من باول إلى هايلي… والكذب الأميركي المتواصل
رامز مصطفى
في العام 2003 وقف وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول، على منبر الأمم المتحدة يشرح للحضور عن معامل الأسلحة الكيماوية العراقية المحمولة على شاحنات. ولتدعيم روايته لجأ باول إلى عرض صور لشاحنات كبيرة على أنها المعامل الكيماوية المتنقلة. وعليه فقد تمّ احتلال العراق في ذات العام ومن خارج الإرادة الدولية التي عارضت الاجتياح، وجزء كبير من الدول لم تشارك في التحالف الأميركي.
في العام 2010 اعترف كولن باول نفسه بأنّ الخطاب الذي اتهم فيه العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل أمام الأمم المتحدة، سيبقى نقطة سوداء في حياته، بسبب ما اقترفه من كذب أمام المجتمع الدولي بحق العراق، مُقرّاً بأنه كان ضحية رئيس الاستخبارات آنذاك جورج تينت، الذي قدّم لباول معلومات غير صحيحة. ومؤكداً في الوقت ذاته أنه قد انساق وراء رئيسه آنذاك جورج بوش الإبن الذي عمل على إقناعه بأنه «ليس من الممكن ترك العراق يخالف قرارات مجلس الأمن».
اليوم يتكرر المشهد ذاته، تحاول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تكراره، عبر المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي التي بدأت حملة مشبوهة وبائسة في التحشيد والتحريض ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تحت حجج واهية، على أنّ إدارتها تمتلك أدلة على أنّ الصاروخ الذي أطلقته حركة أنصار الله في اليمن، على مطار الرياض هو من صنع إيراني، متهمة إيران بأنها تعمل على تخريب المنطقة من خلال تأجيجها للصراعات فيها.
اتهام هايلي لإيران لم يأت مصادفة، بل هو على صلة مباشرة بأحداث وتطورات متشابكة في خطورتها وأهميتها في المنطقة. الخطورة ما هو متصل باعتراف ترامب المشؤوم، أنّ القدس عاصمة لدولة الكيان «الإسرائيلي»، وما سيترتب عليها من تداعيات وردود أفعال، وتحديداً من قبل الشارع العربي والإسلامي والأجنبي المؤيد للقضية الفلسطينية، والمناهض للكيان الصهيوني. الإدارة الأميركية التي قرأت جيداً إلى أين ستتجه الأوضاع على وقع هذه التحركات، وتحديداً الفلسطينية. لذلك وجدت الإدارة الأميركية المعزولة والمأزومة اليوم بسبب القرار الخطيئة لترامب «أنّ خير وسيلة للدفاع هي الهجوم» عبر مندوبتها في الأمم المتحدة على إيران، علها تحاول صرف الأنظار عما اقترفه رئيس إدارتها ترامب، والورطة التي وضع فيها الولايات المتحدة الأميركية نتيجة لفعلته الشنيعة.
هايلي كما كلّ الإدارة الأميركية وفي مقدّمتهم ترامب ونانبه بينس وصهره كوشنر الصهيونيان بامتياز، يدركون جيداً أنّ ظروف المنطقة بل والعالم اختلفت عما هي عليه في العام 2003، والدولة التي اتهمت آنذاك بتصنيع أسلحة الدمار الشامل وهي العراق، ليست إيران التي تحظى بمكانة إقليمية ودولية، ومروحة من التحالفات الواسعة، وبالتالي قدرات وإمكانيات متقدّمة وكبيرة جداً، ناهينا عن حلفاء في محور يمتدّ من العراق إلى سورية إلى لبنان وصولاً إلى فلسطين وقبلها في اليمن.
كاتب وباحث سياسي