الحضور السعودي في لبنان بمراحله «الأضعف»

روزانا رمّال

يغازل الوزير السعودي عادل الجبير لبنان وتركيبته أمام الصحافيين الغربيين ويتحدّث عن ضرورة إيجاد مثل هذا البلد وروحيته في العالم العربي، وذلك في حوار أخير له أمام الصحافة الفرنسية. الفرنسيون الذين يعتبرون اليوم السؤال عن لبنان أحد أبرز اهتمامات فرنسا وجدوا في الموقف السعودي حيال لبنان ضعفاً صار استغلاله بديهياً من السلطات الفرنسية، لأن فرنسا – ماكرون التي أرادت إيجاد مدخل للعودة الى الساحة السياسية اللبنانية بعد إهمال رؤساء كهولاند وقبله ساركوزي استراتيجية هذا الأمر صارت تجد من أزمة الحريري مدخلاً للإشارة الى تفوقها على الساحة اللبنانية ومقبوليتها.

الأهم أن السعوديين صاروا أكثر حرجاً لدى سؤالهم عن لبنان. فهو بالنسبة اليهم المحطة التي عرّت مواقفهم تجاه سيادة الدول، وهم طبعوا صورة تحتاج لوقت كي تمحى آثارها أو ذيولها. هذا ما تتحدث عنه مصادر دبلوماسية لـ «البناء». وهو «موقف لجزء كبير من الدبلوماسيين في الاروقة الدبلوماسية المحلية. الموقف الذي يعتبر بطريقة أو بأخرى انعكاساً لمواقف عواصمهم».

ربما يريد اللبنانيون اجتياز هذه المرحلة بسلام وطي صفحة مزعجة من ممارسات بحق رئيس وزراء اختلفوا معه أم اتفقوا إلا أنهم لم يتخلّوا يوماً عن احترام ما ينادي به الدستور من تقدير للرئاسات الثلاث. ولبنان أكثر ما يعتمد على رمزية «الأشياء»، فكيف بالحال إذا كانت هذه الرمزية عبارة عن تمثيل زعامات ومذاهب؟

يقول عادل الجبير وزير الخارجية السعودي للصحافي الفرنسي منذ أيام «نحن نريد لبنان مزدهراً ومستقراً»… «إن لم يكن لبنان موجوداً لكان ينبغي ابتكاره واختراعه، فهناك أكثر من 16 أو 17 ملّة او طائفة يعيشون فيه بتجانس وتناغم. وهذا نموذج. وإن لم يكن هناك تجانس وتناغم مع كل هذه الطوائف سنخسر كل الأقليات وسنخسر هذه الثروة لثقافتنا».

كلام الجبير «إيجابي» ولا غبار عليه، ربما يكون أصدق ما يمكن القول في لبنان من سعودي.. لكن كيف يمكن للجبير أن يقنع اللبنانيين أن بلاده لم تكن تُضمر الشرّ للبنان؟ هل نًسِي الجبير أو يتناسى أن بلاده أرادت إشعال لبنان وبثّ الفتنة بين هذه الملل التي يتغنّى بتعايشها؟ ماذا عن رجال الأمير محمد بن سلمان في هذا البلد، وأبرزهم السيد تامر السبهان الذي لم يترك موقفاً فتنوياً إلا وبثّه بين اللبنانيين على غرار ما فعل بالعراق حتى طُرد منه وطُرد من لبنان؟

هذا الرجل أي تامر السبهان الذي اتفق عليه الحليف والخصم أنه يفشل في كل مهمة يُعيّن فيها. اتفق أيضاً أنه أينما يحلّ تحلّ المشاكل معه، فقد عيّن مسؤولاً لشؤون الخليج، لكنّه مفوض سامٍ للتدخل بالشؤون اللبنانية، كيف نسي ذلك كله الجبير، والخطة لاستهداف لبنان وسيادته من السعودية كانت خطة محكمة؟

من الجيّد أن لبنان تخطّى الأزمة واضطرت السعودية للتحدّث عن محاسن هذا البلد. والسبب هو أمر واحد وهو الإجماع الوطني الذي جرى وحنكة رئيس البلاد ومسؤوليه بتدويل الأزمة وعرضها على الرأي العام العالمي، خصوصاً الأوروبي الفرنسي، لكن وبالعودة الى كلام الجبير علّه يكون موضوعياً في ما يخصّ التعايش اللبناني للسؤال حول التالي:

إذا كانت السعودية تؤمن أن لبنان رسالة تعايش، هل حزب الله مشمول أو واقع ضمن هذه الصيغة التي تميّز لبنان؟ هل سيتمّ قبول وجود هذا الحزب الذي يمثل شريحة كبيرة جداً من سكان لبنان يُضاف إليه حلفاء وازنون، هل سيتم التعايش مع حزب الله أيضاً؟

هل اقتنعت السعودية أن تخطّي مبدأ التعايش هو استحالة بالنسبة لرئيس وزراء يدين بالولاء التاريخي للمملكة، وهو سعد الحريري ولم يستطع مع ذلك تخطّي التعايش مع حزب الله، بل أراد تعميق وتعزيز التعاون الحكومي من أجل إنجاح مهمته؟

بعض الانسجام والتناغم مع كلام الجبير يعني أن السعوديين أيقنوا باللحظات الأخيرة التالي:

أن التحدّث عن ميزات لبنان وأسس التعايش فيه كمدرسة لكل دول الجوار صار المهرب السعودي «الموفق» للتخلّص من الموقف المحرج بفشل سياسة التطرف في لبنان والجنوح نحوها، وبالتالي فإن تبرير الخضوع لحزب الله اليوم، ولعدم القدرة على نفيه وتخطي حضوره في السياسة المحلية والتحالفية هو اعتبار أن التعايش معه واقع ضمن الميزة التي تميّز لبنان بتعايش 17 أو 18 جهة أو «ملّة» مع بعضها البعض. وحسناً ما فعل الجبير بالاستناد الى هذا عله يكون مخرجاً قادراً على اعتبار السعودية اليوم محكومة بتعاطيها ضمن هذه الصيغة لا لقناعتها بوجود حزب الله، بل هرباً من الفشل في مخططات هدفت الى تقليص حضوره وإرباكه في الداخل ضمن الحسابات والتصفيات الواقعة بين السعودية وإيران.

واستناداً لهذا الواقع كشفت مصادر متابعة لـ «البناء» أن الحضور السعودي في لبنان اليوم هو في أضعف مراحله، لأن الملف اللبناني صار بعهدة الفرنسيين منذ أزمة الحريري، وهو يتحرّك ضمن هذه الصيغة الضامنة. وهي السبب وراء ارتياح يعيشه الحريري وصل الى حد تصفية حساباته ضمن البيت الواحد، قبل الانتخابات النيابية. وتابعت المصادر «يكاد يغيب الدور السعودي عن لبنان في هذه الأيام، فلا التمثيل الدبلوماسي بين البلدين صحي، حيث لم يتم تسلم أي من سفير لبنان في السعودية أو السفير السعودي في لبنان مهامه بشكل رسمي لغياب موافقة السلطات المعنية على توقيع اعتماداتهما حتى اللحظة لأسباب تتعلق بالأزمة الأخيرة، وثانياً لعدم ارتياح اطراف لبنانية لهذا الدور في هذه المرحلة وتفضيل الفرنسيين كطرف ضامن للمرحلة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى