سيارة «INFINITY» وشعر الهايكو!
سميّة تكجي
الدعاية… تلك الساحرة المخاتلة التي تجيد اجتراح المبالغة المقنّعة والمعلومة حدّ الإبهار، وتسردها بأسلوب فنّي مغاير يدغدغ المشاعر ويغوي أيّما إغواء، باعتمادها خلطةً عشوائية غريبة تراود الأحلام والرغبات، وتعرض نفسها بأسلوب فيه من الفرادة والجاذبية ما يكفي لكي توقع أكبر عدد من الضحايا في شباكها!
الطبيعي أن الفرد منّا إذا كان بحاجة إلى شيء، فسوف يجد المال اللازم لشرائه. ولكن ما هو غير طبيعيّ، أن نشتري ونمعن في اقتناء ما لا حاجة لنا به، وألّا نقدر على كبح جماح سلوكنا الاستهلاكي لأننا وقعنا في دائرة سلطة الدعاية والإعلان. هنا تكمن القصّة، غواية الدعاية وتأثير سحرها الذي ينفذ إلى أعماقنا فيقوم بالوصل بيننا وبين أيّ منتج، يجعلنا نتأمل إنّما بمسّ من السحر. يحفّز فضولنا لنقيم علاقة مباشرة بيننا وبينه حين يستفز مكامن انفعالاتنا. حتى بتنا نتساءل: هل أصبحت الدعاية هي معيار جودة أيّ منتج؟ أم رضا المستهلك هو معيار الجودة؟ وكأننا بوعينا ولاوعينا مسيّرون إلى هذا العالم الجذّاب الصاخب الذي لا تنتهي أعياده في كلّ مكان تنتصب أعمدته وعلى كلّ الجدران نشهد لوحاته وزينته، ملصقات، بروشورات وصحف تفرد له الصفحات. وهو علم وفنّ واستراتيجية له جامعاته ومراسيمه وأدواته ومنظّروه وخبراؤه. تُعقَد من أجله المؤتمرات وتقع تحت سطوته كلّ وسائل الإعلام لأنه بات من مصادر التمويل الأساسية.
إذاً، الدعاية هي فنّ يتبع استراتيجية مدروسة بهدف الترويج للمنتج. ولكن هذه الاستراتيجية لم تعد تتورّع عن توسّل كلّ شيء من أجل نيل مآربها، رغم أننا تعوّدنا أن نسمع خلال سرد الدعاية شيئاً غير مألوف، يحدث في نفوسنا صدمة إيجابية، لكننا أصبحنا نسمع أشياء فيها من الغرابة ما يضحك، أو من الإثارة ما يقزّز، أو من تشييء ما هو إنسانيّ، إلى درجة أحسسنا أن كلّ شيء جميل حولنا بإمكانه أن يتحوّل إلى عبوات أو مغلّفات متحرّكة!
ما بالك لو عاد درويشنا يوماً ومشى في الشارع يدندن «أحنّ إلى خبز أمّي وقهوة أمّي ولمسة أمّي»، وفجأة تطالعه لافتة من «حفاضات الأطفال» وهي موسومة أنها غمرة أمّ… ولافتة أخرى للجبنة الذائبة على شريحة الخبز… على أنها لمسة أمّ… يا لهول الفاجعة… سيسحب حتماً درويشناً، اعتذاره لأمّه.
أما عن المرأة واستخدام مفاتنها للإثارة بهدف التسويق فحدّث ولا حرج. تلك التي تقفز من لفافة التبغ لتمنح اللّذة للرجل المدخّن تعادل لذّة القبلة… أو عندما يصوّرونها قرب السيارات الفارهة كي يقولوا للرجل، إنّ لذة الحصول على هذه السيارة تعادل لذّة الحصول على هذه المرأة الجميلة، فهي دائماً في الدعاية الرمز الجنسي وجزء من رغبته ومحطّ شهواته. وهذه الأمثلة هي غيض من فيض.
أما آخر صيحة في عالم الدعاية، فقد جاءت من المكسيك وتحديداً من شركة السيارات اليابانية العملاقة «INFINITY» في إعلان فنّي فريد، وفيه من الإتقان والحِرفية ما فيه، حيث عمد خبراء الإعلان إلى اجتراح إعلان يربط بين قصيدة الهايكو والسيارات المذكورة تحت عنوان «القوة والعاطفة تماماً كما الهايكو». إذ إنها، على حدّ تعبيرهم، تمتاز بتوازن بين الحداثة والتقاليد، والأناقة وقوة الاحتمال، وهذه الخصائص تجعلها تشبه قصيدة الهايكو التي تختزل في 17 مقطعاً صوتياً مقسّمة إلى ثلاثة أبيات. ووجه الشبه الآخر أنّ السيارة المذكورة وقصيدة الهايكو هما من أصول آسيوية، ويَلقيان انتشاراً واسعاً في أميركا الشمالية. وتصف الدعاية أنّ الهايكو تؤمّن للقارئ فهم العلاقة العاطفية للحظة الشاعر وتخيّل تجربته الشخصية، فإنّ السيارة أيضاً تؤمّن لمن يقتنيها التجربة الفردية التي تتجاوز الإعجاب إلى مرحلة الإحساس، والإبداع الذي يوفّره الجمال الموجود فيها!
فلا ندري هنا ماتسو باشو معلّم الهايكو الأول ما رأيه بذلك، وهو من ربط اللحظة العابرة بالأبدية… جاء من يربط ما قاله بسيارة «INFINITY»!