ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
من النساء الرائدات: ابتهاج قدّورة، وديعة قدّورة خرطبيل، وزاهية قدورة
في كتابه «حقائق ومواقف» يتحدث الأمين أديب قدورة 1 عن عراقة عائلته في ميدانيّ الطب والصيدلة، بدءاً من جده أديب مصطفى قدورة الذي يصفه انه « أوّل طبيب مسلم في لبنان، تخرج عام 1881 «، فوالده مصطفى أديب قدورة « الذي تخرّج صيدلياً عام 1899 فكان أوّل صيدلي مسلم في لبنان» «وعمه حليم تخرّج طبيباً عام 1900 «فكان ثاني طبيب مسلم في لبنان» ثم سافر إلى فرنسا وتخصص في الجراحة «فكان أوّل جرّاح مسلم في لبنان ونائب بيروت لدورتين».
ولم يقتصر التميّز العلمي للعائلة على الذكور، فالإناث حِزنَ على حصة متقدمة، فعمته ابتهاج التي ولدت عام 1893 كانت أوّل خريجة مسلمة من «كلية البنات الاميركية» بزقاق البلاط، وهي من اوائل النساء اللواتي ناضلن في سبيل نيل المرأة لحقوقها، ولتحريرها، ولتنظيم شؤونها في المجتمع. مما اهلّها لتصبح رئيسة الجمعيات النسائية كلها في لبنان ثم رئيسة الاتحاد النسائي العربي في العالم العربي 2 .
أما شقيقتاه وديعة وزاهية فيقول عنهما في كتابه ص27 انهما تابعتا مسيرة عمته ابتهاج، «فوديعة خرطبيل نذرت نفسها للقضية الفلسطينية في فلسطين حيث حوّلت منزلها إلى مستشفى أبان الحوادث الجارية آنذاك في «طول كرم»، وبعد نكبة 1948 تابعت جهادها في بيروت فأسست الاتحاد النسائي الفلسطيني، ومثلت المرأة الفلسطينية في عدد من المحافل العربية والدولية وكانت انتمت إلى الحزب عام 1947. وشقيقته زاهية تخرّجت من الجامعة الاميركية في بيروت وتابعت تحصيلها في «جامعة فؤاد الأوّل» بالقاهرة ونالت الماجستير ثم الدكتوراه، وكانت أوّل امرأة غير مصرية تنال هذه الرتبة. وترأست رابطة الطلاب اللبنانيين في القاهرة، ورجعت إلى لبنان وتولت في الجامعة اللبنانية منبر استاذة للتاريخ في كلية الآداب، ثم اصبحت رئيسة القسم ثم عميدة لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية من 1971-1974، وهي أوّل امرأة تتولى مهمة عميدة. ثم جددت مدة الثلاث سنوات مرة اخرى حتى 1977، ولها مؤلفات كثيرة في التاريخ الوسيط والحديث، واشتركت في ندوات عديدة دولية وعربية وألقت محاضرات في اكثر عواصم العالم.
عنهن نقدّم ما يضيء، استناداً إلى ما أمكن توفره لدينا من معلومات.
وديعة قدورة خرطبيل
صحيح ان وديعة قدورة انتمت إلى الحزب عام 1947 وتولت مسؤولية ناظرة اذاعة منفذية السيدات 3 وشاركت مع قوميات اجتماعيات في احد المؤتمرات النسائية في بيروت 4 الا انها، وقد اقترنت من طبيب من الجنوب السوري، انصرفت لكل ما يعني شعبنا بمواجهة اكبر مؤامرة يمكن ان يتعرض لها شعب في التاريخ، فلا نجد في ادبيات الحزب ما يشير إلى انها تابعت نشاطها الحزبي.
في كتابها «بحثاً عن الامل والوطن، ستون عاماً من كفاح احرزته في سبيل قضية فلسطين»، تعرض السيدة وديعة لمسيرتها الغنية بالنضال بدءاً من «طولكرم» وصولاً إلى تأسيسها فترؤسها لفرع الاتحاد العربي النسائي الفلسطيني في لبنان.
محتويات الكتاب:
– الفصل الأوّل: بيروت- فلسطين.
– الفصل الثاني: نكبات خاصة.
– الفصل الثالث: فلسطين والمرأة.
– الفصل الرابع: أربعون يوماً في الأمم المتحدة.
– الغصل الخامس: القدس أبداً.
– الفصل السادس: سنوات النار والرماد.
