كنّا أصدقاء ألدّاء
«تخربط سطر النمل»، فقد انضباطه واتّزانه. لم يعد من مايسترو يراقب خطوه وخطّ سيره. تفرّقت أيدي سبأ تنعفرنا… كل واحد ذهب الآن على حلّ شعره… يا ويلنا». ذهبنا كلّ واحد من عسكر «الزيح» المدنيين جداً باتجاه مختلف.
واعصاماه
هل كنا نحن أساساً هكذا؟ كنا أشجع من الموت ولم نفكر به. لم نكن متّفقين على خاتمة؟ فقط كنّا نجتمع على طاولته حيث مملكته وحيث حكاياته وخبرياته وموضوعاته وتعليقاته وآرائه. نجتمع أو نتفرّق على خبز كلامه وملحه وعنهما. كان يأخذ بأيدي الجمع القليل إلى هنا هناك، يقلب الميمنة على الميسرة، يتقدّم بنا أو يتراجع، المهمّ أن يمضي الوقت أو أننا نمضي.
أنا ربما كنت مسكوناً بالتمرّد، كنّا أصدقاء الداء، يعني حبايب ع طريقتنا ، في السابق كان يوجّه أنظاري حتى لا تسرقني الظروف نحو أنّ فلاناً في المستشفى أو أنّ هناك معرضاً لفنان تشكيليّ أو فنّانة ما تستحق أو يستحق التشجيع، أو أنّ فلاناً يوقّع كتاباً شرط أن يتم ذلك بعد القيلولة يا الله ما عاد معنا مصاري… معارض… وتواقيع .
هذه السنة غاب عصام عن توقيع ابن عمه التنوخّي المير طارق آل ناصر الدين وهو لم يكن بيده حيلة. غاب عنّي رغم مراراتي من أنه حزين وأنا عاتب. غاب بسبب أنه يقيم في العناية الفائقة في المستشفى.
كان صعباً أن نصل إليه. هو كان يعرف أنّ ساعته قد دنت وأنه لا يريد لأحد أن يرى ضعفه، وهو الذي كان يتفاخر علينا دائماً بطوله ونصوصه وثقافته، وبأنّه خلطة سحرية حملها غريب عجيب في سلّة القرى إلى المدينة ـ العاصمة!
بيروت، كم كان يحبّ بيروت! يريدها أن تكون تعبيراً عن سلامنا مع أنفسنا. أنا أعترف أني لم أنسجم مع ذلك لأنني بَرِيّ تربيت مع الدواري وصرت أقلّدها في كلّ شيء إلّا في طيرانها.
الآن ينصرف عنّا عصام. سوف لا يأتي بعد ذلك إلى أمكنته، وأنا عوّدت نفسي منذ زمن على عدم الاقتراب أكثر من أعمار من هم أكبر منّي، وهم علّموني الحكي واللون، وقد كنت أفقدهم على التوالي وأبادلهم بأني حمّال الأسية: عمّي عدنان، الزين شعيب، زهير غانم، أسعد سعيد، جوزف حرب، حيدر حموي، عبد الرحمن الأبنودي، غازي ناصر، ياسر جلال، والحبيب خليل الشحرور، والأعزّ عصام العبد الله… هل نسيت أحداً؟
أقول: غداً سوف لا أجد من يدفنني، يكتب لي مرثية. وأنا صرت رقيقاً لا أحتمل أن تقع على دفتر قلبي كلمة أو أن تقع من عيني دمعة كلمة.
رئيس الحركة الثقافية في لبنان الشاعر بلال شرارة