الأسمر يعلن عن تنظيم مؤتمر وطني حول الرعاية الاجتماعية
شارك رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر في الملتقى النقابي الدولي لبلدان جنوب أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط الذي انعقد في مدينة مارسيليا الفرنسية.
وقال الأسمر في كلمة ألقاها خلال الملتقى: «ليس جديداً على الاتحاد العام للشغيلة في فرنسا ولا على الاتحاد العالمي للنقابات إطلاق المبادرات الخلاقة والعملية للتصدي للمعضلات التي تعترض نضال عمال العالم، لكنّ هذه المبادرة اليوم تمتاز بخصوصية هامة سواء من قبل الداعين لها أو المدعوين للمشاركة فيها، أم لناحية زمان انعقادها في هذه اللحظة من تفاقم الإرهاب والأزمات الاقتصادية في وقتٍ واحد، وأخيراً لأنها تقام على الساحل الفرنسي الذي يربط ضفتي المتوسط بما تختزنه حضارات قديمة في تاريخ البشرية».
وأمل أن يخرج الملتقى «بتوصيات عملية تشكل خارطة طريق لنا جميعاً في كفاحنا من أجل مستقبل أفضل لبلداننا وعمالنا وتحفّز حركتنا النقابية نحو المزيد للارتقاء بمجتمعاتها.»
وأضاف الأسمر: «إنّ المقاومة، أي مقاومة في التاريخ لا تنشأ في فراغ ولا من فراغ. فلطالما كانت المقاومة رد فعل على الاحتلال أو الظلم والاستبداد أو على الإفقار والتهميش، وكانت لكلّ مقاومة وسائلها وأدواتها».
وتابع: «بالعودة إلى طبيعة الصراع ونشوء الإرهاب بصيغه المختلفة في بلداننا العربية وعلى ضفتي البحر الأبيض المتوسط، فإننا نعتقد جازمين أنّ أصل العلّة كان إنشاء كيان عنصري ديني وعسكري وإرهابي قام عام 1948 على حساب حق تاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، فمارس ولا يزال إرهاب الدولة قبل أن يشهد العالم إرهاب المنظمات المتطرفة التي تلبس لباس الدين وهو منها بريء كلّ البراء، حيث تدين جميع الأديان القتل والعنف واستباحة حياة الإنسان».
ولفت إلى «أنّ كلّ الأورام الخبيثة التي نعرفها اليوم ليست سوى نتاج السرطان الأصلي الذي يشكله الكيان الصهيوني في منطقتنا، وبدلاً من معالجة هذا الخطأ التاريخي وتداعياته التي تجسّدت بالمزيد من الحروب والاحتلال والعدوان على شعوبنا، ها هو رئيس الدولة التي تزعم أنها قائدة «العالم الحر» السيد «دونالد ترامب» يفتتح مرحلة جديدة وقاسية من النزاعات الدموية باعترافه بمدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني وقراره بنقل سفارته إليها رغم أنف العالم أجمع»، مؤكداً «أنّ إسرائيل ليست سوى آخر قلعة مزروعة للاستعمار في المنطقة ويعمل على تدمير شعوبها ومنعها من التقدّم ويمدّ كيان الاحتلال بكل أسباب العنف والاستقواء».
أمّا في ما يتعلق بموضوع الإرهاب الأصولي والتكفيري الذي يضرب المنطقة العربية ويمتد إلى ما بعد ضفتي المتوسط ليطال شمالي أوروبا وأميركا وأستراليا، فضلاً عن أفريقيا، فقد ذكّر الأسمر بما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمة ألقاها في Rome Med الذي انعقد في روما في 30 تشرين الثاني 2017 أي قبل أقلّ من شهر وجاء فيها: «عوامل عدّة تتضافر وتمهّد الطريق لنشوء الإرهاب، أولها نظام تعسفي، بديموقراطية زائفة أو ديكتاتورية معلنة، لا يجد فيه المواطن فسحة للتعبير أو مكاناً لتغيير السلطة بالطرق الديموقراطية، معطوفاً على الفقر والحاجة والجهل، ثم فكر متطرّف وتعصّب يحرّك الغرائز ويقتل العقل ويشلّ المنطق ويقدّم الحلول الوهمية فيسهّل التطويع. ثم دولة، أو دول، تستغل كل هذا فتموّل وتدعم وتستولد إرهاباً جديداً، بمسمّى جديد وتستخدمه لتحقيق مصالحها عبر ضرب دول أخرى باقتصادها، بأمنها، باستقرارها غير آبهة بالعذابات التي قد تسببها لشعبوها». وأضاف: «إنّ فخامة الرئيس ينتقل من هذا التوصيف المكثّف ليشير إلى أنّ المعالجة الأمنية على أهميتها وضرورتها لا تكفي وحدها لمحاربة واجتثاث الإرهاب ليركّز على تحديث التعليم والتربية والقيم الديموقراطية».
وتطرق الأسمر إلى الوضع في لبنان قائلاً: «إننا في لبنان، هذا البلد الصغير الحجم والقليل بعدد السكان استطعنا بفضل وحدتنا الوطنية على الرغم من اختلافاتنا السياسية وبفضل جيشنا الوطني وعقيدته القتالية وكذلك بفضل المقاومة الوطنية التي هي امتداد لمقاومة العدوان الإسرائيلي والمحتضنة من الشعب اللبناني أن نواجه الإرهاب التكفيري داخل الحدود اللبنانية في أطراف البلاد الشمالية والشرقية كما استطاعت أجهزتنا الأمنية من تفكيك خلايا هذه المنظمات الإرهابية بكفاءة مميزة. ولقد وقف الاتحاد العمالي العام ممثلاً لعمال لبنان جميعاً ومعه كافة المنظمات الشعبية والمدنية إلى جانب الجيش اللبناني وجانب المقاومة وهو يقف اليوم كأحد المتاريس التي تحمي الأمان والاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي.»
وأكد «أنّ التحالف والتضامن والعمل الموحّد بين العمال ومنظماتهم النقابية لطالما شكّل أساساً متيناً ليس فقط في الدفاع عن قضاياهم ومطالبهم، بل أساساً في الدفاع عن قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان الأساسية. وها نحن نجتمع تحت مظلة اتحاد النقابات العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية حاملاً راية كفاح الشعوب من أجل التحرر والاستقلال والتقدّم الاجتماعي. وقدّم نموذجاً للعمل والتضحية والنضال في سبيل هذه المبادئ العظيمة. ونحن نستطيع معاً مجابهة كل المخاطر القائمة والقادمة إذا ما أحسنّا التنسيق والتضامن وأساليب العمل وأدوات النضال.»
ولفت إلى «أنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان شديد الصعوبة، فالبلاد ترزح تحت دين خارجي وداخلي يفوق المئة مليار دولار وهو رقم ضخم على بلد لا يتجاوز الناتج المحلي السنوي فيه ال 40 مليار دولار. وإذا كان فساد السلطة والتركيبة السياسية القائمة على تبادل المنافع بين أمراء الطوائف مع أركان النظام الاقتصادي الريعي المستفيد من الريوع المالية والعقارية والشركات الاحتكارية في مجال التجارة، فإنه لم يكن ينقصنا سوى الوصفات الخبيثة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي أطاحت بدول وشعوب وباقتصادياتها ولنا ولكم في هذا المجال أكثر من مثال من أميركا الجنوبية إلى جنوبي أوروبا.»
وختم الأسمر: «إننا نواجه هذه الأزمة من موقعنا في الاتحاد العمالي العام بالعمل لتعديل وتصويب «العقد الاجتماعي» المفترض أنه قامت على أساسه الدولة الحديثة بعد الثورة الفرنسية وبعد الحربين العالميتين خصوصاً، فمقابل التسليم بحق الدولة باحتكار جباية الضريبة والدفاع عن الحدود والأمن، هناك واجبات أساسية على الدولة تتمثل بتأمين حق العمل والسكن والتعليم والحق بالصحة، وهذا بعضاً من حقوق المجتمع على دولة الرعاية الاجتماعية. إنّ الاتحاد العمالي العام يضع مطالب وتوجهات جديدة في هذا المجال، ويتجه إلى تنظيم مؤتمر وطني يتناول فيه جميع هذه القضايا ويخلص إلى رؤية اقتصادية واجتماعية تكوّن خريطة طريق عملية لاتحادنا وأعضائه ولباقي شركائنا في المجتمع اللبناني».