– الفصل السابع: عراقيل ونشاط متقطع.
– الفصل الثامن: الحضور زمن الغياب.
– الفصل التاسع: إسعاد الطفولة المعذبة.
– خاتمة ووثائق: مصورة.
اما المقدمة فلرئيس مكتب منظمة التحرير في بيروت شفيق الحوت.
عن شقيقها الأمين أديب قدورة، تقول السيدة وديعة خرطبيل:
« ….وأصل إلى أخي أديب، فالذين عرفوه شاباً رياضياً أوّلاً، وصيدلياً ثانياً، ونقيباً للصيادلة لثلاث دورات وأميناً لسر اتحاد الصيادلة العرب، ورئيساً للمجلس الأعلى للحزب السوري القومي الإجتماعي، ونزيل سجون لمرات ومرات، لا يصدقون أنه الطفل الذي تأخر عن دخول المدرسة، تحت وطأة الربو الذي أصابه. فخلافاً لما درجنا عليه من الدخول في سن مبكرة إلى المدرسة، اضطر مرضه والدي، لإتخاذ قرار بإبعاده عن بيروت ورطوبتها، وعليه تمَّ إرساله خارجها مع ممرضة لبعض الوقت، وعندما تحسنت حاله تمّ إدخاله إلى مدرسة «الشيخ عباس» القريبة من منزلنا القديم في منطقة «عالسور»، حيث كان انتظامه الدراسي متقطعاً. إلا أن تطور وضعه الصحي أدى إلى دخوله المدرسة ومنها إلى الجامعة الأميركية حيث نال إجازته في العام 1938 كأصغر طلاب دفعته، وخلال إلتحاقه في الأخيرة قرر التغلب على معاناته عبر الأنشطة الرياضية، ومارس السباحة والملاكمة وكرة السلة والتنس وتفوّق في العديد منها.
« لكن الاهم في مسار شقيقي أديب كان انتماؤه للحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي تعرّف عليه طالباً في الجامعة الاميركية، أسوةً بسواه من الطلاب الذي كانت تتوزعهم الأفكار القومية آنذاك. ولعل انتسابه للحزب خلال فترة الدراسة طبع حياته إلى حد ما، إلا أن نشاطه الحزبي قد واكب تخرجه من الجامعة، إذ شغل مراكز هامة في الحزب، فكان عميداً للدفاع وللخارجية ورئيساً للمجلس الأعلى للحزب، ومن خلال هذه المواقع مارس أدواراً سياسية في كل من لبنان وسوريا على حد سواء. فقد تعرف شقيقي أديب على مؤسس الحزب أنطون سعادة في مطلع الثلاثينات، وعين منفذاً عاماً لبيروت ولم يتجاوز في حينه الواحد والعشرين عاماً، ولما نشبت الحرب العالمية الثانية وقامت سلطات الإنتداب بحملاتها القمعية على القوميين والشيوعيين، كان أديب من ضمن المستهدفين نظراً لموقعه الحساس في الهرم التنظيمي. وقد تعرّض لدخول السجن خمس مرات، أولاها في العام 1939 عندما أمضى في سجن القلعة ثلاثة شهور ومثلها في سجن الرمل. وفي السجنين لم يكن أديب مجرد سجين حزبي، بل لعب دور الطبيب، ومن الذين طببهم فرج الله الحلو القيادي البارز في الحزب الشيوعي اللبناني. وقد تابع أخي نشاطه الحزبي رغم كل المصاعب والمتاعب التي جابهته، إلا أنه قرر في النهاية تجميد نشاطه في إطار الحزب احتجاجاً منه على موضوع اغتيال العقيد عدنان المالكي التي قام بها أحد زعماء الحزب في العام 1955، بدون علم قيادات الحزب. وزاد ابتعاده عن الحزب حين اندفع الحزب في تأييد الرئيس كميل شمعون، إذ اعتبره انسياقاً في قتال طائفي لمصلحة فرد مهما كان مركزه ولأن ذلك يتنافى مع فلسفة الحزب القائمة على العلمانية ولأن مصلحة الشعب تأتي قبل مصلحة أي فرد.
« ولكن أخي أديب، خلال نشاطه الطويل في صفوف الحزب السوري القومي الإجتماعي دأب دوماً على التوفيق بين اتجاهات الحزب القومي والتيار العربي الشامل، ونظم لقاءات خلال حياة الزعيم أنطون سعادة، بين أخته الدكتورة زاهية قدورة وبينه وجرت بينهما نقاشات مطولة عالجت في العمق موضوع الإنتماء العربي، لأن أخي كان موقناً أن انتماء سوريا ومصيرها مرتبطان بالمصير العربي المشترك.
ابتهاج قدورة: رائدة العمل النسائي
تقول وديعة قدورة خرطبيل عن عمتها ابتهاج قدورة، التي كانت رائدة من رائدات النهضة النسائية في لبنان والعالم العربي، إلى الحد الذي كرست حياتها بتفانٍ رائع لقضية المرأة ورفع مكانتها اجتماعياً ووطنياً وتحصيل حقوقها المهدورة:
ولدت عمتي ابتهاج في بيروت عام 1893، إبان الحكم العثماني، وترعرعت ونمت مواهبها الفذّة في رحاب مدرستها الأولى، وهي البيت الذي نشأت فيه، العامر بالثقافة والعلم. أما مدرستها الثانية فكانت المدرسة الاميركية للبنات A.S.G، والتي دخلتها برغم اعتراض وجهاء المسلمين آنذاك، واحتجاجهم على «تعليم البنات المسلمات في المدارس التبشيرية» . وقد تابعت عمتي دراستها، وحافظت على رصانتها ورفعة أخلاقها، حتى اقتدت بها الكثيرات، وانتسبن إلى المدرسة الاميركية للبنات. ثم نالت، على طراوة عودها، شهادتها النهائية عام 1909 بتفوق، وكانت خطيبة حفل التخرج، ألقت وهي مرتدية الحجاب خطاباً حول دور المرأة في الهيئة الإجتماعية، اعتبره بعض معاصريها بداية تاريخية لتحرير المرأة عملياً، إذ كانت من المتعلمات الأوائل اللواتي آلمهن جهل المرأة، إذ فكرت في وجوب تعليمها وتوعيتها، توصلاً إلى الخروج بها من ظلمة التخلف الآسر إلى نور التقدم والمساواة.
كان طموحها أبعد من المدرسة الأميركية للبنات، فأجالت النظر في ما يحيط بها، وفكرت في وسيلة تنمي ثقافتها، وتوفر لها دراسة أعلى تعوّضها عن الدراسة الجامعية التي لم تسمح الأوضاع العامة آنذاك بولوج بابها، فعكفت على مكتبة والدها تنهل منها ما تشاء، واستعانت بعالم جليل فتفقهت بأمور الدنيا والدين، ثم استكملت على أيدي مدرّسين تعلم اللغات فأجادت العربية والإنكليزية والفرنسية وكانت تخطب بها بطلاقة.
ولما رأت أن الحياة ضمن جدران البيت والتنعم برفاهية العيش لن يرويا طموحها، صممت على الخروج إلى ميدان الحياة العامة فأسست بالإشتراك مع عنبرة سلام وأمينة حمزة وعادلة بيهم ووداد محمصاني وشفيقة غريب سلام وسواهن، «جمعية يقظة الفتاة العربية» في شهر آذار/مارس العام 1914، وكان صغر سن الفتيات المندفعات إلى العمل الإجتماعي حال، حينذاك، دون حصولهن على رخصة لجمعيتهن فالتفتن إلى إحدى سيدات بيروت المعروفات، هي المرحومة نجلا بيهم التي استجابت لهن، وشملت جمعيتهن برئاستها ورعايتها، وعملت معهن بحماسة لا تعرف فتوراً.
باشرت الفتيات العمل، لكن فرحتهن بعملهن لم تكتمل، فالحرب العالمية الأولى التي نشبت في آب/ أغسطس من العام 1914، شتت شملهن، فتعثرت أعمال الجمعية رغم أن عدداً منهن جاهد مدة من الزمن. ومع اندلاع القتال، عمّ القمع وانتشرت المجاعة، وفرض «جمال باشا السفاح» القائد العام للجيش التركي الرابع، الاحكام العرفية، وأرخى العنان لغرائزه في الفتك والظلم والتنكيل بالوطنيين.
