المشرق العربي بين المصالح الدّوليّة والصراعات الإقليميّة والانقسامات المذهبيّة

كامل وزنة

لم يشهد العالم حالة من الفوضى والصراعات كما يشهدها اليوم، فحتّى أيّام الحرب الباردة كان حجم الصّراعات منظماً ومدروساً بشكل أفضل، رغم مخاطر الانقسام الكبير ما بين الشرق والغرب.

لكنّنا اليوم نعيش في مرحلة الصّدام السّياسي والدّيني والمذهبي الأصعب في تاريخ المشرق العربي. فتخَبُّط المصالح الدّوليّة والمخاوف الإقليميّة ونشوء حركات تكفيريّة تتزاحم على إعلان الخلافة الإسلاميّة، و قتل الأبرياء، وضعت مصر ودول الخليج بقيادة المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات في مواجهة الفكر الإخواني الذي نجح في الإطباق على السّلطة في مصر لفترة لم تدُم أكثر من عام واحد، ليسقط بعدها الحلم الإخواني بعد ثمانين عاماً من الكفاح للوصول إلى مصدر القرار في مصر وسورية وليبيا وفلسطين واليمن برعاية ودعم أموال قطر وسياسات أردوغان التّوسّعيّة.

هناك صراع سني ـ سني يشكّل التّحدّي الأكبر للاستقرار في المنطقة. بحيث أنّ موجة التّكفير التي تأسّست في مدارس ومعاهد تمّ تمويلها لعشرات السّنين من دول خليجيّة، ضمن هذين المحورين. فموجة التّكفير المستندة الى الوهابية هي موجة فكريّة إرهابيّة، لا يمكن الاستخفاف بها أو التقليل من حجمها، حيث أنها تسعى إلى السيطرة على مناطق ومدّ النفوذ إلى مناطق واسعة شرق آسيا و الهند الى الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا، ولا يمكن أن ننسى ما حدث في 11 أيلول 2011، وقد هز الولايات المتحدة وغيّر من طبيعة العيش ومفهوم الأمن والاستقرار على مستوى القارة الأميركية.

فالخطورة الحقيقيّة في منطقة المشرق العربي تكمن في عدم وجود تصالح فكري وسياسي ما بين الفكر الوهابي الذي تقوده المملكة العربية السعوديّة وحلفائها من جهة والفكر الإخواني الذي تتبناه قطر وتركيا من جهة ثانية.

إنّ المعركة ما بين هذين الحلفين على مناطق النفوذ هي في مرحلة قابلة للتصعيد الأمني والعسكري. بحيث بات علينا أن نعترف بأننا لا نستطيع أن نضع «الإخوان المسلمين» على لائحة الإرهاب وقمعهم عسكريّاً وسياسيّاً بعدما وعدتهم أميركا وإدارة أوباما بأنهم الخيار الإسلامي كصيغة حضاريّة، أي نسخة طبق الأصل عن إسلام تركيا الذي هللّت له الإدارة الأميركيّة في خطابين شهيرين: «خطاب جامعة القاهرة» و «خطاب أنقرة».

أمّا في المقلب الآخر فالصراع الإيراني السّعودي على النّفوذ في المنطقة، وبالأخصّ في العراق واليمن وسورية ولبنان وفلسطين، فإيران وحلفاؤها ما زالوا يعتبرون القضيّة الفلسطينيّة هي القضيّة المركزيّة الأولى. لهذا استطاعت أيران أن تدخل بشكل أقوى إلى منطقة الشّرق الأوسط، وبنت فيه نفوذاً ذا طابع أمني وعسكري وسياسي وإعلامي لا يُستهان به. فحزب الله المدعوم من إيران على سبيل المثال أصبح يلعب اليوم دوراً إقليميّاً باعتبار أنه نجح في حماية النّظام السّوري مباشرةً بالإضافة إلى محاربة «إسرائيل» ناهيك عن دوره الفعال الغير مباشر في اليمن وفلسطين والبحرين ومناطق أخرى. هذا المحور الموضوع على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتّحدة وحلفائها الخليجيين.

انّ هذا المحور الذي تقوده إيران يمتلك فرصة أكبر للتصالح مع الفكر الإسلامي الخليجي المعتدل والفكر الإخواني أكثر مما يستطيع أن يتصالح المحوران السعودي الوهابي والتركي الإخواني.

إنّ إيران لا تشكّل تهديداً حقيقيّاً لدول الخليج، باعتبار أنها لا تريد أن تسيطر على العالم السّني أو ما يُشاع عن تشييع العالم السّني، فإنّ التّفاهمات الدّوليّة ما بين الغرب وإيران وبالأخص في الملفّ النّووي ستساهم في طمأنة الخليجيين من برنامج إيران النّووي السلمي للأغراض الطبية والصناعية. كما أنّ الولايات المتّحدة هي من يتكفل بأمن الخليج، وهي فعلاً لن تخرج من منطقة الشرق الأوسط كما أعلن أوباما عندما قرّر الانسحاب من العراق.

فاستراتيجيّة أميركا تهدف إلى البقاء في المنطقة لحماية مصالحها الاستراتيجيّة. فمنطقة الخليج ما زالت تساهم في تأمين ممرّات النفط والغاز للاقتصاد العالمي والولايات المتحدة ما زالت تعتمد على نفط المنطقة بالرغم مما تمّ اكتشافه في الولايات المتّحدة من الغاز الصخري والنفط الذي يؤهّل أميركا لأن تكتفي من خلاله دون أن تُعوّل على منطقتنا. هذا كلامٌ بسيط وبحاجة الى قراءة علميّة دقيقة. فأميركا بحاجة إلى نفط العالم العربي، لتساهم بسدّ عجزها المالي الذي تخطّى 18 ترليون دولار.

إنّ منطقة الشرق الأوسط والمشرق العربي هي أمام تحدّيات كبيرة وخطيرة، والفكر التّكفيري خطر لا يُستهان به. إنّ محاربة هذا الفكر التكفيري هي مسؤوليّة العالم الحرّ وليس دول المنطقة فقط.

إنّ العمل العسكري وحده لا يكفي للقضاء على هذا الفكر المدمّر الذي بدأ في بعضه يدمّر نفسه بنفسه. فالعمل العسكري الذي يقوم به الغرب برئاسة أميركا ومعها الدّول الخليجيّة يمازح الإرهاب حتّى الآن، ويُستخدم لتطويع المنطقة بعدما استثمرت به أميركا والدّول الخليجيّة. فالسّعوديّة اليوم لا تخاف من قوّة إيران بل تخاف أكثر على أبنائها من اعتناق هذا الفكر التكفيري. لذلك فإنّ جيشها يقف على أُهبة الاستعداد منذ 3 سنوات.

إنّ بداية النهاية للتخفيف من هذا الخطر يبدأ بالتّفكير في حلّ سياسي في سورية، وبإنهاء الحرب القائمة فيها.

ثانياً: حان الوقت لتجفيف كلّ الدّعم المادي والرّعاية لهذا الفكر التكفيري.

ثالثاّ: يجب العمل على إقامة مؤتمر دولي إقليمي لا يستثني أحداً للتعاون والتّنسيق.

رابعاً: الحلّ هو سياسي، فكري ومنهجي. فنشر سياسة إسلاميّة جديدة تشرح المفاهيم الدّينيّة، قد يساعد على تخفيف حالة التّضليل والإرهاب في منطقة المشرق العربي والسماح بدراسة جميع المذاهب الإسلامية في المدارس والجامعات السعودية والخليجية.

خامساً وأخيراّ: الاعتماد على دول المنطقة للتّعاون في ما بينها لإنهاء الحروب والصراعات وللتخفيف من الاحتقان الطائفي والمذهبي، باعتبار بأن الإسلام هو دين التسامح فكيف لنا ألا نتسامح مع بعضنا البعض.

مداخلة ألقيت في ندوة أقيمت

في مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى