أزمة تحالفات في ضوء «النسبية» وتوازنات نيابية جديدة؟
محمد حميّة
مع إعلان وزارة الداخلية استكمال إجراءاتها القانونية واللوجستية ضمن المهل المحدّدة لإنجاز العملية الانتخابية وفقاً لقانون الانتخاب الجديد، والتوافق الرئاسي على إنجاز الاستحقاق في موعده دونما تأجيل أو تمديد، تدخل القوى والأحزاب السياسية في «كوما الانتخابات» مطلع العام المقبل، إذ من المتوقع أن يكون كانون الثاني شهر إعلان الترشيحات ورسم التحالفات، لكن حصول الانتخابات بعد عقدٍ من التمديد للمجلس الحالي ووفقاً لقانون النسبية ، سيشكل إرباكاً لمعظم الأطراف الى جانب أزمة تحالفات ستظهر في زمنٍ تبدّلت الأولويات والتحالفات السياسية وفي ظلّ التحوّلات الاستراتيجية في المنطقة، فبات حلفاء الأمس خصوم اليوم وخصوم الأمس حلفاء اليوم.
لا شك في أنّ التسوية الرئاسية والحكومية العام الماضي، قد أفرزت تحالفاتٍ محلية جديدة بمعزلٍ عن بقاء معظم القوى الرئيسية على تموضعها في محاور إقليمية، ولو ظاهرياً على الأقلّ، لكن هل ستخوض قوى التسوية الانتخابات متحالفة على قاعدة اتفاق تعاقدي لتبادل الأصوات، بحسب أحجام كلّ منها في الدوائر يكون بديلاً عن التحالف الانتخابي العريض الذي ليس من مصلحة أحد وفق قانون النسبية؟ وكيف ستوازن بين تحالفاتها التقليدية والمستجدة لا سيما بعد أن خلطت أزمة الرئيس سعد الحريري الأوراق؟ وهل سيُحدث قانون النسبية تغيّراً جوهرياً في خريطة المجلس النيابي الجديد وبنيته؟
إذ لم تَحسُم معظم الأحزاب خياراتها لجهة الترشيحات والتحالفات باستثناء التحالف الدائم والاستراتيجي بين أمل وحزب الله، وإعلان النائب وليد جنبلاط التحالف مع «القوات اللبنانية» في الشوف، فإنّ تيار المستقبل هو الطرف الأكثر إحراجاً وقلقاً بين الأحزاب، على صعيد ترشيحاته الحزبية في ظلّ أزمة «البيت الواحد» وإنْ على صعيد مواجهة خصومه داخل الطائفة الواحدة أو لجهة التحالف بين حلفاء الأمس واليوم.
وترى مصادر قيادية في «المستقبل» لـ»البناء» أنّ «رئيس تيار المستقبل محرج بين التيار الوطني الحر والقوات، رغم أنّ الاتجاه الأغلب بعد أزمة الحريري هو للتحالف مع التيار والرئيس ميشال عون، لكنها تشير إلى مراعاة رئيس الحكومة السعودية في تحالفاته»، وسط مخاوفٍ تعتري السعودية من النتائج السياسية للقانون الجديد ظهر خلال كلام وزير الخارجية عادل الجبير الذي اتهم عون وحزب الله بالضغط على الحريري لانتزاع هذا القانون.
وتضيف أوساط المستقبل: «لا مصلحة للمستقبل بالتحالف مع قوى أخرى وفقاً للنسبية إلا تفاهمات موضعية لتبادل الأصوات في بعض الدوائر على قاعدة المصلحة المتبادلة»، مشيرة الى أنّ «العلاقة ممتازة بين الرئيسين عون والحريري، لكن لم تنسحب على مستوى جمهور التيارين، وتصف العلاقة بين الرئيسين بالمستقرّة والعادية ويسودها التفاهم على إدارة الحكم، ولم ترقَ الى التحالف، فلا يزال هناك خلاف في الخيارات الاستراتيجية حول سلاح حزب الله وإدارة العلاقة مع الدول العربية وشكل التواصل مع سورية وحدود العلاقة بإيران».
وتُقِرّ المصادر بأنّ «المستقبل سيخسر جزءاً من المقاعد النيابية، وأنّ كتلته لن تعود كما كانت، وتعزو سبب الخسارة الى «الأزمات الداخلية التي مرّ بها التيار فضلاً عن التطورات الإقليمية وأداء قيادته خلال العقد الماضي وطبيعة القانون الجديد».
مصادر مطلعة على الملف الانتخابي أشارت لـ «البناء» الى أنّ «تحالف الأحزاب ينجح في الأماكن التي يوجد فيها لحزب ما تمثيل مهم من دون أن يكون لديه مرشح»، وتذكر المصادر دائرة الكورة لتوضيح ذلك، حيث يوجد نحو 7 آلاف صوت سنّي من دون وجود أيّ مرشح من هذه الطائفة، فإذا تحالف التيار الحر مع المستقبل فإنّ الأول سيستفيد من الأصوات السنّية، كذلك يوجد في صيدا نحو 6 آلاف صوت شيعي، فإذا تحالف المستقبل مع أمل وحزب الله، سيستفيد من هذه الكتلة حيث في صيدا لا وجود لمقعد شيعي».
كما لفتت الى أنّ «أبرز حسنات القانون هو دخول وجوه جديدة من غير الحزبيين والطائفيين الى المجلس العتيد، حيث في كلّ دائرة هناك إمكانية لخرق لوائح الأحزاب بمقعدٍ واحد بسبب الصوت التفضيلي». وتوقّعت أن «يكون ربع مجلس النواب من الوجوه الجديدة على أقلّ تقدير».
وتحدثت المصادر عن تحالفٍ خماسي بدأ يتحضّر بين أمل وحزب الله والتيار الحر والمستقبل والاشتراكي، متوقعة أن يرسي هذا التحالف إنْ حصل توازنات سياسية جديدة قد تغيّر المعادلة الداخلية التي سادت منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري لصالح خيارات وسياسات المقاومة»، وتستبعد أن يتمكّن أحد فريقي 8 و14 آذار مع المستقبل من حصد أكثرية الثلثين».
لكن هل يصمد هذا التحالف ما بعد الانتخابات؟ وهل يكرّر الثنائي الشيعي خطيئة التحالف الرباعي بتحالف خماسي؟ وماذا عن حلفاء المقاومة؟
أوساط 8 آذار لم تستبعد حصول مثل هذا التحالف، فقد سبق وحصل تحالف رباعي في انتخابات العام 2005 وليس مستحيلاً أن يُضاف اليه «التيار الحر» ليصبح خماسياً، لكنها تؤكد لـ «البناء» أنّ فريق المقاومة لن يتخلى عن حلفائه، مهما كانت الاعتبارات وسيدعمهم بحسب حجم قوّته في كلّ دائرة»، وتعتبر أنّ «القانون الجديد يحمل الغموض البناء لجهة الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي، وبالتالي هناك مفاجآت في النتائج».
ووفق مطلعين، فإنّه كما كان انتصار الجيش السوري وحلفائه في حلب العام الماضي العامل الحاسم في انتخاب رئيس للجمهورية حليفاً للمقاومة، فإنّ حزب الله سيصرف فائض قوة انتصاراته الميدانية في المنطقة في دعم حلفائه من طوائف وتيارات مختلفة لإضفاء طابعٍ وطني وقومي على المجلس الجديد يكسر الاصطفاف المذهبي التقليدي حول المقاومة والخيارات الاستراتيجية بمعزلٍ عن المواقف في الملفات والقضايا المحلية».
غير أنّ مصادر المستقبل تستبعد التحالف العلني مع حزب الله في ظلّ الاصطفافات الإقليمية القائمة، «فلا أحد يمكنه التكهّن بتبدّلها حتى الربيع المقبل، وإن حصلت تسويات بين القوى الإقليمية والدولية يمكن أن نشهد تحالفاً كهذا».
وتحذّر المصادر من أن يتمكن حزب الله عبر التحالف الخماسي وبدعم حلفائه في 8 آذار من حصد الأكثرية النيابية في المجلس في ظلّ سيطرته على السلاح و«إنْ حصل ذلك سيغيّر المعادلة الداخلية لصالح الحزب ومحوره ما سيخلق أزمة مع الدول العربية والمجتمع الدولي». وتستبعد المصادر الحلف الخماسي الذي لا يستند الى معطيات جدية، لكنها تشير الى أنه إذا تم عقد هذا التحالف فسيكون انتخابياً فقط ويزول مع نهاية الانتخابات، كما حصل في التحالف الرباعي».
لا شك في أنّ الانتخابات المقبلة ستكون في غاية الأهمية، لأنها ستفرز توازنات نيابية جديدة سيولد من رحمها رئيس حكومة وحكومة جديدة ستبقى على قيد الحياة طيلة ولاية المجلس الجديد إلا في الحالات الواردة في الدستور لاعتبار الحكومة مستقيلة…