وبدا ان بيروت على عتبة انفجار، ولامتصاص الوضع أسس الأتراك في العام 1916 أربعة ملاجئ لإحتضان الصغار المشردين في الشوارع، بالتعاون مع نخبة من السيدات منهن: نجلاء بيهم، وعنبرة سلام، وثريا طبارة، وشفيقة غريب وعمتي ابتهاج قدورة. وحدث أن جاء جمال باشا إلى بيروت من عاليه وتفقد الملاجئ، ثم عاد إلى اجتماع حضره لفيف من السيدات والوجهاء والقادة العسكريين. حينذاك وقفت ابتهاج وألقت كلمة بالعربية أثارت دهشة القائد العثماني في تجرّئها عدم إلقائها بالتركية. ثم دار بينه وبينها الحديث التالي كما تنقله فايزة سعد الدين في كتابها «السيدة ابتهاج قدورة رائدة النهضة النسائية في القرن العشرين»:
هل أنت من رعايا الدولة العثمانية؟
– نعم، سعادة الباشا.
هل تعرفين اللغة التركية؟
– كلا.
هل تجيدين لغات أخرى غير العربية؟
– نعم، الإنكليزية والفرنسية.
كيف لا تعرفين اللغة التركية وأنت من رعايا الدولة العثمانية؟
استأذنت ابتهاج، الباشا بسؤال تطرحه، فأذن لها بذلك فقالت: سعادتك مسلم فلماذا لا تعرف قرآنك؟
ذهل الحاضرون وخافوا، ومن بينهم أحمد مختار بيهم، أحد أكبر وجهاء بيروت، لكن جمال باشا سرَّ بجوابها وسرعة بديهتها، فرّبت على كتفها قائلاً:
«آمل أن نلتقي في العام المقبل فأجدك تتحدثين التركية وتجدينني أتكلم العربية».
ومضت الايام، وأصيبت عمتي بمرض «التيفوس» أثناء عملها في ملاجئ الأطفال حتى كادت تفقد حياتها، لكنها، بعد ان استعادت قليلاً من صحتها، عاودت نشاطها وأسهمت في 23 تموز/ يوليو من العام 1917 في تأسيس «نادي جمعية الأمور الخيرية للفتيات المسلمات» بالتعاون مع أمينة حمزة وعادلة بيهم ووداد محمصاني ووحيدة الخالدي وعنبرة سلام. وكان هذا النادي يهدف إلى رفع مستوى الفتيات ثقافياً واجتماعياً، وقد درج على إقامة الحفلات الشهرية التي يحضرها رجال ونساء ينتظمون في قاعة منفصلة، وقد أنشئت في النادي مكتبة للمطالعة، وظل عاملاً لمدة ثلاث سنوات، وربما كان أوّل ناد ثقافي نسائي في البلاد العربية.
على أن نشاط عمتي لم يتوقف يوماً عند مؤسسة واحدة، بل شمل أكثر من واحدة في وقت واحد، فقد اشتركت مع سلوى محمصاني وشفيقة سلام في «اللجنة النسائية لدار الأيتام الإسلامية»، ثم تسلمت عمادتها منذ العام 1920 إلى العام 1945، عندما أسست «رابطة الجمعيات النسائية الخيرية الإسلامية» لأحياء بيروت، ومارست نشاطها من خلال تشكيلها عشر جمعيات موزعة في أحياء العاصمة. وقد بذلت الرابطة، بتوجيه منها، جهودها لتخليص الأحياء العاملة فيها من التخلف الإجتماعي نتيجة الفقر والجهل والمرض، وعملت على رفع مستوى الأسرة بتوجيهها وتدريبها على حسن استثمار طاقاتها المهملة من أجل حياة فضلى.
وكانت كذلك، وبطلب وإلحاح من السيدة لور خوري زوجة رئيس الجمهورية بشارة الخوري حينذاك، صديقة «لجمعية الصليب الاحمر اللبناني» التي تأسست بفضل جهود المرأة اللبنانية في العام 1945.
وفي المجال الإقتصادي والإجتماعي، شاركت عمتي ابتهاج في تأسيس «جمعية النهضة النسائية» في بيروت العام 1924، بالتعاون مع والدتي خانم الحسامي والسيدات لبيبة ثابت، ونجلاء كفوري، وسلمى صايغ، وجوليا دمشقية، وسواهن. وكانت غاية هذه الجمعية زيادة تشغيل اليد العاملة وتشجيع الصناعة الوطنية. ومن أجل هذه الغاية، أقيمت المعارض، وارتدت السيدات الانسجة الوطنية، وسافر فريق من اللبنانيات إلى سوريا، حيث زرن المصانع واطلعن على كيفية الإنتاج، وطالبن باستبدال الأسماء الأجنبية على حواشي المنسوجات بأسماء المصانع العربية. وقد توقفت هذه الجمعية أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم استأنفت بعدها أعمالها، ولا سيما في قرى الجنوب اللبناني، حيث افتتحت هناك المدارس لمحو الامية، وأنشأت بجانب كل مدرسة مركزاً لتعليم الخياطة والأشغال اليدوية.
في حفلة تكريمية أقيمت لإبتهاج قدورة بحضور رئيس الوزراء حينذاك الحاج حسين العويني وعدد من الوزراء والنواب والشخصيات السياسية والدبلوماسية العربية، قالت المحامية لور مغيزل: « ابتهاج قدورة من اللواتي بعثن النهضة النسائية، ورعين حبوها وتلمساتها، ورافقن سعيها وتطوراتها، فإذا بها تتلبّس بالحركة النسائية، وإذا بالحركة النسائية تتجسّم فيها، حتى لم يعد بوسعك أن تميز بين الإثنين 5 .
ولقد رافقت عمتي الخطوات الأولى لتشكيل الحركة النسائية المستقلة، لتضم في العام 1921 معظم الجمعيات النسائية في لبنان، ثم يتحول هذا الكيان الإتحادي، في العام 1924، إلى هيئة مرخص لها رسمياً باسم «الإتحاد النسائي في سوريا ولبنان». بقي الإتحاد منذ تأسيسه الهيئة التي تزعمت ووجهت النهضة النسائية اللبنانية، وقد توالى على رئاسته، فضلاً عن عمتي ابتهاج عدد من السيدات اللبنانيات، منهن: إفلين بسترس، حنينة طرشا، لور ثابت، ونجلا صعب.
« ثمة مجال آخر على المستوى القومي اتجه إليه نضال عمتي وهو اهتمامها بالقضية الفلسطينية، فقد أصبح الوضع في فلسطين لا يطاق بسبب السياسة الإستعمارية البريطانية والتآمر البريطاني الصهيوني، والإضطهاد الذي حلّ بشعب فلسطين، رجالاً ونساءً. وقد أدركت المرأة الفلسطينية أن عليها واجبات وطنية إلى جانب الرجل، ولذلك فقد طلب وفد من سيدات القدس العاملات في الحقل الإجتماعي برئاسة «زليخة الشهابي» إلى عمتي ابتهاج بحث موضوع فلسطين ودور المرأة في الأقطار العربية، فاقترحت أن يعقد مؤتمر عام لجميع السيدات العربيات بدعوة من «هدى هانم شعراوي» في القاهرة. وهكذا أرسلت عمتي هذا الطلب ونفذ بعقد المؤتمر العام في 12 تشرين الأوّل أكتوبر من سنة 1944 فحضرته اي، وديعة قدورة خرطبيل عن فلسطين، كوني رئيسة لإحدى الجمعيات النسائية في فلسطين. ولسوء الحظ لم تذهب عمتي إلى المؤتمر بسبب وعكة صحية ألمت بها. ولكنها أرسلت برقية وطلبت من أختي زاهية أن تحضره بمناسبة وجودها في القاهرة تحضر أطروحة الدكتوراة وكان الوفد اللبناني برئاسة السيدة روز شحفة، أما الرعاية وكلمة الإفتتاح فللملك فاروق.
أما عضوية الوفد اللبناني فكانت لكل من نجلاء كفوري، وإفلين تويني بسترس، ونازك عابد بيهم وحياة بيهم. وقد تحدثت في المؤتمر كلٌّ من كفوري وبسترس اللتين لم تشيرا في كلمتيهما إلى عمتي ابتهاج، مما أدى إلى انزعاجي واحتجاجي فسارعت السيدة كفوري إلى الإعتذار، لأن «هذا التجاهل لم يكن مقصوداً، وقيمة زعامة ابتهاج قدورة محفوظة ولا جدال حولها فهي رئيستنا ورائدتنا».
وفي اليوم التالي أقيم احتفال كبير في قاعة الإحتفالات التابعة لمقر الإتحاد النسائي المصري العام، بحضور حشد من شخصيات الحكومة المصرية والنواب والسفراء، واحتضنتني هدى هانم وأجلستني في الصف الامامي، وافتتحت كلمتها بتحية إلى «ابتهاج قدورة» صاحبة الفضل في عقد هذا الإجتماع، وأشادت بمناقبها ومآثرها. بعدها ألقت رئيسات الوفود النسائية العربية كلماتهن، وبصفتي رئيسة الإتحاد النسائي العربي الفلسطيني في طولكرم، ألقيت كلمة فلسطين وموضوعها، «نداء الأرض» نبهت فيها إلى ضرورة العمل بسرعة قبل ضياع الأرض الفلسطينية كلها.
دام الإتصال بين عمتي ابتهاج قدورة ورائدة النهضة العربية رئيسة الإتحاد النسائي العربي العام هدى هانم شعراوي سنوات طويلة، لتنسيق العمل النسائي العربي، وتطوير الحركة النسائية، وخدمة القضية الفلسطينية، وعندما توفيت هدى شعراوي في 17 تشرين الأوّل 1947، تمّ انتخاب ابتهاج قدورة خلفاً لها. وهذا أمر طبيعي باعتبار أن العلاقة بينهما هي التي أدت إلى قيام الإتحاد النسائي العربي العام، ويضم الإتحادات النسائية في جميع البلدان العربية ويعقد دوراته في مختلف عواصمها. وقد فازت عمتي بالتزكية لدى ترشحها في مؤتمر الإتحاد العربي العام الذي عقد في اليونيسكو العام 1948، وامتدت رئاستها اثني عشر عاماً على حقبتين، امتدت الأولى من العام 1949 إلى العام 1957 والثانية من العام 1962 إلى العام 1967. وقد اشتركت عمتي أيضاً في عدة محافل دولية نقلت خلالها صوت المرأة اللبنانية والعربية إلى أعلى المحافل.
« إنني أخشى أن اكون أطلت في الكلام عن إبتهاج قدورة، إلا أني حاولت قدر الإمكان إبعاد العاطفة التي أحملها لها. واختصاراً لما يستحق أن تفرد له صفحات، وقد أفردها آخرون سواي، وأود أن أشير إلى أنها ترأست سنة
1961 وفد لبنان النسائي إلى المؤتمر الآفرو- آسيوي الذي عقد في القاهرة للبحث في قضيتي فلسطين والجزائر، وألقت كلمة عبرت فيها عن وجهة نظر المرأة اللبنانية الداعية إلى استمرار النضال حتى ينال القطران استقلالهما بجلاء الإستعمار الفرنسي والاحتلال الصهيوني، وقد شاركت في أعمال المؤتمر كرئيسة لوفد الإتحاد النسائي العربي، ثم توجهت بعئذٍ مع رئيسات الإتحادات النسائية الافرو- آسيوية لزيارة الرئيس جمال عبد الناصر الذي استقبلنا بالترحاب مثنياً على جهودنا الخيرة.
وقد حضرتُ اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر المذكور، بوصفي رئيسة للوفد الفلسطيني، وانتخبت في الهيئة الإدارية التي تمثل آسيا وأفريقيا.
أختم بالقول إن عمتي توفيت في صيف العام 1967، بعد أن امضت عمرها في خدمة المرأة اللبنانية والعربية من دون تفكير في جزاء وحين علمت الأديبة المصرية أمينة السعيد بوفاتها قالت:
« لقد توارى بفقدها وجه من أكرم الوجوه العربية في تاريخنا الحديث، وبموتها ماتت هدى هانم شعراوي للمرة الثانية».
لقد كرّست عمتي حياتها للجهاد والخدمة العامة، ولم تتزوج قط، على الرغم من أنها كانت جميلة المحيا وثرية، وسيدة من الطراز الأوّل، أذكر أنه عندما أصبحنا في سن الزواج خاطبتنا قائلة:
«لا تفعلوا مثلما فعلت عمتكم ابتهاج، فأنا رفضت الزواج من أفضل الرجال، وكان ينبغي ألا أرفضه، ذلك كان خطأ، لا يكفي أن تتعلموا، وتحصلوا على الشهادات العالية، بل ينبغي أن تتزوجوا أيضاً. هذه هي سنة الحياة، والعلم والزواج يجب أن يتحققا معاً «.
زاهية قدورة
كنت في الستينات اتردد، كما المئات من القوميين الاجتماعيين، إلى سجن القلعة لزيارة رفقاء معتقلين، اما اليوم واذ ازور الأمين اسطفان قربان في محله، اتوقف امام «السجن» لاجد مكانه مدرسة ثانوية تحمل اسم «زاهية قدورة»، فأستعيد في ذاكرتي امران:
أ . تاريخ سجن القلعة منذ الاربعينات وكم استضاف من مئات القوميين الاجتماعيين،
ب . والأمين أديب قدورة، ذلك الطود في بيروت، مناضلاً ونقيباً للصيادلة ومرشحاً اكثر من مرة للمقعد
النيابي والوجه البيروتي المعروف.
بتاريخ 24/09/1993 اجرت مجلة «الشعلة» 6 مقابلة مع الدكتورة زاهية قدورة، اخترنا منها المقاطع التالية، بعد المقدمة التعريفية التي قالت فيها «الشعلة»:
« عميدة كلية الآداب سابقاً لمدة سبع سنوات، رئيسة قسم التاريخ لمدة طويلة ورئيسة اتحاد الجامعيات اللبنانيات، وغيرها الكثير الكثير: انها الدكتورة «زاهية قدورة». يا ترى هل تفكر حالياً بإعادة هذه النشاطات ؟ نشاطاتها عديدة هذه الايام، فهي منهمكة أوّلاً بكتابة مذكراتها وكما قالت: احاول ان اكون واضحة وصريحة في كل الاحداث والمواقف التي مررت بها. آملة ان تكون عبرة لمن يقرأها. كما تحدثت عن ذكرياتها مع الزعيم «انطون سعاده». والظروف التي جعلتها قريبة منه كونها شقيقة الصيدلي «أديب قدورة» الذي دخل الحزب السوري القومي الاجتماعي في بداية حياته وهو المثل الاعلى بنظرها في الحزب لانها كانت ترى التضحيات التي ضحاها والعذاب الذي تعذبه في السجن وكان يرفض اي بديل عن الحزب السوري القومي الاجتماعي.
كما اشارت إلى حزنها العميق بسبب الانشقاق الحاصل في الحزب قائلة: ان زعيمهم قدوة لهم وهو يرفض الانشقاق لانهم جماعة لهم تاريخهم وتراثهم ونضالهم واذا اتفقوا وتوحدوا سيكونون الحزب الاقوى في البلد..
سنتحدث إليك كمربية ومدرّسة ومؤرخة، هل يمكن ان تحدثينا بداية، عن آخر النشاطات التي تقومين بالتحضير لها؟
– لدي نشاطات عديدة، غير الاكاديمية في الوقت الحاضر، فأهم ما اقوم به هذه الايام هو كتابة مذكراتي، وهي تستوعب مرحلة طويلة ومواقف واحداث مهمة وحساسة، وانا احاول ان اكون صريحة وواضحة في كل الاحداث والمواقف التي مررت بها، آملة ان تكون عبرة لأولادنا او للزملاء في المستقبل ايضاً.
هل يمكن ان نتعرف الآن على شيء من مذكراتك؟
– الحقيقة، عندما بدأت التعليم في الجامعة اللبنانية في بداية تأسيسها، كنت بعيدة عن الجو الذي يسودها، وكان لدي مفاهيم وثوابت راسخة ومفهوم العدالة ومفهوم المساواة، مفهوم المحبة، الصدق، الاخوة، مفهوم الدراسة الجدية… انما صادفتني امور كثيرة خيّبت الكثير من آمالي.
هل مررت بتجارب مريرة، لان الامور التي صادفتك غير التي كنت تعتقدينها؟
– نعم، مررت بتجارب مريرة كثيرة، ولم استطع تغيير المفاهيم التي كنت مؤمنة بها، فكان من الصعب علي ان اغيّر او اتغيّر، لذلك مرت بتجارب عديدة وسأتحدث عنها: عندما اصبحت عميدة، حاولت جهدي ان ارتفع في الجامعة وأعيد تصحيح مسيرتها، وكانت امنيتي ان تصبح مثل جامعات العالم الرفيعة من حيث: لا القوانين فقط، لانها ليست قوانين وانظمة بل اعراف وتقاليد، فالجامعة لها اعراف وتقاليد جامعية مقدسة.
اردت جعلها مثالاً وقدوة للمجتمع البناني، في العدالة، المساواة، الاخوة والمحبة والمفاهيم التي تجمع بين اللبنانيين لا التي تفرق فيما بينهم، وحاولت جهدي رفع المستوى الاكاديمي للاساتذة، فاستعنت بأساتذة كبار من الجامعة الاميركية ومن جامعة بيروت العربية، فكان هنالك اساتذة كبار خريجي لندن واميركا.
