علاقات تركيا مع روسيا تثير غضب واشنطن
د. هدى رزق
حصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مبتغاه من الخطاب الذي ألقاه أثناء ترؤسه القمة الإسلامية في اسطنبول، والذي تطرق فيه إلى اعتداءات «إسرائيل» وإرهابها. حصل على شعبية إسلامية ليس في تركيا فحسب إنما في العالم الإسلامي، واستطاع بفضل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» الحصول على فرصة جديدة للعب دور في العالم الإسلامي من جهة وتوضيح موقفه لشعوب العالم العربي.
وكان في لقاء مع أنصاره فى مدينة سيفاس بوسط الأناضول يوم 10 كانون الأوّل/ ديسمبر قد وصف «إسرائيل» بأنها «دولة إرهابية». وصرح للصحافيين فى أثينا الأسبوع الماضى انّ الانشقاق فى العالم الإسلامى هو الذى حفّز ترامب على إعلان القدس عاصمة لـ«إسرائيل».
كان ردّ نتنياهو على تصريحات أردوغان عنيف، إذ انتقده بشكل لاذع، وهذا مؤشر على غضبه وتوافق رؤيته إلى سلوك أردوغان مع الأميركيين واتهامه بإلقاء محاضرات في الأخلاق في حين هو يقصف الأكراد في بلده الأصلي تركيا، ويسجن الصحافيين، ويساعد إيران لتخطي العقوبات الدولية، في إشارة الى محاكمة رضا زراب في الولايات المتحدة.
تلقى اتهامات أردوغان القوية الموجهة إلى الولايات المتحدة و»إسرائيل» الترحيب من المسلمين في تركيا التي تدافع عن القدس بشكل أفضل من القادة العرب والخليجيين الذين يركزون اهتماماتهم اليوم على اتهام إيران بالإرهاب ومعاداتها. لم تستطع تركيا توحيد العالم العربي حول المؤتمر الإسلامي. فترامب استطاع بالاتفاق مع السعودية والإمارات ومصر دق إسفين بين هذه الدول وبين قطر وتركيا، اذ تتراوح علاقة هذه الدول بتركيا بين العدائية الغير المعلنة والمنتقدة بسبب رعايتها للإخوان المسلمين وبسبب تواجد قواتها العسكرية وقاعدتها في قطر.
نجحت الولايات المتحدة الأميركية بتهيئة أرضية لاعتراف السعودية بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» تزامناً مع نتائج حروب الربيع العربي العسكرية والعداء السياسي بين الدول الإسلامية التي اصطدمت بعضها ببعض مما أحدث فوضى وخلافات وصراعات أضعفت الجيوش والقوى الإسلامية التي توهّمت بإمكانية الحصول على السلطة.
لم يكن متوقعاً صدور الكثير من قمة منظمة المؤتمر الإسلامي. كانت الحكومة التركية تعي الأمر. لكن هذه المناسبة شكلت لها فرصة من أجل استعادة مكانتها الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي وأظهرت انّ قمة اسطنبول حريصة على المقدسات الإسلامية الى جانب دول إسلامية منها إيران.
في خطابه اتهم أردوغان الولايات المتحدة بدعم إرهاب حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الكردية. لكن مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ماكماستر لم يتأخر، بإدانة تركيا وقطر كراعيين رئيسيين لما سمّاه «ايديولوجيا التطرف الإسلامي». وقال انّ أردوغان هو سبب مشاكل تركيا المتزايدة مع الغرب وحمّل «حزب العدالة والتنمية» المسؤولية.
اتهم ماكماستر تركيا بأنها تزيد من تورّطها في كلّ مكان، ولفت إلى أنّ تركيا أصبحت أنموذجاً تستلهمه حركات الإسلام السياسي بسعيها إلى الإمساك بالسلطة، متهماً الرئيس التركي بالمساهمة في انجراف تركيا الى علاقة مع روسيا وبعيداً عن الغرب، غامزاً من قناة زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى انقرة وإجرائه محادثات مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، إذ كان لافتاً تخطي هذه الزيارة البروتوكول في طريقة الاستقبال والحفاوة التي لاقى بها أردوغان بوتين، حيث تناول الزعيمان مجموعة واسعة من القضايا الثنائية لا سيما الأزمة السورية، ومشاريع الطاقة والدفاع، فضلاً عن الصراع حول القدس، وكان أردوغان قد أعلن فى اعقاب الاجتماع، انه سيتمّ الانتهاء من صفقة شراء صواريخ روسية الصنع من طراز أس 400. في الوقت عينه كان من المقرّر ان يتوجه قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل ورئيس القيادة الأوروبية الجنرال كورتيس سكاباروتي إلى أنقرة لبحث العلاقات مع سورية والناتو مع رئيس الأركان العامة التركي خلوصي آكار فى محاولة لنزع فتيل التوترات حول الدعم الأميركي للأكراد السوريين.
لا شك بأنّ صفقة شراء تركيا لنظام صواريخ «أس ـ 400» الروسي، سبّبت إزعاجاً كبيراً لواشنطن وبعض حلفائها في «الناتو». لا سيما بعد إعلان أردوغان أنّ تركيا وروسيا تريدان «الانتهاء في أقرب وقت من إنجاز الخط التركي الذي سيجلب المزيد من الغاز الروسي عبر تركيا إلى بلدان جنوب أوروبا، الأمر الذي سيحبط خطط الولايات المتحدة لتصدير الغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا عدا عن التحوّل التركي اتجاه الأزمة السورية، والانفتاح على إيران الذي قلّل من دور ونفوذ الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. لم تتأخر وزارة الخارجية التركية بالردّ لكن أظهرت تصريحات أردوغان وحملته القوية على قرار ترامب بشأن القدس، وتنظيمه للقمة الإسلامية الاستثنائية، نزعته للتصعيد ضدّ سياسات البيت الأبيض الحالية. لا سيما أنّ هدفه التخلص من الهيمنة الأميركية، في ظلّ احتفاظه بعضوية الحلف…