«مُخمل» للفلسطينية حزامة حبايب…. تفاصيل عالم المخيّمات وحيواته
محمد عبد الرحيم
«مخمل، رواية فلسطينية جديدة لا تدور حول القضية السياسية والمقاومة وحلم العودة، إنها عن الفلسطينيين الذين تمضي حياتهم من دون أن يُلتفت إليهم أو أن تُدون قصتهم». من حيثيات لجنة التحكيم .
فازت رواية «مُخمل» للكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب بجائزة نجيب محفوظ للأدب 2017، التي تمنحها سنوياً دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة، حيث صدرت الرواية في 2016 عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت ومكتبة «كل شيء» في حيفا. وعن العالم البائس للمخيمات وناسها تدور الرواية، من دون ادّعاء البطولة أو الفداء أو التضحية، مغايرة بذلك الصورة النمطية للفلسطيني وحياة الشتات التي كُتبت عليه كقدر.
من هذه الزاوية تترصد الكاتبة حياة الناس العاديين، وتأثير حياة المخيمات على سلوكهم ونفسياتهم، ومدى التشوه الذي أصابهم، وجعلهم يتسلطون على بعضهم. ويفرضون قسوة بقسوة على ذويهم ـ أسرهم ـ فالسلطة هنا تأتي في شكل غير مباشر، لكنه أعمق وأشد تأثيراً من خطب التنديد والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، كما اعتاد الكثير من الساسة والكُتّاب، وأيضاً عدد من الأدباء والروائيين العرب.
عالم «حوا»
«حوا» هي الشخصية الرئيسة في الرواية، وعن طريقها تتجمع خطوط الحكايات ـ شتات الحكايات ـ فهناك عدد من الحكايات والقصص التي لا تلتزم بالسرد الخطي وفقاً للزمن. ومن خلال مخيّم «البقعة» في الأردن ـ صورة مصغرة لكل المخيمات ـ يتأسس المكان. تعيش حوا طفولة بائسة، فالأم «رابعة» أجبرت على الزواج من «موسى» الذي يتفنن في ضربها، وصولاً إلى الاعتداء عليها جنسياً، كذلك لا يتورّع التحرّش ببناته أثناء نومهن، وضرب ابنه الأصغر دوماً، ما جعله يفشل في التعليم والحياة، بينما الابن الأكبر الغائب دوماً عن هذا العالم هو المثال للنجاح أو النجاة بمعنى أدق. أما الأم فأصبحت تحيا حياة اللامبالاة والقسوة بدورها تجاه أطفالها… «لم تحبّ حوا والدتها. وحين كانت تخاطبها بيمّا، لم يكن ذلك من قبيل الحب والمبادرة والرجاء، وإنما للرد عليها والاستجابة لها، ومن قبيل الانطواء والانحناء والاستسلام والانكسار، وفي أوقات العذاب الكثيرة من باب الاستنجاد والاستجارة من دون أن تلقى منها نجدةً وإجارة. كذلك، لا تذكر حوا أن والدتها أحبّتها يوماً أو أحبت أياً من بناتها، أو على الأقل لم تشعر حوا بهذا الحب، إن وُجد، بل على الأرجح أن رابعة لم تحب الحياة ولم تطلبها». هذا الموقف هو النقيض لحال «حوّا» بعد ذلك، وإن كانت دفعت حياتها ثمناً له، فإما الموت بالحياة أو الموت الفعلي ثمناً للحياة.
عالم المُخمل
«للمخمل رائحة ليست كأي رائحة أخرى»، هكذا كانت «ست قمر» تقول لها. هي رائحة الدفء، وهي رائحة السخونة الهاجعة، وهي رائحة العمق، وهي رائحة المدى، وهي رائحة الترف المستحَق، وهي رائحة التمني والتشهي، وهي رائحة النضج، نضج الحب ونضج العمر، وهي رائحة اللحم المعمّر بالاشتياقات وعرق الرغبات. لكن ليس أي مخمل، إنما المخمل الخميل، الذي يتقد فيه أغلى الحرير، المخمل ذو النعومة المرصوصة، المنسدلة، العصية على التكسّر. فالمخمل وعالمه وحكاياته هو النقيض تماماً للحياة التي تعيشها «حوا»، ولحياة المخيّم الخشنة القاسية. تتعلم «حوا» الخياطة على يد «الست قمر»، هذه المرأة التي عرفت كيف تحب وتحيا وتحكي، وحتى بعد إجبار «حوا» على الزواج من «نظمي» الجزار، كانت تتحايل في لحظات ممارسة الحب ـ المفروضة ـ وتستحضر حبيب مراهقتها «مراد» بائع أسطوانات الغاز الذي كانت تلتقيه في بيت «الست قمر». هذا البيت الذي لم تتوقف عن زيارته بعدما أصبحت أمّاً لطفلين، ومُطلقة بعد ذلك، حتى رحيل صاحبته، إيذاناً بمواجهة «حوا» مصيرَها أو اختيارها في النهاية.
عالم الوقائع
وبين ما كان وما هو كائن تستعرض الكاتبة بعض المواقف الحياتية المرتبطة بالأحداث، فهناك علاقة حب عابرة بين «الست قمر» وفدائي فلسطيني هارب من قوات الأمن الأردنية، وقت أحداث أيلول. كذلك الإشارة إلى مناخ التطرّف الديني، متمثل في شخصية «أبو عبادة» العائد من أفغانستان بأموال طائلة، فيعمل في تجارة السيارات المستعملة، ويقوم ببناء دار لتحفيظ القرآن، من دون نسيان اتباع السنّة بالزواج من ثلاث نساء، والإيحاء بأنه يتاجر في الممنوعات، وما تجارة السيارات ودار القرآن إلا واجهة ليس أكثر لحياته المشبوهة. وإن كان الحب في الحالة الأولى ـ «قمر» وعشيقها الفدائي ـ فالاستعباد والقمع الذكوري في الثانية ـ الزوجات الثلاث ـ من خلال المتديّن الفاعل بأمر الله.
عالم الشتات
استعرضت الرواية عدة أجيال معاً، بداية من الجدة المتسلطة، ثم الأب والأم، والأولاد، وأخيراً أحفاد هذه الأسرة. من دون غنائية أو افتعال، بل من خلال مواقف دالّة وموجزة، كفرض الجدة زيجة «حوا»، وسلوك الأب الشائن، واستسلام الأم، وابنتيها بعد ذلك ـ شقيقتا «حوّا» ـ بخلاف «حوا» نفسها، التي اعتادت التضحية بلا صخب، كخدمة الجدة والأم عند المرض، والإنفاق من عملها على زوجها وشقيقها المتعثر في الحياة. فعل التضحية هذا جعلها الأكثر اتساقاً نفسياً، وتشعر ولو مجازاً أنها حرة بعض الشيء، رغم تاريخ حياتها البائس. تتحقق هذه الحالة عندما تلتقي «منير» الأرمل، الذي يبادلها الحب، ويريد الزواج منها، لكن القسوة لن تترك ضحيتها بسهولة، فما كان من ابنها وشقيقها إلا الانتقام، فقط لأن المرأة اختارت وأحبّت.
كانت «حوّا» في تلك اللحظات التي تفصلها عن موتٍ أكيد، تفكّر في أنها لا تزال تريد الحياة وهو أمر هي نفسها كانت تستغرب منه، إذ كيف لها أن تحبّ الحياة في الوقت الذي لم تحبها الحياة فيه؟ لكن «حوّا» كانت تريد الحياة غصباً عن الحياة نفسها. هنا يبدو الفارق ما بين «حوّا» وأمّها، والفارق أيضاً بينها وبين ابنتها، التي اختارت الانطواء والصمت، وكأنها تحيا كميتة.
حزامة حبايب… كاتبة ومترجمة وصحافية فلسطينية، أصدرت مجموعة شعرية بعنوان «استجداء»، وخمس مجموعات قصصية، وثلاث روايات، هي «أصل الهوى» 2007، «قبل أن تنام الملكة» 2011، و«مُخمل» 2016. كما حازت عدة جوائز، منها جائزة «محمود سيف الدين الإيراني» للقصة القصيرة، وجائزة مهرجان القدس للإبداع الشبابي.