المنحوتة لدى الفنان حسام نصرة مرآة لذاته وذاكرته
حاوره: محمد سمير طحّان
لدى النحّات حسام نصرة شغفٌ في تقديم منعكسات العوالم الداخلية للإنسان من خلال منحوتته التعبيرية التي تحمل جمال الكتلة وقوة الفكرة في الوقت ذاته. وللتعرف أكثر على تجربته في فن النحت كان هذا الحوار معه.
ما هي علاقتك بمنحوتتك التي تشتغل عليها؟
ـ تختزل المنحوتة التي أعمل عليها الكثير من ثقافتي البصرية المخزونة في ذاكرتي منذ الصغر، إضافة إلى الاختلاجات النفسية والوجدانية والمشاعر المسيطرة عليّ في مراحل تنفيذ المنحوتة، فتتشكّل حالة تفاعل وعشق بيني وبينها ويتشكّل حوار متبادل حتى تظهر بشكلها النهائي. فهي بذلك مرآة لذاتي وذاكرتي.
ما هي الخامة التي تفضّلها عن سواها وتعتبرها الأقدر على حمل أفكارك ولمساتك؟
ـ تحمل خامة البرونز الكثير من القوّة والنبل في ثناياها، وتعتبر من الخامات ذات التأثير الفعّال في كينونة المنحوتة ككلّ، فتلعب دوراً تفاعلياً وقوّياً على تكوين العمل النحتي، وتخدم بذلك قوّة التشكيل وهي من أكثر الخامات سيطرة على المتلقّي. ولكنّ هنالك عوامل تلعب دوراً في اختيار نوع الخامة كطبيعة التكوينات النحتية وتوضّع الكتلة في الفراغ.
ما رأيك بالملتقيات النحتية في الوقت الراهن… ما أهميتها وماذا تحقق؟
ـ تلعب الملتقيات النحتية دوراً لا يستهان به في نشر الثقافة الفنية البصرية في المجتمع، وتأتي أهميتها بالدور التفاعلي الذي تقوم به بالاحتكاك المباشر مع المتلقّي ومشاهدته لمراحل تنفيذ العمل. والنحات بدوره يرى بشكل مباشر تأثير عمله الفنّي في عيون المتذوّقين، إضافة إلى التفاعل الذي ينشأ بين الفنانين أنفسهم. فالملتقيات تصنع حالة التمازج واطّلاع الفنانين على تجارب بعضهم والحوار بين أجيال فنّية متعدّدة.
كيف ترى واقع النحت والتشكيل بشكل عامّ في سورية اليوم؟
ـ نشطت في الآونة الأخيرة الملتقيات والمعارض الفنّية بشكل ملحوظ، وعادت عجلة الصالات الخاصّة والعامّة إلى الدوران، وهذا يبشّر بالتعافي وعودة الألق إلى الحركة الفنّية السورية، ولتثبت عودة الحياة إلى المجتمع السوري.
كيف أثّرت الحرب على سورية في عملك الفنّي من النواحي كافة؟
ـ منذ بداية الأزمة ومشاهدتنا كمّ الخراب والدمار في مناحي الحياة كافة، والإنسان في رأس قائمتها، أخذت أعمالي مساراً جديداً. فبدت الأعمال متقوقعة وخائفة، والشخوص منطوية على ذواتها. وظهرت الأجساد بحركات توحي بالعذاب والقهر والقلق والترقّب، ولا يخلو بعضها من حركات منطلقة ترمي إلى التفاؤل والأمل.
كيف أثّرت الأزمة على النحت والتشكيل السوري بشكل عامّ برأيك؟
ـ التشكيل بشكل عامّ مثله مثل أنواع الفنون الأخرى، هو ذاكرة تسجيلية للمجتمع والحياة، إذ إنّه يعكس روح الفنان الإنسان الذي يمثّل شريحة من هذا المجتمع، فهو يوثّق للفترة مهما كانت صفاتها وحالها.
هل يملك النحت السوري هوية خاصة به؟ وكيف يمكن المحافظة عليها إن وجدت؟
ـ تعود بدايات الحركة التشكيلية السورية المعاصرة إلى النصف الأول من القرن العشرين. ورغم الكمّ الهائل من الآثار والحضارات المتعاقبة التي مرّت على الإنسان السوري، فقد توقّفت الحركة الحضارية والفنّية بشكل شبه كامل زمن الاحتلال العثماني. وكان الفنّ التشكيليّ مقتصراً على تكريس الفنون ذات الصبغة العثمانية الدخيلة على حضارتنا العريقة منذ عشرة آلاف سنة.
وفي زمن الاحتلال الفرنسي ظهرت مجموعة من التشكيليين ونشأت ثقافة بصرية متأثّرة بالفنون الأوروبية. إذ إنّ عدداً منهم أوفِد للدراسة في فرنسا وباقي دول أوروبا، وبدأ تأثير المدارس الغربية واضحاً على الحركة التشكيلية السورية. وحالياً هناك خطوات ملحوظة نحو تكوين هوية خاصة، إلّا أنّها حتّى الآن ليست كافية.
كيف ترى توجّه النحّاتين السوريين الشباب نحو الحداثة؟ وهل هذا يؤثّر على هوية النحت السوري؟
ـ لا يختلف اثنان على تأثّر جيل الشباب من الفنّانين بالحداثة الغربية، ويعود ذلك برأيي إلى غياب الهوية التشكيلية السورية الخاصّة والمتبلورة بشكل كامل، مع وجود كمّ هائل من الضخّ الثقافي وغيره الآتي من الغرب. في وقت نملك جميع الاعتبارات لتكوين هوية ثقافية بصرية سورية خاصّة بنا من التاريخ الحافل إلى التراث الفنّي وصولاً إلى الفنّان السوري المتميّز.
كيف ترى وجود النحت السوريّ في الخارج وهل ساعد ذلك في التسويق للتشكيل السوري والتعريف به؟
ـ بالتأكيد، فهؤلاء سفراء ثقافيون لنا عرّفوا بالفنّ السوري عبر الأماكن التي وُجدوا فيها، وتألّقوا في أشكال الفنون كافة، وكانوا فعّالين ويحصدون الجوائز ويقيمون المعارض أو يشاركون فيها.
هل ترى دوراً للنحت في إعادة الإعمار في سورية؟
ـ سيعمل الفنّ ومنه النحت باتجاهين في إعادة الإعمار، أولاً في عودة الملتقيات النحتية التي ستزيّن طرقات بلادنا وحدائقها من جديد، وثانياً في بناء الإنسان المثقّف الواعي الحضاري والمؤمن بوطنه وإمكانياته.
كيف تقيّم تعاطي الصالات الخاصّة مع النحت السوريّ؟ وما هو المطلوب لتنشيط فنّ النحت وتطويره؟
ـ النحّات الذي له تجربة تراكمية ناتجة عن عمله المستمر الدؤوب وامتلاكه بصمة أصيلة تميّزه عن غيره، سيجد الفرصة المناسبة بلا شك وسيفرض نفسه وفنّه بقوّة على الصالات. والمطلوب لتنشيط النحت وتطويره الاستمرار في دعم النحّاتين من خلال المعارض والملتقيات الداخلية والخارجية، وتشجيع ثقافة الاقتناء لتحفيز الفنّان على الاستمرار في الإبداع.
هل أنت متفائل بمستقبل النحت السوري ولماذا؟
ـ المعطيات كلّها تبعث في نفسي التفاؤل والأمل بمستقبل النحت السوريّ الذي وصل إلى العالمية. وأرجو من جميع الجهات الخاصة والرسمية العمل على تشجيع عمل النحّاتين وتنشيطه، وأن تضع يدها على مكامن الضعف التي تحول دون سير الحركة الفنّية قُدُماً إلى الأمام، وتعمل على تلافيها.
النحّات حسام نصرة من مواليد عام 1978، درس النحت والفنّ التشكيليّ دراسة خاصّة، ثمّ تخرّج في «مركز أحمد وليد غزت للفنون التطبيقية»، وشارك في ورش عمل فنّية في روسيا، وله عدّة مشاركات في معارض جماعية. وأعماله مقتناة داخل سورية وخارجها.
«سانا»