إذا لم تكن «حربٌ» في الخليج، فما هي إذاً؟

لم يعُد المشهد كما كان، الأمور تتغيّر بسرعة والحسابات الميدانية كذلك، الحديث عن الحرب في اليمن لم يعُد، كما كان مقرّراً أو محسوباً لها، فلا تيار الحوثي انهزم ولا التحالف العربي أوقف الحرب أو حقّق أهدافه، ولا يبدو أن الأمورَ بين الطرفين ذاهبة إلى تهدئة قبل أن تتوضّح أمور عديدة أبرزها هويّة اليمن وشكل السلطة الحاكمة المقبلة وأسئلة من نوع إمكانية أن تقبل المملكة العربية السعودية أن يشارك في الحكومة اليمنية المفترضة بعد أن تضع الحرب أوزارها وزراء ينتمون الى «أنصار الله» أو التيار الحوثي لئلا يصبح ذلك النموذج الثاني بعد «حزب الله» غير المسيطَر عليه وعلى نفوذه المحلي في السياسة اللبنانية أو الإقليمية على المستوى العسكري، علماً أن التيارين أو الحزبين «حزب الله» و«أنصار الله» يُعتبَرون من نسيج الشعبين اليمني واللبناني وبالتالي فإن الدول المفاوضة صارت أميل بعد ثلاث سنوات من الحرب إلى تقبّل صعوبة إقصاء الحوثيين عن المعادلة.

المسألة ليست بالأمر السهل على السعودية التي تعتبر اليمن الحديقة الخلفية وظهيرها الأمني الذي لطالما كان محكوماً بالاستراتيجية السعودية. وهذا يعني أن التفرّد في مستقبل اليمن صار من الماضي، وبالتالي فإن قيام حكومة فيها التيار الخصم للسعودية هي أكثر ما يمكن أن يقلق السعوديين والدول الخليجية المؤيّدة والتي تعتبر أيضاً اليمن جزءاً من أمنها الحيوي كالإمارات العربية المتحدة.

الحديث عن استحالة تقبّل مشاركة الحوثيين بالحكم لم يعد مستحيلاً بالحساب السياسي، ولو كان ذلك مبكراً اليوم لسبب أساسي وهو «التطبيع» الذي جرى مع حركة الإصلاح وهي فرع الإخوان المسلمين في اليمن، في وقت كان هذا الأمر غير ممكن سابقاً، وفي وقت تصنّف حركة الاخوان المسلمين حركة ارهابية في اكثر من عاصمة كبرى، بينها روسيا. ومعروف أن السعودية والإمارات ومصر بنظامها الحالي تصنف الجماعة كذلك أو تعتبرها خصماً سياسياً عريضاً لأسباب ليس آخرها أنها حليفة تركيا التي تنافس المملكة على الزعامة السنية في المنطقة عند الأميركيين قبل أن يحسم هذا الامر لصالح السعودية بعد الصفقة الخيالية وعقد قمة إسلامية كبرى إثر زيارة ترامب للرياض تتويجاً لهذا.

صاروخ بالستي نحو قصر اليمامة في السعودية

وتقول حركة أنصار الله إن «الصاروخ البالستي استهدف اجتماعاً موسعاً لقادة سعوديين في قصر اليمامة في الرياض ، أما شبكة رويترز بدورها فأعلنت عن سماع دوي انفجار في الرياض وتصاعد أعمدة الدخان.. وشهود عيان يتحدّثون عن تناثر الشظايا وتبعثرها في الأرجاء على الممتلكات أما السلطات السعودية فتقول إنها اعترضته. وعليه فإن إطلاق هذا الصاروخ نحو هدف بهذه الحساسية صار غير قابل للنفي على غرار نفي الإمارات سقوط صاروخ على أراضيها قبل فترة، وبالتالي فإن السؤال عن البطاريات التي تعترض هذه الصواريخ من حيثما أتت صار ضرورياً وجدوى الدعم الأميركي بهذا الإطار في اي حرب مقبلة ضد إيران.

المتحدّث باسم البنتاغون الكومندان ادريان رانكين غالاوي أكد أن بلاده تبحث في هذا التطور، وفي شأن أن تكون المملكة تملك المطلوب للتصدي لهذه الهجمات. وفي هذا إشارة أساسية لمسألة بطاريات الباتريوت وفعاليتها وسواها.

هذه الصواريخ جميعها تشكّل اختباراً جدياً في حال اندلاع المواجهة المباشرة بين السعودية وإيران، ولعلّها تسرّع في تطوّر الملفات أكثر لسبب أساسي وهو أن الخليج يعتمد على الاقتصاد وتطويره بشكل جوهري. وخطة الأمير محمد بن سلمان التي يستند عليها ليتوّج ملكاً في البلاد خطة 2030 أي أنها خطة إنمائية بحتة لا يمكن تطبيقها من دون أرضية سلام يحتاجها بن سلمان أكثر من أي وقت مضى.

الأمر نفسه ينطبق على الإمارات الدولة الرائدة بالإنماء والاقتصاد. وهي ستكون معرّضة لمخاطر الحرب نفسها، وهي التي لا يمكنها تحمّل حتى إشاعة إطلاق صاروخ لما تحويه من سياح ونظام يعتمد على الانفتاح واستقبال الجنسيّات المتعدّدة من اقتصاديين وسكان. إذاً الكل أمام مأزق أكثر مَن يحتاج السلام هي الدول الخليجية. فإذا كانت غير قادرة على إعلان أن أراضيها دخلت في حرب حقيقية لكل تلك الحسابات، فما عساه يكون الذي يجري؟ وما هو متوقّع من هذه الدول؟

بالعودة إلى الإخوان المسلمين وحركة الإصلاح واعتباره مدخلاً لإمكانية فرضهم كطرف في الحكومة اليمنية المقبلة مؤيّد للخليج يكسر التفرّد الإيراني ويُحدث توازناً، فإنه من الممكن أن يؤدي التصعيد الصاروخي إلى التسريع بالحلّ وهذه الرسائل لا تعني فقط الخليج بل تعني الأميركيين الذين يراقبون عن كثب حركة الصواريخ لقياس القوة الإيرانية ومستوى التحدّي المطروح على حلفائها، وأبرزهم السعودية و«إسرائيل».

يبدو التصعيد اليوم أحد المداخل القادرة وحدَها على إدخال الأطراف بمفاوضات جدية لإنهاء حرب صارت «عبثية» وصارت «مرهقة» لكل الأطراف، بل هي الأكثر قدرة على أخذ الأمور نحو الأسوأ بحال تحوّل الاشتباك الى اشتباك مباشر بين السعودية وإيران. وبالتالي فإن التفاوض على صفيح ساخن هو المرجّح في المرحلة المقبلة، ولو بدت الصورة أكثر دراماتيكية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى