استثناءات في لبنان واليمن لمنع إيران من التفرّد؟
روزانا رمّال
بعد اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، فَقَد التحالف السعودي العربي الوسيط الذي كان من المفترض أن يلعب دوراً في مستقبل العملية السياسية في اليمن. فعلي عبدالله صالح الذي لم يكن مستقراً في تموضعه في الفترة الأخيرة تجاه تحالفه مع انصار الله اختار الانقلاب المفاجئ على الحركة، في وقت أكدت المعلومات ان الحركة كانت تترقب هذا الانقلاب، وتدرك أن صالح سيكون على موعد مع التراجع والاصطفاف الى جانب السعودية في اللحظة التي يقرّر فيها المسؤولون السعوديون مد اليد لترتيب أوضاعه. وبالتالي فإن خسارة التحالف العربي لصالح تعني شيئاً واحداً وهو التفرد الإيراني بالمنظار السعودي في اليمن، فصار البحث عن بديل يكسر هذا التفرّد حاجة كبرى.
هذا الأمر يبدو انه فتح الابواب أمام ما كان مستحيلاً بالأمس فصار اليوم ممكناً. كيف بالحال اذا كان هذا المستحيل يتمثل بفتح الأبواب أمام جماعة الإخوان المسلمين للدخول على خط التحالف السعودي الخليجي. والمعروف أن الجماعة مصنفة إرهاباً ومن غير الممكن تقبّل هذه الصيغة بسرعة لدى الخليجيين الذين يعتبرون أن هذه المجموعة تساهم في هز الاستقرار في بلادهم. وهي بطبيعة الحال مدعومة من تركيا وهي التي تمدّ يد العون لهذه المجموعة في قطر على صعيد الخليج وغيرها كمصر وليبيا.
كل شيء على ما يبدو اليوم أقل خسارة وألماً بالحساب الخليجي منه الى السماح بالتفرد الإيراني بالساحة اليمنية. وعلى هذا الاساس ترتب لقاء استثنائي شكلاً ومضموناً بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، في الرياض مع رئيس «حزب التجمّع اليمني للإصلاح» محمد عبد الله اليدومي، وأمين عام الحزب عبد الوهاب أحمد الآنسي. وهذا الحزب، أي حزب الإصلاح الجناح السياسي لجماعة الإخوان في اليمن. ما أثار العديد من التأويلات حول هذا التحول، خصوصاً أن المملكة العربية السعودية والامارات قدمتا هذا اللقاء من المستوى القيادي العريض أي على المستوى الأعلى من تمثيل الدولتين لا مندوبين عنهم، وذلك من اجل تظهير موقف جديد.
اهتمام سعودي إماراتي ملحوظ بإحداث خرق على الساحة اليمنية، قبل بدء العملية السياسية من جهة ولإحداث خرق ميداني عسكري من جهة أخرى، خصوصاً أن تقدم حركة أنصار الله صار ملحوظاً في أماكن حساسة ما يكسبهم شرعية الدخول لحكومة يقتسم فيها الشعب اليمني اللطة، بحسب ما فرضه الميدان. وهو الامر الجديد على السعودية التي لعبت دوراً أحادياً في التأثير السياسي لعقود على اليمن.
المتغيّر الجديد قد يعني الدخول في فترة تصعيد ميداني جديد في محاولة لاسترداد أراضٍ خسرها حلفاء التحالف السعودي عبر الاستفادة من عنصر الإخوان المسلمين «المستجد» بالحد الأدنى قبل توسيع هامش المفاوضات السياسية على وقع اقتراب حل الملف السوري واحتساب نقاط المحاور بشكله المتوازي على الجبهات المرتبطة تباعاً.
وكالة الأنباء السعودية تقول إنه «جرى خلال اللقاء استعراض مستجدات الساحة اليمنية والجهود المبذولة بشأنها وفق ثوابت تحقيق الأمن والاستقرار للشعب اليمني»، على حد تعبيرها هذا الاستقرار الذي يشكل بالنسبة للمملكة شيئاً بعيداً عن اقتسام السلطة مع انصار الله، بل يؤسس الى محاولة جدية لإعادة ترتيب الميدان. وهي محاولة تبدو مقررة مسبقاً منذ لحظة استمالة علي عبد الله صالح وانقلابه واستمرت بعد مقتله بالبحث عن خيار بديل يكسر الوضع. والحالة التي يبدو فيها انصار الله في وضع جيد بعد سنوات على حرب صارت عبئاً بتداعياتها على كل الاطراف، خصوصاً إطلاق الحوثيين صواريخ نحو الداخل السعودي.
الأمر ذاته في لبنان ساد المشهد، فلم يكن أحد يتوقع أن يتم التشارك بين الحريري وحزب الله في حكومة واحدة. وهذا لا يتعلق بمسألة النأي بالنفس واستقالة الحريري، بل يعود لمبدأ التشارك من الاساس لا الموضوعات الخلافية، لكن هذا جرى في وقت كان الحريري حليفاً سعودياً قوياً، ليس كما هو الحال اليوم، لم يكن متوقعاً ان تتقبّل السعودية هذا الأمر، لكن ما من خيار آخر يحمي وجودها على الساحة اللبنانية بعد وصول عون للرئاسة وتقدّم حزب الله في سورية وما يشبه تفوقاً للحزب داخل لبنان سياسياً، فصار لزاماً القبول بما لم يكن مطروحاً سابقاً، وهو عودة الحريري الى لبنان وتسميته رئيساً للوزراء بشرط انتخاب عون رئيسا ثم التشارك معه في حكومة واحدة.
المستحيلات المتكررة تحكي ضرورة أن يجد السعوديين مخرجاً او ساحة لإعلان نصر كامل فيها صار معدوماً إذا اضيف إليها التقدم المحوري لإيران وحلفائها في العراق. ولهذا فإن القبول بجماعة الإخوان المسلمين اليمنية هو اليوم محاولة جديدة لإحداث توازن يعيد الأوضاع الى نقطة مقبولة يمكن على اساسها الانطلاق نحو مفاوضات سياسية جدية في اليمن. والسعودية تحرص على إظهار ضرورة إفساح المجال امام المبعوث اليمني الاممي لإيجاد حل سياسي، لكن شيئاً من هذا القبيل لن يحصل من دون ان تضمن السعودية أوراقها في اليمن الذي سينحو منحى لبنان وسورية التي تخطو طريق الحل السياسي أي «التوافق». فهل سترتضي السعودية التوافق بنهاية المطاف واقتسام السلطة مع كافة الشرائح أم أن هذا مستحيل ويعني إطالة أمد الحرب أكثر؟
الأهم اليوم أن مساعي كسر التفرد الإيراني في اليمن تسلك طريقها وإدخال عنصر الإخوان المسلمين يعني الكثير على صعيد تسويات المنطقة.