مختصر مفيد القدس تردّ الاعتبار لأردوغان… فأين سيصرف دوره الجديد؟
شكّل القرار الأميركي بإعلان القدس عاصمة لـ»إسرائيل» كمدينة موحّدة غير قابلة للتقسيم فرصة لإعادة تشكيل الأحجام والأدوار على ساحة المنطقة، ولمكانة القدس في العالم الإسلامي دور في عرض التحدّي على الحكومات والدول الإسلامية مع شارع شعبي غاضب يبحث عن مواقف وسياسات تلاقيه. وتركيا كدولة إسلامية محورية تقع أو ما يقع المعنيون تحت النظر، وقد سبق لها في حصار غزة أن سيّرت سفناً لفك الحصار، وكانت لها مواقف. وها هي تدعو للقمة الإسلامية وتتبنى مشروع قرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يبطل القرار الأميركي بقوة القانون الدولي. فكيف ستصرف تركيا فرصة الدور الجديد بعدما خاطرت وغامرت بمكانتها عبر توظيف مقدراتها لترجمة السياسات الأميركية في محاصرة وإضعاف قوى المقاومة ودولها عبر مشروع العثمانية الجديدة وتسلّط الأخوان المسلمين على الحكم لتخديم السياسات الأميركية، ولم تنل سوى الخيبة والفشل وبالمقابل الخذلان من الأميركي سواء عبر مشروع الانقلاب في تركيا أو في تحريك مشروع دويلة كردية في سورية ودعم خط الانفصال الكردي في العراق، وما يثيره كل ذلك من أخطار لتركيا؟
إذا كان الظاهر يقول إن تركيا تتميّز بخطاب قوي حول القدس وحركة دبلوماسية وسياسية تحت عنوانها، فإن بعض ما يجري يستدعي التدقيق بدرجة تغيير قيادة الرئيس التركي رجب أردوغان تموضعه على ضفاف التحالفات، رغم ما تتيحه له العلاقة المتجددة مع إيران وما يوفره مسار أستانة في الأزمة السورية له من موقع وسطي، ليتصرّف كراعٍ لحركة المواجهة مع الموقف الأميركي «الإسرائيلي»، وتشكيل ثنائي عابر للمذاهب مع إيران، يقود المواجهة مع هذه الحلقة الجديدة من المشروع الأميركي. فأول ما يستدعي التدقيق هو امتناع تركيا عن اتخاذ أي موقف علني أو ضمني يطال نوعية علاقاتها بـ»إسرائيل»، سواء على مستوى التنسيق العسكري والتعاون الاقتصادي، أو خصوصاً ما يتصل بالعلاقات الدبلوماسية ومستقبل وجود سفارة «إسرائيلية» في أنقرة، فيما يضج الشارع العربي والإسلامي بالدعوة لقطع العلاقات بـ»إسرائيل» رداً على تمسك «إسرائيل» بكل نوع من التطبيع معها ليصير السؤال، هل يستقيم الادعاء التركي بمكانة قيادية في معركة القدس مع الامتناع عن القيام بخطوة ممكنة وواقعية وبسيطة وتسبب مقداراً كبيراً من الضغط على «إسرائيل»؟
فجأة ظهرت صورة أردوغان في السودان يعلن موافقة حاكم السودان على منحه جزيرة سواكن على البحر الأحمر. والسودان منذ تموضعه الجديد رهينة سعودية أميركية، لا يجرؤ على قرار بحجم ما فعل يستفز أميركا المختلفة مع تركيا حول سورية وأكرادها، أو يستعدي السعودية المتصادمة مع تركيا في سورية وحول قطر، ولماذا ترضى واشنطن والرياض بمنح تركيا هذه المكانة الاستراتيجية فتطوّق مصر وتطوّق السعودية، ما لم يكن قرار أميركي كبير، ولا قرار أميركياً كبير إلا خلفيته مصلحة «إسرائيل»، ولا مصلحة «إسرائيلية» بحجم إجهاض الانتفاضة الفلسطينية وإفساد مناخ الوحدة الوطنية الفلسطينية، وضمناً إبعاد مصر، خصوصاً عزل إيران وسورية وحزب الله عن الحضور الفلسطيني، لتكون مهمة أردوغان الجديدة المزايدة الكلامية في قضية القدس، لركب موجة الشارعين العربي والإسلامي، وترويض حركة حماس مجدداً، واستعمال النفاق السياسي لدس الدسائس وافتعال الفتن، ومنع أي محاولة جدّية للضغط على أميركا و»إسرائيل»، والحؤول دون الأخطار التي تواجهها «إسرائيل» مع صعود حركة المقاومة وتماسك صفوفها وتجذّر مواقفها، وعندما تريد «إسرائيل» تحت الضغط عقد صفقة تجهض التعبئة التي تستهدفها تمد يدها لأردوغان الذي تعامله اليوم علناً كعدو أول، وهي تراه منقذها الأول عندما تحين الساعة..
ناصر قنديل