمول من هذه العلاقات التطوير والتعزيز من اجل مصلحة جميع الأطراف. وبالتالي صار لزاماً على الولايات المتحدة الأخذ، بعين الاعتبار الى ان هناك مصالح يتعيّن عليها مراعاتها وهي مصالح أساسية بالنسبة لحلفائها والعودة إلى الوراء تعني الإضرار بها. وبالتالي لا يمكن الحديث عن نسف الاتفاق من الأساس.
لكن ومن جهة أخرى، فإن قراءة المشهد تؤكد ان الولايات المتحدة لم تكن جادة في هذا الأمر. وهي تدرك جيداً أن التوقيع لم يكن أحادي الجانب، بل يحمل معه أطرافاً دوليين آخرين، ولهذا السبب كان كلام ترامب مجرد وعود انتخابية، ربما عمل على تعويضها في مكان آخر أمام «الإسرائيليين» لتعويض فشله. الأمر الاكثر أهمية اليوم والذي يمكن له أن يكون دليلاً ناجعاً على عدم نية الأميركيين نسف الاتفاق هو الحديث عن نيات أميركية جدية لبحث الملف النووي الكوري الشمالي سلمياً، أي عبر فتح حوار شامل مع كوريا الشمالية. وهو بطريقة أو بأخرى يشبه الى حد بعيد المراحل التي مرت بها التحضيرات للمفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب، وحينها كان ذلك الأمر شبه مستحيل، لان إيران التي تشكل جهة متطرفة بالنسبة للغرب يصعب كثيراً الأخذ بعين الاعتبار امكانية ان تنجح المفاوضات معها، لان شروط المجتمع الدولي كانت عالية وطهران ترفض التراجع. وهو الأمر نفسه المشترك مع الكوريين الشماليين اي ان الأميركيين يعرفون أنهم مقبلون على مفاوضات قد تكون منهكة الا أنهم قرروا خوضها من جديد. وما زيارة المبعوث الأميركي جيفري فيلتمان تحت العباءة الأممية الى كوريا الشمالية إلا دليل قاطع على عزم الأميركيين انتهاج هذا الخط. وهي الزيارة نفسها التي تضمنت حركة فيلتمان نحو إيران، حيث لم يكتف بالاجتماع مع المعنيين بالملف النووي «علمياً»، بل زار أيضاً المرشد الأعلى للثورة في إيران السيد علي خامنئي. الأمر الذي أكد ان واشنطن صارت في مكان آخر تجاه حلحلة الملف.
هذا الأمر عزّز مكانة إيران من دون شك، فإيران اليوم التي تنتهج سياسة تقوية الأحلاف غير قلقة من مغبة أن يقدم الأميركيين بدعم «اسرائيلي» على نسف القرار أو التراجع عنه. وهو الأمر الذي يربك خصومها في المنطقة على عكس ما يمنحها من راحة كبيرة لتنشيط سياستها فيها.
هذه المعطيات جميعها يعرفها الأميركيون جيداً ويوم كان التوقيع على الملف، كان السؤال الأبرز: ماذا عن حلفاء الولايات المتحدة «إسرائيل» والسعودية؟ حينها كان الجواب بـ«التوقيع» ولا حل آخر. وهو خضوع أميركي لمسلمة وحيدة وهي عدم القدرة على مسايرة حلفائها في هذا الملف.
اليوم تجتمع الإدانات الدولية باتجاه أميركا دولياً والسعودية إقليمياً لعدم حزمها في صد إعلان الأميركيين القدس عاصمة يهودية. ومعروف أن المملكة قادرة على ذلك، وهي التي أغدقت المليارات على ادارة ترامب وتستطيع رفع الصوت أمام هذا القرار المشين. وحدها السعودية من بين الدول قادرة على ذلك، بل ويتوجّب عليها أن تتحرك من أجل ما تمثّله قيادتها خدمة للحرمين الشريفين، لكن ذلك لم يحصل.
البديل كان تحشيد أميركي من نوع آخر يستبدل التلويح بورقة إطاحة الاتفاق النووي بورقة الصواريخ الإيرانية. وهي ربما مرحلة جديدة تتذرع بها الإدارتان الأميركية والسعودية لذرّ الرماد عن العيون لأمرين اساسيين:
الاول: تهويد القدس وتراخي السعودية تجاه القرار.
الثاني: حصر صفة الإرهاب في المنطقة بإيران بعد قانون جستا الذي وقع عليه باراك أوباما وأدان سعوديين بعمليات ارهابية طالت الولايات المتحدة، رافعاً الحصانة عنها كدولة للمحاسبة. وهو قانون يسمح لأهالي المتضررين أمثال اهالي ضحايا 11 ايلول بالتحرك.
في الوقت الذي يجتمع فيه العالم على بناء قوة مناهضة للولايات المتحدة الأميركية نتيجة قرارها بتهويد القدس تتحدث مندوبتها نيكي هايلي في الأمم المتحدة عن رغبة بلادها بناء تحالف دولي للتصدي لسلوك إيران، والسعودية تؤيّد، بل ترحب بكلام المندوبة الأميركية التي طرحت فيه اشكالية جديدة «برنامج الصواريخ»، معتبرة أنه «لا توجد جماعة إرهابية في الشرق الأوسط ليس لإيران بصمات عليها»، مشيرةً إلى أن «إيران تعمل على إشعال الحرائق في منطقة الشرق الأوسط».
السعودية وبمحاولة لتعزيز هذا الموقف وتوحيده رحبت بكلام هايلي الذي دان نشاطات إيران ودعمها للميليشيات، كما أسمتها باعتبار ان صواريخ حوثية طالت المملكة من دون إغلاق الباب امام مهمة المبعوث الأممي للتوصل لحل سلمي في اليمن، مع دعوة للتحقق والتفتيش حول برنامج إيران الصاروخي.
السفير الروسي في اليمن رفض جملة وتفصيلاً هذا الكلام، معتبراً أن هذه المزاعم غير دقيقة، مستبعداً أن تكون إيران هي من يزوّد الحوثيين بالصواريخ الوازنة بهذا الشكل في ظل السيطرة التامة للتحالف العربي على سواحل البلاد ومناطق حدودية فيها!
ذر الرماد في العيون يبدأ لتضيع معه قضية القدس، فاتحاً معها قضية جديدة هي الصواريخ بدلاً من النووي الإيراني.