قالت له
قالت له: كيف يكون الحب سكينة وهو ضجيج دائم وحركة لا تهدأ وانقلاب في المشاعر وتوتر في الأعصاب وانشداد في عضلات المعدة ووجع الشوق ولهفة العناق وبحث عن ظل الحبيب في ضوء شمعة وعن أنفاسه في أعقاب لفافات التبغ وعن مذاقه على أطراف فنجان قهوة؟
قال لها: الحب سكينة في الذاكرة فقط، ألا تلحظين عندما تتذكرين كيف تعلو شفتيك ابتسامة الرضا؟
قالت: بلى
قال: إنها السكينة التي تأتي بها كل وشوشات هذا الضجيج وتلك النبضات والأوجاع والأشواق، وإن لم تأت السكينة للذاكرة لكان الحب قلقاً من الضياع والهروب، فكان حباً قيد الولادة أو في طريق الشهادة.
قالت: ولماذا تناشدني الهدوء، كلما اشتد الصخب بيننا إن كانت السكينة إبنة الضجيج؟
فقال لها: للضجيج مراتب، فمنه علامة الشوق والحب ومنه وليد الغضب والغضب يستعبد اللغة فتنفلت مثله. ومتى تفلتت اللغة من ضوابط الحب بداعي الضجيج بدأ مسار الانحدار وتحاشي الجدال. وكل جدال ينتهي بالخروج عن لغة فيها للحب مكان علامة خطر وجرس إنذار، فقد يستهلك الحب طاقته بسبب التمادي أو يبرد بسبب التفادي!
فقالت: لكن التوازن والتكامل بين الحبيبين نقيض العبودية والمجاملة، حيث يعيش النظام ولا مكان للفوضى فهل هذا تسمّيه حباً؟
فقال لها: هي معادلة دقيقة بين الحفاظ على التنوّع والتوازن والتبادل وبين الحنان والرفق والعذوبة في الكلام أو العذاب في الخصام. وضابط الإيقاع هو اللغة، فتكسير الحروف كتكسير الصحون قرار مواجهة وصدام. وهذا ليس من الحب ولا يولد عفوياً إلا متى بدأ سقوط الحب في محظور سقوط الثقة. فمتى بقيت اللغة بحروف حرارة الحب لا اشتعال الغضب كانت بعدها ابتسامة السكينة، وإلا صار التفادي جواباً على التمادي فارتفع جدار الجليد وصار تكسيره أصعب كلما مر الزمن.
قالت: وأي منها بيننا سكون البرود أم سكينة الورود؟
قال: بعض الورود لا تنثر رحيقها وتفوح بعطرها إلا إذا بردت، لكنها تعرف كيف تسترد دفئها في الربيع.
فقالت: ابتسم إذن ودعنا نتدفأ من برد الكلمات.
قال: الشفاه هي الباردة فتبرد الكلمات. تعالي ندفئ ما برد منها… وأغمض عينيه ينتظر.