قمّة القدس في بكركي: لضغط عربي ودولي على أميركا للتراجع.. وتقدير كبير للفلسطينيين لصمودهم وتصدّيهم ومقاومتهم الاحتلال

ناشد رؤساء الطوائف في لبنان المرجعيات السياسية العربية والدولية الضغط على الإدارة الأميركية للتراجع عن قرار تهويد القدس «الذي يفتقد إلى الحكمة»، معتبرين أنّ القرار الاميركي يسيء إلى ما ترمز إليه القدس ويشكّل تحدّياً لأكثر من 3 مليارات من البشر.

استضافت بكركي أمس القمّة الروحية المسيحية – الإسلامية برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، شارك فيها: مُفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ نعيم حسن، كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس أرام الأول كيشيشيان، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك يوسف عبسي، بطريرك أنطاكية والرئيس الأعلى للسريان الأرثوذكس أغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك كاثوليكوس كيليكيا للأرمن الكاثوليك مار غريغوار بطرس العشرين غبرويان، ممثّل بطريرك أنطاكية للروم الارثوذكس يوحنا العاشر المتروبوليت أنطونيوس الصوري، النائب الرسولي للاتين المطران سيزار اسيان، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسورية القسّ سليم صهيوني، القائم بأعمال المجلس الإسلامي العلوي محمد عصفور، ممثّل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأرشمندريت رويس الأورشليمي، ممثّل رئيس الكنيسة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي المونسنيور يوسف ميخا، ممثّل الكنيسة القبطية الكاثوليكية الأب أنطونيوس إبراهيم وأعضاء اللجنة الوطنية للحوار.

افتتح الراعي القمّة بكلمة، رحّب فيها بالحضور «لعقد هذه القمّة التي اقتضاها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اتّخذه في السادس من هذا الشهر، وصدم به العالم، إذ أعلن مدينة القدس عاصمة لـ»إسرائيل»، وأمر بإجراء الترتيبات لنقل السفارة الأميركية إليها من تلّ أبيب».

وقال: «إنّه قرار جائر بحقّ الفلسطينيِين والعرب والمسيحيين والمسلمين، وقرار مخالف لقرارات الشرعية الدولية ولمقرّرات الأمم المتحدة، وللقانون الدولي، وقد علت أصوات من مختلف الجهات تندّد بالقرار وترفضه وتطالب بالرجوع عنه أو بإبطاله».

وتابع: «لقد عبّر معظمنا عن هذا الرفض، إفرادياً أو جماعياً في طائفته. لكنّنا نتنادى اليوم لنعبِّر معاً وبصوت واحد عن موقفنا الرافض، فنرفعه عالياً أمام الرأي العام، ونوجّهه إلى الأسرة الدولية. فيؤسفنا في البداية أنّ رئيس دولة توصف «بالعظمى» لأنّها في الأساس تؤمن بحقوق الإنسان والشعوب وتدافع عنها، وتلتزم ببناء السلام، يتّخذ مثل هذا القرار الذي ينتهك حقوق الفلسطينيين وحقوق المسيحيّين والمسلمين في المدينة المقدّسة».

وأمل «أن يقف مجلس أساقفة الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبنا في ما سنطالب به في هذه القمّة الروحية. وننتظر الموقف نفسه من المجالس الأسقفية في العالم».

كذلك، أكّد دريان أنّ «القدس ليست قطعة أرض، بل هي قضية العرب التي يجب أن تكون القضية الأولى والمركزية والمحورية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي»، معتبراً أنّ «لا كرامة ولا عزّة للعرب ما دامت فلسطين مغتصبة، والقدس تُنتهك من العدو الصهيوني ومن الرئيس الأميركي بقراره المشؤوم»، معلناً «دعم الفلسطينيين في حقهم المشروع في المقاومة، لأنّ ما يقومون به ليس إرهاباً، بل مقاومة للاحتلال الغاصب للأرض».

من جهته، قال قبلان: «مثّلني رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في موضوع القدس»، مضيفاً: «تبيّن أنّ من يمثّل المسلمين هما عون وباسيل ومن يمثّل النصارى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي و رئيس الحكومة سعد الحريري».

وأكّد أنّ عون «يمثّل اللبنانيين، وأنا أسمّيه الإمام ميشال عون»، معتبراً أنّ «على القمّة أن تعمل بما يمليه الواجب». وأشار إلى أنّ «لبنان صغير وضعيف، لكنّه قوي بوحدته وعمله الدؤوب من أجل الحق».

من جهته، أكّد حسن أنّ «القوة الغاشمة مهما طغت فليس لها من سلطان على قلب أيّ مؤمن صادق»، لافتاً إلى أنّ القدس هي روح فلسطين بكلّ ما تعنيها في الذاكرة والتاريخ والمستقبل. وشدّد على أنّ شعبنا في فلسطين «له الحق في أرضه وفي قدسه ودولته».

البيان الختامي

وفي الختام، صدر عن المجتمعين بيان تلاه أمين عام لجنة الحوار الإسلامي – المسيحي محمد السمّاك، لفتَ إلى أنّ المجتمعين عبّروا عن شعورهم بالصدمة بسبب إعلان ترامب «قراره الجائر باعتبار القدس التي هي عاصمة للدولة الفلسطينية عاصمة للاحتلال «الإسرائيلي»، ونقل مقرّ سفارة بلاده إليها. ونظراً لخطورة القرار وتداعياته، تنادوا لعقد قمّة روحية مسيحيّة – إسلاميّة لإعلان موقفهم الموحّد من هذه القضيّة التي تهمّهم جميعاً».

واعتبروا «أنّ القدس التي تزخر بمواقع تاريخيّة مقدّسة لدى الديانات التوحيدية ككنيسة القيامة والمسجد الأقصى، ليست مجرّد مدينة عادية كغيرها من مدن العالم. إنّ لها موقعاً مميّزاً في ضمائر مؤمني هذه الديانات. وبالتالي، فإنّ قرار الرئيس الأميركي المبني على حسابات سياسيّة خاصة، يشكّل تحدّياً واستفزازاً لأكثر من ثلاثة مليارات من البشر، ويمسّ عمق إيمانهم».

وقال: «إدراكاً من المجتمع الدولي لهذه الحقيقة واحتراماً لها، فقد التزمت دول العالم كلّها بقرارات الأمم المتّحدة التي تعتبر القدس وسائر الضفة الغربيّة أرضاً محتلّة. وإعراباً عن هذا الالتزام القانوني والأخلاقي، فقد امتنعت هذه الدول عن إقامة سفارات لها في القدس المحتلة. وشاركت الولايات المتّحدة المجتمع الدولي بهذا الالتزام إلى أن خرقه الرئيس السيّد ترامب بالقرار المشؤوم الذي أعلنه يوم السادس من كانون الأول 2017».

وأعلن المجتعون رفضهم هذا القرار، وطالبوا بالرجوع عنه، معتبرين أنّه « فضلاً عن مخالفته القوانين والمواثيق الدولية، فإنّه يسيء إلى ما ترمز إليه مدينة القدس كمدينة روحيّة جامعة».

ورأوا أنّ «تغيير هذه الصورة النبيلة للقدس، وتشويه رسالتها الروحيّة من خلال هذا القرار والتعامل معه كأمر واقع، يسيء إلى المؤمنين، ويشكّل تحدّياً لمشاعرهم الدينية وحقوقهم الوطنية، ويعمّق جراحاتهم التي تنزف حزناً ودماً بدلاً من العمل على معالجتها بالعدل والحكمة». وتوجّهوا بالتقدير الكبير إلى الفلسطينيين، «وخاصة أهل القدس، لصمودهم وتصدّيهم ومقاومتهم الاحتلال ومحاولات تغيير الهويّة الدينية والوطنية لمدينة القدس».

وناشد المجتمعون «المرجعيات السياسية العربية والدولية للعمل معاً بُغية الضغط على الإدارة الأميركية للتراجع عن هذا القرار الذي يفتقد إلى الحكمة التي يحتاج إليها صانعو السلام الحقيقيون».

كما ناشدوا الرأي العام الأميركي بمنظّماته الأهلية والدينية «أن يرفع الصوت عالياً لتنبيه ترامب وإدارته إلى مخاطر القرار الجائر الذي يزجّ «الشرق الأوسط» في دورة جديدة من دورات العنف التي عانى منها كثيراً».

وأعرب المجتمعون «عن قلقهم الشديد من أن يؤدّي التفرّد الأميركي بالانقلاب على قرار هام من قرارات الشرعية الدولية التي تتعلّق بالقضية الفلسطينية، إلى الانقلاب على قرارات أخرى، بما في ذلك القرار الذي يتعلّق باللاجئين الفلسطينيين لمحاولة فرض تقرير مصيرهم خارج إطار العودة إلى بلادهم المحتلة، وهو أمر يشكّل اعتداءً على أمن وسلامة ووحدة لبنان الذي يستضيف حوالى نصف مليون لاجئ فلسطيني منذ عام 1948، والذي أكّد في ميثاقه الوطني وفي دستوره على رفض التوطين شكلاً ومضموناً».

وإذ أكّد المجتمعون تمسّكهم بصيغة العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وتمسّكهم بالمبادئ الوطنية التي أقرّها الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، أعربوا عن دعمهم الموقف اللبناني الرسمي الرافض لقرار الرئيس الأميركي الجائر، كما أعربوا عن تأييدهم للمشروع الذي طرحه رئيس الجمهورية اللبنانية أمام الأمم المتحدة باعتبار لبنان مركزاً دولياً للحوار بين أهل الأديان والثقافات المختلفة. وذلك تكاملاً مع صيغة عيشه المشترك، ورسالته باحترام التعدّد الديني والثقافي.

وفي الختام، قدّم المجتمعون التهاني بعيد الميلاد «إلى أهلهم وأحبائهم في لبنان وفي العالم العربي والعالم، وبخاصة إلى الصامدين في القدس المحتلّة»، آملين أن يكون «بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك من أجل توطيد أواصر الأخوّة والمحبة والسلام بين جميع الناس».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى