نور خوري السورية اللبنانية الفلسطينية من فيينا: يمّا مويل الهوا يمّا مويليّا… ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا!

طلال مرتضى

قبل أن ترفع الستارة الحمراء، ثمّة أصابع ناعسة كانت تداعب أوتار قيثارة تلهج بنغمة غربية الحواس، حين غابت الأنوار في غيبوبة البداية، مرّ عابر سؤال على غير هوس، قالوا لنا ستغنّي الليلة فتاة من سورية، لكننا الآن نسمع دندنات لا حياة فيها.

لكزت مُجانبي كي لا يكسر ريتم الصمت الذي خيّم على حين غرّة هامساً في سرّه: تمهّل يا صديقي لعلّها سورية!

حين انفلشت ستارة العرض إلى قسمين، تراءت فوق بقعة الضوء بالفعل، فتاة، مسبقاً حكمت على خطّها من خلال نمطها الظاهر وقصّة شعرها الغربية، فقلت لي: لعلّ جاري مصيب.

لم تطل الحكاية طويلاً عندما تدخلت أصابعها من جديد لتغيّر دفّة المركب السائر على عكس ما يشتهي المكان، ومع أول دنّة وتر، تهادت الشهقات وعلت نوبات التصفيق الحاد، لينساب من بين برهات الوقت سلسبيل صوت ناعس الهدل يربك فتنة الحواس والفرائض، سقط على مسامع الحاضرين برداً وعذوبة. تجلّى الصدح الرخيم منذ المطالع الأولى للكلام: «حدّ القناطر… محبوبي ناطر… كسر الخواطر يا ولفي ما هان عليّا».

من جديد، عاد عابر السؤال: «هيدي لبنانية مش سورية!».

لم أستطع الردّ وقتئذ، لأن روحي أبحرت في تلك اللحظة من قلب القاعة «الفييناوية» في النمسا إلى طريق بلدة «الخيام» الجنوبية لترافق موكب عصام العبد الله الذي هجر بيروته عن سابق إصرار وترصّد.

لم يكن من بدّ إلّا أن أطير إلى هناك وكأنّي به يجلس في صف الحضور الأول مصفّقاً للمغنية السورية أو اللبنانية بعدما دخلت موداً غنائياً يخنق الأنفاس في الحناجر مثل غصّة ترعها عاشق على طريق عيتيت:

«على طريق عيتيت يمّي قطعوا صلاتي

واحد حبيب الروح يمّي… وواحد حياتي

ودّعوني وراحو يمّي صوب النبطية

وقالو شو همّ نموت يمّي وتبقى القضية

ويا ريت عيني نهر يمّي وشرّبون منّو

ويا ريت جسمي جسر يمّي وقطّعون عنّو

وما بين أنصار وعيتيت يمّي كتبتّلك أشواقي

بترابات فلسطين يمّي… أنا ورفاقي

نحنا شفنا العذاب يمّي ودقنا حلاته

واللي نسي أرضو يمّي… يعدم حياتو».

كنت أراقب الصفّ الأول والذي تجلّت صورة عصام العبد الله بين حضوره، كي أسمع منه ما أريد أو ما تريد الفتاة التي غنّت لبيروتها وقدسها وشامها.

كنت متيقّناً أنني سأسمعه يقول، من مقامه الجديد مصفّقاً لنور إيلي خوري العربية: «حلو… حلووو يا نور، حلو».

نعم كان سيقولها بعدما تركت الغيتار لتردّد مع جمهورها:

«يمّا مويل الهوا يمّا مويليا

ضرب الخناجر ولا… حكم النذل فيّا

ومشيت تحت الشتا والشتا روّاني

والصيف لمّا أتى ولع من نيراني

بيضلّ عمري انفدى ندر للحرية

يمّا مويل يا ليل صاح الندى يشهد على جراحي

وانسل جيش العدا من كل النواحي».

في صدد اختتام دورة العام 2017، «مركزCOP OF COLTURES» في فيينا، والذي يديره اللبناني المؤلف الموسيقي مفيد نعمة، أقام أمسية ثقافية فنية، أحيتها الشابة السورية نور خوري غناءً وعزفاً لمدة ساعة كاملة، ترافقت مع حضور كبير نمسوي وعربي.

والجدير بالذكر أن المركز يعنى بكلّ المواهب الشابة العربية منها والأوروبية، وهو بيت أدبيّ للجميع، إذأنّه يرفد نشاطاته الأدبية والفنيّة بدورات لتعليم اللغة الألمانية وغيرها، إضافة إلى الموسيقى التي يشرف عليها بشكل مباشر مدير المركز.

وبالتأكيد، ليست هي الأمسية الأولى التي يرعاها المركز، حيث بدت جلية روح التنافس بين روّاده، الأمر المبشّر، حيث بدأنا نتلمّس حضوراً لافتاً لنشاطات عربية تحمل على عاتقها رسائل تعريفية لإرث البلاد.

نور إيلي خوري خريجة جامعة دمشق علوم اللغة الفرنسية، وتلك ليست أمسيتها الأولى في فيينا.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى