ترامب وضع «الاعتماد» الأكبر بيد الاستخبارات
روزانا رمّال
الحرب التي تخوضها دول وأطراف عدّة في المنطقة تخطّت الخلاف السياسي الذي صار» نتيجة» لتزخيم حاصل على أكبر المستويات دقة ومسؤولية، جزء كبير منها يتعلّق بالتقدم التكنولوجي وتطوير السلاح وما يعنيه ذلك من تطوير على صعيد الشبكات الأمنية والاستخبارية التي تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من كل ما يدور في الحرب السياسية والعسكرية.
الحديث عن أجهزة استخبارات هي الأقوى في المنطقة، هو الحديث عن أجهزة الأمن «الاسرائيلي» والروسي بعد الدخول المباشر بالحرب السورية إضافة للأجهزة الأميركية الموجودة منذ ما قبل غزو العراق بأشكال متعدّدة نجحت بفرض النفوذ الأميركي بشكله الواسع والممتد لسنوات عديدة في أكبر الدول الشرق أوسطية.
حرب الاستخبارات هي وجه مباشر من أوجه الحرب الأميركية الروسية القديمة وآخرها يتجسّد في نتائج الانتخابات الأميركية 2016، التي يصرّ خصوم ترامب حيالها أن لروسيا دوراً في خرق استخباري أدّى إلى ما أداه المشهد في وصول ترامب للرئاسة والمحاسبة الجدية تأخذ طريقها. وآخر أخبار هذه القضية، بحسب أحد المحامين المدافعين عن دونالد ترامب ، جاي سيكولو، أن الانتهاء من إنجاز التحقيق صار قريباً. ويذكر أن التحقيق يقوم به مكتب التحقيقات الفيدرالي في موضوع «تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية عام 2016». وقال سيكولو «إنني أعرف، ونحن كمجموعة محامين، نتوقع الانتهاء من هذه القضية قريباً».
الولايات المتحدة، كما تتحدّث الصحافة الأميركية ، تشهد حالياً عدداً من التحقيقات حول تدخّل روسيا المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. وتتولى الإشراف على هذه التحقيقات لجنتا الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس، وكذلك لجنة الشؤون القانونية في مجلس الشيوخ.
أجهزة الاستخبارات التي ورطت ترامب بإمكانية كشف الحقيقة هي وحدها القادرة على إنقاذه اليوم، خصوصاً لقربها للمجموعات «الاسرائيلية» الأمنية والتصاقها الوثيق. وهذا يعني شيئاً أساسياً اليوم صار هناك ضرورة لأخذه بعين الاعتبار، فدونالد ترامب المهدّد بهذه القضية التي تسمّى «ابتزازاً» عرض ولايته للخطر منذ تولّي عهده، وأحدثت استقالات متتالية في صفوف مستشاريه الكبار خصوصاً، ورئيس جهاز الأمن القومي، مايكل فلين، هي اليوم قاب قوسين أو أدنى من الإقفال، حسب محامي ترامب، لكن لأسباب صارت أوضح وقادرة على الكشف عما وراء التعجيل أو التطوّر الحاصل على صعيد هذا الملف غير القابل للمسايرة بالخلفية الأميركية. ومن الجيد بالنسبة لخصوم ترامب، كما يقولون، أن تبقى أجهزة الاستخبارات ممسكة بقضية من هذا النوع تجعل مواقف وخطوات ترامب أكثر «أميركية» بعد التوسّع الذي أراد خوضه مع روسيا، حتى تمّ «تكبيله» والنجاح في هذا. والمعروف أن ترامب وبوتين يحملان كيمياء «سلوكية» قديمة العهد بينهما، مبنية على إعجاب سابق قبل أن يفوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية. وقد لاحظت الاستخبارات الأميركية هذا التعاون، وصارت مراقبة ترامب وفريقه أمراً ضرورياً من الحملة الانتخابية وقبل فوزه، وذلك بعدما بدت حظوظه مرتفعة.
صهر ترامب جاريد كوشنير هو أحد الذين اتهموا بالتواصل مع الروس، وبإنشاء صلة الوصل هذه. وكانت الأمور تَعِد بتقارب أميركي روسي أعمق لولا توقف الدولة الأميركية «العميقة» عند مستوى هذه العلاقة المريبة بالنسبة لخيار أميركي لم يحسم إمكانية التقارب بهذه الطريقة بعد صراع تاريخي لا يمكن أن يحسب على الأميركيين كتنازل لروسيا في هذه الظروف كيف بالحال وأن واشنطن لا تزال غير مقتنعة باقتسام النفوذ مع روسيا أو بشراكة ندية بعد أن كانت روسيا دولة بنفوذ محدود في المنطقة لم يرتقِ لمستوى التشارك مع الأميركيين.
صار الحديث اليوم عن إمكانية أن ينجح ترامب بتخطي هذه المعضلة التي قيّدت مخططاته وأخذته نحو المزيد من التطرف، في وقت كان يدّعي الميل نحو الانفتاح من أجل فتح أسواق وأعمال كبرى امام الأميركيين في عهده، سيكون ممكناً بعد أن استرضى الشريحة اللاعبة والمؤثرة بالموقف الأميركي العتيق وهي الشريحة المؤيّدة لـ»إسرائيل» والتي تُعرف باللوبي اليهودي الأميركي الكبير والمؤثر في صناعة الرأي العام الأميركي وصياغة قرارات البلاد نظراً لنفوذ هذا اللوبي.
وعليه… صار بالإمكان النظر إلى هذه المسألة بعين مختلفة بعد أن وقع ترامب على قرار أميركي بإعلان القدس عاصمة يهودية. فقرار ترامب المطمئن لـ»الإسرائيليين» لم يعد يهدد التموضع الأميركي في الأزمات ولا الوجود «الاسرائيلي» فقد قدم ترامب اليوم أقصى ما يمكن لهذا اللوبي وصار ممكناً صرف هذا الموقف بما يعود على عهد ترامب بالاستقرار. وهذه القضية هي الأكثر إحراجاً له والتي جعلت العلاقة مع روسيا مقيدة وأخّرت الاتفاقات في الملف السوري وجمدت العمل بالاتفاق النووي الإيراني والعقوبات على إيران وشخصيات من النظام دليل على ذلك.
ترامب مع لعبة الاستخبارات الأميركية سينجح قريباً بتذليل العقبات التي رفعت بوجهه لحظة فوزه بالرئاسة وبإرساء الاستقرار في قلب البيت الأبيض. وقد أدرك ترامب أن كل هذا الاهتزاز الحاصل على مستوى العلاقات بين غرف المؤسسة الأميركية صار ممكناً صرفه بعد هذا التعاون بعد توقيع هذا القرار في هذا التوقيت بالذات الذي كانت تتوجّه فيه روسيا لحصد نتيجة التقدم الميداني اتفاقات سياسية تحسم حضورها الوازن في المنطقة فأعيد خلط الأوراق التفاوضية وصارت القدس في الطليعة مع احتمالات تصعيد جديد انطلاقاً من الأراضي المحتلة.