غصن: تأمين الحماية الاجتماعية يعزّز النمو الاقتصادي ويحقق أهداف التنمية المستدامة
اعتبر الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن «أنّ التحديات الراهنة والواقع المؤلم يؤكدان أنّ النضال والتضامن بين أوروبا الجنوبية ودول حوض المتوسط من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية في مواجهة الرأسمالية النيوليبرالية وتوجُّهات الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وصندوق النقد الدولي، أصبحا بما لا يدع مجالاً للشك ضرورة وطنية وقومية وإقليمية كبيرة، نظراً لما أدت إليه تلك السياسات الرأسمالية المتوحشة من إفقار الناس حيث ازداد الغني غنىً، والفقير فقراً، ما يصبّ في صالح الإرهاب والاحتلال الإسرائيلي، حيث أصبحت السياسة العدوانية التوسُّعية لدولة إسرائيل تُشَكِّل حلقة من حلقات المشروع الأمريكي الإمبريالي الذي يهدف إلى الهيمنة على المنطقة، وتؤدي وظيفتها على صعيد الشرق الأوسط كوكيل عن السياسة النيوليبرالية يعمل لحساب أسواق المال والشركات المتعدّدة الجنسيات وصناعات الأسلحة وتشجيع الحروب ودعم التطرف والاحتلال وإحكام السيطرة على منابع النفط والطاقة التي تُشَكِّل هدفاً مركزياً في ما يعرفه الشرق الأوسط من صراعات وحروب، كما أنها تُشكِّل بمعنى أعمّ دافعاً للمشروع الأمريكي للهيمنة على المنطقة العربية، وزعزعة الاستقرار فيه من خلال الفوضى الخلاقة لقيام الشرق الأوسط الجديد».
كلام غصن جاء خلال الملتقى النقابي الدولي لبلدان جنوب أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط المنعقد حالياً في مدينة مارسيليا الفرنسية من 13 وحتى 15 كانون الأول/ ديسمبر 2017 بعنوان :«التضامن الدولي ودور الحركة النقابية لخدمة الطبقة العاملة»، بحضور عدد من رؤساء وممثلي النقابات العمالية العربية والدولية، بينهم رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر.
وقال: «ما يؤكد كلامي هذا، تعبير واشنطن عن خيبة أملها حيال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتبر أنّ أي خطوات تتخذها إسرائيل، كقوة احتلال، لفرض قوانينها وولايتها القضائية وإلادارية على مدينة القدس تعتبر لاغية وباطلة ولا شرعية لها. هذا القرار الذي وافقت عليه 151 دولة عضو في الأمم المتحدة وعارضته الولايات المتحدة وبعض حلفائها، ما يؤكد الانحياز الكامل والدعم المطلق للاحتلال الغاصب لفلسطين، ونشر التطرف والفوضى والإرهاب».
وأضاف غصن: «في نفس هذا التوقيت، وإمعاناً في الاستهتار بالأمم المتحدة وبقراراتها، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وأمر بنقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة، ضارباً بعرض الحائط قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي».
للتصدي للقرار الأميركي
وجدّد غصن، باسم الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، دعوته «كافة القوى الشعبية والعمالية والتقدمية في العالم العربي والدولي إلى التصدي للقرار الأمريكي العدائي والتواطؤ المخزي مع الاحتلال واغتصاب مدينة السلام القدس الفلسطينية العربية ومواجهة «صفقة القرن» الهادفة إلى التطبيع لتصفية القضية الفلسطينية».
وتابع: «لقد أردتُ أن أبدأ كلمتي بهذه المقدمة تدليلاً على مخاطر الاحتلال الإسرائيلي، باعتباره بؤرة للتطرف ونشر الفوضى، ليس في منطقتنا العربية فحسب بل في العالم كله، أما أمريكا وإسرائيل فهما محور الشر ومنبت التطرف ومن صنّاع داعش وأخواتها من المنظمات الإرهابية».
ولفت الأمين العام إلى «أنّ تعريف الفضاء المتوسطي، كما تُرَوِّج له بعض القوى الرأسمالية، لا يعنينا وهو ليس منا وليس لنا، فالفضاء المتوسطي الذي ندعو إليه لا يمكن أن يكون إلا فضاءَ الحركة الاجتماعية التي تُستنهَض وتُعبَّأ من أجل النضال ضدّ الإمبريالية التي تستحضر الحروب والتطرف.. ضدّ النيوليبرالية التي تُلهم الرأسمالية المتوحشة». وأوضح «أنّ فضاءنا المتوسطي هو فضاء النضالات المشتركة من أجل الخير العام والحريات العامة، السياسية والنقابية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضاء متوسطي متضامن، يحترم الإنسان وبيئته. فضاء يفضح بالأرقام تلك السياسات التي رفعت من نسب الفقر والبطالة في غياب الحماية الاجتماعية. هذه السياسات التي قضت على مستقبل العمل، خاصة مفهوم الحماية الاجتماعية للعمال حول العالم، وهذا ما حذرنا منه مراراً وتكراراً، في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب».
وذكّر غصن بما «كشفت عنه بوضوح منظمة العمل الدولية في تقرير رئيسي جديد لها بأنّ حقّ الإنسان في الحماية الاجتماعية لم يصبح بعد حقيقة واقعة للغالبية العظمى من سكان العالم، وتشير البيانات الواردة في التقرير العالمي للحماية الاجتماعية 2017/2019 «حماية اجتماعية شاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى أنّ 55 في المئة 4 مليارات شخص يعيشون من دون أية حماية. وتظهر الدراسة الجديدة أيضاً أنّ 29 في المئة فقط من سكان العالم يحصلون على ضمان اجتماعي شامل وهي زيادة طفيفة عن نسبة 27 في المئة في 2014-2015 ، في حين أنّ 71 في المئة من السكان، أو 5.2 مليار نسمة، غير مشمولين أو مشمولين جزئياً بالضمان الاجتماعي».
وشدّد على «أنّ الافتقار إلى الحماية الاجتماعية يترك الناس عرضة للمرض والفقر والإقصاء الاجتماعي وعدم المساواة طيلة حياتهم»، كاشفاً «أنّ إنكار هذا الحقّ الإنساني لنحو 4 مليار إنسان في العالم يشكل عقبة أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية».
وأكد «أنّ الإنفاق على الحماية الاجتماعية لتوسيع نطاقها، ولا سيما في أفريقيا وآسيا والدول العربية، لتوفير الحدّ الأدنى الأساسي منها للجميع هو ضرورة الآن، خاصة أنّ الحماية الاجتماعية الشاملة تساهم في القضاء على الفقر، والحدّ من عدم المساواة، وفي تعزيز النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، مشدّداً «على ضرورة توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل العمال في الاقتصاد غير المنظم لتحسين ظروف عملهم».
لحماية الفقراء والضعفاء
وتوجّه غصن إلى المشاركين في الملتقى قائلاً: «تعالوا نناضل لحماية الفقراء والضعفاء وتحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة الرأسمالية العالمية المتوحشة التي تسببت بالفوارق الطبقية الشاسعة، حيث أنّ 1 بالمئة من سكان العالم يمتلكون نصف ثروته».
ورأى غصن «أنّ كل هذه التحديات وغيرها تزداد خطورتها مع ذلك الإرهاب الذي ضرب بعض البلدان العربية خلال السنوات الخمس الماضية وتسبّب في خسائر وصلت إلى 900 مليار دولار، خاصة في القطاعات الإنتاجية والمدن الصناعية، وقد دمّر البنية التحتية وضرب المواقع السكنية ما أدى إلى تعطُّل العمال عن العمل، وتشريد الملايين من السكان، كما حدث في سورية والعراق وليبيا واليمن، ما دفعنا في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب إلى تبني برنامج مركز لتعزيز الوحدة والعمل المشترك مع كافة الشركاء لتحقيق الأهداف المشتركة، ووضع الرؤية وإعداد البرامج وتحديد الأهداف وإيجاد فرص العمل اللائق وتفكيك الاشتباك بين التطوير الاقتصادي والتطوير الاجتماعي والحدّ من أسوأ أشكال عمل الأطفال والنساء ورفع مستويات الأجور ومواجهة استخدام اليد العاملة الرخيصة في القطاع غير المنظم والتي تعمل من دون أي حماية اجتماعية».
وأكد «أنّ التحديات التي تواجه العالم اليوم من إرهاب واحتلال وهجرة وبطالة ونزوح، تتطلب منا المزيد من التعاون والتحالف من أجل مواجهة تلك السياسات الرأسمالية المتوحشة التي تقود الكرة الأرضية إلى الدمار والضياع، وخصوصاً الطبقة العاملة».
وقال: «إنّ أخطر تحدٍّ نواجهه هو ما نتعرض له من الإرهاب المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية من فلسطين إلى الجولان السوري وجنوب لبنان، حيث انتهاكات الاحتلال وفداحة ممارساته المتمثلة بقتل العمال العرب وإهانتهم وإذلالهم، فضلاً عن غطرسته وسرقة سماسرته جزءاً من أجورهم واستغلال النساء والأطفال في أسوأ الأعمال وفي العمل الجبري، ما يشكّل، من وجهة نظرنا، مظهراً من مظاهر إرهاب الدولة الذي يوازي الإرهاب الذي تمارسه الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تجتاح دولنا العربية ودول العالم، حيث تقتل المواطنين الآمنين بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، ومن بينهم العمال الساعين إلى رزقهم والتلامذة القاصدين مدارسهم، وقد انتشرت الخلايا الظلامية في مختلف دول العالم، مرتكبة جرائم جماعية في المدن والعواصم الإقليمية والدولية، عبر تفجيرات إرهابية تثير الرعب والهلع مختلف أصقاع الأرض».
أضاف غصن: «إننا في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب نرى أنّ الإرهاب لا يتمثل فقط بسفك دماء الأبرياء بل يتمثل أيضاً بالحصار الاقتصادي والمالي والعقاب الجماعي، وهو أسوأ أشكال الإرهاب الذي تمارسه الدول الاستعمارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من الدول الغربية على الدول المستقلة الحرة التي تأبى الانصياع لإملاءاتها والخضوع لهيمنتها وإذلال شعبها. إننا في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب نعتبر أنّ الإرهاب والتطرف الذين يضربان العالم، ما كانا ليتفشيا لولا مستنقعات البطالة وبؤر الفقر التي تولّد الكراهية والحقد والتطرف، وما ازدياد أعداد العاطلين عن العمل في العالم وبلوغ عدد الذين يعيشون تحت سقف الفقر مليارين ونصف المليار، منهم 327 مليون عامل، إلاّ القنبلة الموقوتة التي تهدّد السلم الاجتماعي».
وأكد غصن «أننا أمام مرحلة تتطلب تعاوناً وتحالفاً من أجل وضع الخطط اللازمة لمواجهة التحديات من أجل تحقيق العمل اللائق، وتأمين الحماية الاجتماعية، والصحة والسلامة المهنية، وحماية حقوق العمال المهاجرين، والحدّ من تهميش المرأة والشباب، والحفاظ على البيئة»، مشدّداً على «أنّ دور الاتحادات والنقابات العمالية في هذه المرحلة الخطيرة هو العمل المشترك الجامع والموحّد الذي تقوم به تنظيماتنا النقابية الرافضة للاستغلال والتوحش الاقتصادي والعسكري والاجتماعي».
وختم الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب كلمته قائلاً: «سنسعى معكم إلى محاربة كلّ أشكال الاستغلال والحدّ من تحويل العامل إلى مجرد سلعة ومواجهة العولمة الجائرة والليبرالية المتوحشة وأدواتها الرأسمالية، كصندوق النقد الدولي وعتادها العسكري حلف الناتو، من أجل ضمان كرامة العامل وحقه بالعمل اللائق وحقّ التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي ومواجهة التحديات المختلفة التي تواجه الحركة النقابية العمالية العالمية، على مختلف المستويات، لا سيما البطالة والهجرة والنزوح، بالإضافة إلى محاولات تفتيت النقابات والسعي إلى خلق الانشقاق بين المراكز النقابية العربية والأفريقية والعالمية، ومحاولات إضعاف الحركة العمالية وتشتيتها لمصلحة القوى الرأسمالية والأنظمة النيوليبرالية.
لقاء تضامني نصرة للقضية الفلسطينية
وبعد المنتدى عقد لقاء تضامني نصرة للقضية الفلسطينية، واستنكاراً لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس المحتلة، عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إليها.
وأكد المشاركون في اللقاء على أنّ القدس ستبقى عاصمة أبدية لفلسطين.
وقد قرر اتحاد عمال فرنسا والاتحاد العالمي للنقابات والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب أن يقودوا حملة نقابية عمالية لمواجهة هذا القرار الجائر.
تكريم
وعلى هامش الملتقى، كرّم الأمين العام لاتحاد عمال فرنسا أوليفي ماتيو الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن بإهدائه درع الاتحاد.
وأكد ماتيو أهمية الدور الذي يلعبه الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، عربياً ودولياً، في خدمة قضايا العمل والعمال.
وكانت للأمين العام غسان غصن لقاءات عدة مع قيادات الاتحاد العمالي الفرنسي، جرت خلالها مناقشة ملفات العمل والعمال حول العالم والتحديات التي تواجه الطبقة العاملة، ودور الحركة العمالية في مواجهة تلك التحديات المتمثلة في الإرهاب والاحتلال والبطالة والهجرة والنزوح، وغيرها.