فلسطين ذاكرةُ الأرضِ استيقظتْ لانتفاضة الانتصار
آمنة بدر الدين الحلبي
بلغ القتل مداه، على امتداد مساحة العالم العربي، تحت مظلة سوداء، متستّرة بظلال الإسلام، والإسلام براء من دماء الأبرياء، سالت كشلالات متدفقة روت كل ذرة من ذرات الأرض المقدسة التي استيقظت ذاكرتها وشعرت أن ما يحدث على أرض الشام ما هو إلا من تدبير حكام بني صهيون لامتداد أوسع من الفرات إلى النيل، بقتل وذبح العباد، والاستيلاء على ثروات البلاد، وسبي النساء، واستعباد الأطفال، لأن العنصرية لدى بني صهيون جزء لا يتجزأ من كيانهم النفسي، وأن العالم بنظرهم مقسَّم إلى «يهود وأغيار». اليهود هم الأخيار، والأغيار هم الأشرار، واستباحة حرمات الآخرين أو «الأغيار» جزء لا يتجزأ من تراثهم الديني، كما سجل عليهم القرآن: «ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل» آل عمران 75 .
العنصرية تجري في أجسادهم مجرى الدم حين جعلوا الله ذاته ـ تعالى شأنه ـ عنصرياً، فوضَّح الأب بولس حنا «5»: أن النصارى يؤمنون بأن الله هو أبو الجميع، والمسلمين يؤمنون بأن الله رب العالمين، إلاّ اليهود فلا يريدون أن يكون الإله إلا لهم وحدهم، ولهذا عُرف عندهم أنه «إله إسرائيل».
عنصرية لا مثيل لها بالعنف والقسوة والذبح والتنكيل التي وصفهم بها القرآن الكريم: «وجعل قلوبهم كالحجارة أو أشدّ قسوة». تلك القسوة في معاملة «الأغيار» لأنها قاعدة مسلّمة عندهم، والأقذر من ذلك، هي عبادة يتقرّبون بها إلى معبودهم، وعبّر عن ذلك «مناحيم بيغن» في كتاب «التمرّد» حين قال مجسّداً فلسفة العنف «أنا أحارب، إذن أنا موجود».
جاءت مذبحة «دير ياسين» في فلسطين في 9 نيسان 1948م. فأُبيد معظم السكان بوحشية على يد قوات «الأرغون» التي قادها «مناحيم بيغن» وكتب مزهواً بانتصاره الدموي «إن دولة إسرائيل ما كانت لتقوم لولا انتصار «دير ياسين» مذبحة للعُزَّل سُمّيت بلغة الكيان الصهيوني انتصاراً.
وتتالت المذابح، مذبحة تلو الأخرى، بقتل الأطفال والنساء واعتقال الشباب وتعذيبهم حتى الموت بعنجهية لا مثيل لها، كما فعلوا بمذبحة «صبرا وشاتيلا» في مخيمات الفلسطينيين في لبنان، والتي مازالت آثارها شاهدة على إجرامهم، وبعدها «مجزرة قانا» لأنهم لم يشبعوا من إراقة الدماء، زعماً منهم أنهم شعب الله المختار.
لأن «إسرائيل» لن تكف عن أحلامها التوسعية طالما لديها من يضع نصب عينيه القتل أمثال إبن غوريون الذي أكد على العنصرية بشكل أعنف، حين قال: إن خير مفسِّر ومعلِّق على التوراة هو الجيش»، فكيف يصدقها العالم أنها تسعى للسلام؟؟
بل كيف يصدّقها العرب الذين يرونها بأمّ العين كيف تقلّدت السواد، وتلثّمت به، وجعلته شعاراً لها، وحملت السيف لقطع الرؤوس باسم الإسلام، في وطن الياسمين في شام الحب، وجعلت من النساء سبايا، ومن استطاع الفرار ترك وراءه إرثه وحضارته وبيوته، لتحلّ هي محله بتغيير ديموغرافي بشع من الشام لبغداد، واليوم أكمل المعتوه الأميركي اغتصابهم بقرار مسخ مثل وجوههم، بأن تكون القدس عاصمة لبني صهيون، ومنهم مَن قال لها «شكراً إسرائيل».
أمام العالم الغربي تسعى «إسرائيل» للسلام الهزيل، لذرِّ الرماد في العيون، والذي يُعطيها أكثر مما يأخذ منها، وتنحني للعاصفة حتى تمرّ، ثم تحارب من جديد لإقامة «إسرائيل الكبرى» لأن «إسرائيل» «لا تُذعن لقوة المنطق، بل لمنطق القوة». هكذا كان تعاملها حتى مع الله عز وجل! فقد تمرّد بنو صهيون على تعاليمه حتى شرّدهم في التيه أربعين عاماً.
ولم يكن «إبن غوريون» وزملاؤه يتحدّثون وفق أمزجتهم واقتناعهم الخاص، ولكن «كانوا تلاميذ أوفياء للفكر الصهيوني القديم الذي بعثه مؤسس الصهيونية السياسية ثيودور هرتزل في كتابه «الدولة اليهودية».
إنهم أولاد الأفاعي سخط الله عليهم حين عاثوا في الأرض فساداً فقتلوا أنبياء الله، ونقضوا الميثاق الذي أخذه الله عليهم، وآذوا موسى وعيسى عليهما السلام كثيراً، على أنهم الشعب المختار وأمة «الكتاب المقدس» معتبرين أنفسهم أولاد سيدنا ابراهيم عليه السلام، وسيدنا ابراهيم براء منهم، ومما يفعلون. وهذا ما قاله السيد المسيح عليه السلام لليهود الذين قالوا: «أبونا إبراهيم» قال: «لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال ابراهيم» «انجيل يوحنا 8/39».
إنهم مجرمون قتلة يقومون بأعمال الشياطين حين يهدمون بيوت الفلسطينيين ويحرقون أراضيهم لتهجيرهم، وقتلهم وسجنهم، لكن مهما تقدّموا بحقدهم ودباباتهم وعربدتهم لن يهنأوا لأن الأرض ليست لهم، والبحر ليس لهم، وشجر الزيتون ليس لهم، والزيت المقدس ليس لهم، والهواء ليس لهم، والقدس ليست لهم ولم ولن تكون عاصمتهم بلغة رئيس أميركي مجرم، وبيت لحم ليس لهم، وكنيسة المهد ليست لهم سيُخرَجون عاجلاً أم آجلاً.
ها هو العملاق الفلسطيني ينتفض للمرة الثالثة، فالهامد تحرّك، والمارد استيقظ، والريح غيّرت اتجاهها بعدما بلغ السيل الزبى، غسل الصدأ عن العقول، وأزال الغشاوة عن العيون ليسجّل انتصاره، فاشتعل الرماد الكامن، وامتشقت نساء فلسطين المقاومات سلاح العزة والكرامة لتصرخ بوجه العدو «الإسرائيلي» ارحل، ذاكرة الأرض استيقظت لانتفاضة الانتصار، بعدما رأت بأم العين كيف عاث عملاؤها فساداً بأرض الشام، وإجرامها شقّ عنان السماء. ارحل أيها الصهيوني الغادر من كل ركن من أركان أوطاننا، هكذا عبّرت حرائر فلسطين اللواتي ارتدين أغصان الزيتون قداسة، وتزيّنَ بكوفيات مزركشات بعبارة لا يمحوها الزمان ولا المكان ـ فلسطين ـ ذاكرة الأرض استيقظت لانتفاضة الانتصار، خرجن بصوت واحد وحسّ واحد وكلمة واحدة. خرجن لإعلان الانتفاضة الثالثة على كل مَن بغى وتجبَّر من بني صهيون.
من فلسطين من الأقصى خرجنَ الحرائر…
صرخنّ بوجه الاحتلالِ صرخةَ ثائر..
اخرجْ من أرضنا أيها الجائر…
كفانا صمتاً عربياً فاجرا…
كفانا عهراً سياسياً…
من الشام لبغداد…
لن يكون فينا، بعد اليوم حائر…
القدسُ لنا، وفي كل صرخة شهيد قادر …
بيتُ لحم لنا، وكنيسة المهد للحرائر….
لهيبُ الأرضِ اشتعلَ رمادُها…
كلّنا صلاح الدين الناصر ….
وعلى الباغي تدور الدوائر…