ما هي كتبك المطبوعة؟
– عائشة ام المؤمنين، الشعوبية، تاريخ العرب الحديث، الجزيرة العربية، بحوث عربية واسلامية، اضافة إلى ابحاث كثيرة مطبوعة ومنشورة هنا وفي البلاد العربية كتاريخ ابن خلدون، ابو الفداء، ابحاث عن العصبية في المجتمع العربي، المرأة في المجتمع العربي، التنسيق والتعاون بين البلدان العربية في المجالات المتعددة، وغيرها الكثير الكثير اخذت معظم وقتي، اضافة إلى مذكراتي، اعمل في بحث الآن وهو «الاستشراق والمستشرقون».
هنالك دعوات كثيرة لإعادة النظر في تاريخنا وخصوصاً منه المعاصر، ما هو رأيك بهذه الدعوة ؟
– انا مع الدعوة لإعادة النظر في كتب التاريخ والتنشئة الوطنية والتربية، ليس فقط المعاصرة، بل إعادة النظر بتاريخنا القديم، لان السبب الكبير في تفسخنا وفي حربنا كتب التاريخ والتربية والتنشئة الوطنية، مثلاً: عندما تنشىء أولادك او اهلك او طلابك على تربية تختلف في خط واحد ومفهوم معين، وينشئ الآخر أولاده وطلابه بمفهوم معين آخر متضارب، فكيف سيعيشون سوياً هؤلاء. عندما اقول لهم نحن طبعاً لبنانيون، لكن نحن لبنانيون عرب تاريخياً وثقافياً ولغوياً وجغرافيا وتعايشاً ايضاً. فكيف يمكن ان اعود وادرّسهم انتم عرب وجذوركم عربية وسواي يدرسّهم، لا، انتم لستم عرباً، اصلكم فينيقيين، سريان، يونان…
يجب على الدولة، ولا سيما في المدارس الحكومية، ان يكون كتاب التاريخ كتاباً تاريخياً وتربوياً واحداً في جذوره وتاريخه وثقافته. انما طبعاً التعددية جيدة فيما بعد، فضروري ان تكون التعددية في اطار الوحدة، وليس تعددية متنافرة، وهذا اهم عامل في توحيد الشعب اللبناني، والا على لبنان السلام، انا اقولها من الآن، لا سمح الله اذا جرى للبنان ضربة واحدة اخرى، انتهينا، انتهينا، انتهى لبنان.
اضافت: يجب ان نكون صادقين وصريحين مع بعضنا البعض، أوّلاً اللبناني العروبي المسلم يجب ان لا ينكر لبنانيته لان لبنان اصبح امراً واقعاً من عام 1920، فكونه يقطن فيه مفروض عليه ان يقبل به وإلا يرحل، واللبناني المسيحي يجب ان يقبل بأن لبنان عربي الهوية والانتماء كلبنان الموجود في كيانه، فأين الضرر اذا كان عربي الهوية والانتماء، فليس معنى هذا انه مسلم، لا، العروبة هي الدواء الوحيد لداء التفسخ، لأن العروبة تجمع بين المسلم والمسيحي، القبائل العربية كانت قبل الاسلام في الجزيرة. وقبل الاسلام جاءت إلى لبنان، وكان لها حضارة ومدنية، وكانت وثنية وبعدها اصبحت مسيحية وقسم آخر منها اصبح مسلماً.
استمرت قائلة: المسيحية قبل الاسلام، واللغة العربية قبل الاسلام، فجاء الاسلام في حضن العروبة وعززها، ولدينا آيات كثيرة قرآنية تعزز العروبة، وآخر حديث للنبي محمد وهو على فراش الموت كان: حبوا العرب لثلاث: لاني عربي ولسان اهل الجنة عربي والقرآن عربي يعني حبوا العرب مهما كان العرب، مسلم، مسيحي فهو عربي، العروبة الوحيدة هي التي تذوّب الطائفية.
اضافت الدكتورة قدورة: اعمل الان في بحث بين الاسلام والمسيحية، لا شك كل دين له تقاليده وله عاداته وشريعته، لكن الجوهر واحد، هل يوجد غير رب واحد، لا. يوجد اختلافات، ما هي؟ الاسلام جاء آخر الاديان وخاتم الانبياء، يؤمن في المسيحية واليهودية طبعاً كدين، الاختلافات ليست جوهرية.
تابعت تقول: هذا الاختلاف مصطنع اتى من التربية الخاطئة ومن الخارج، فأنا ابنة مدارس اجنبية ولي ذكريات، سأتكلم عنها، مع الزعيم انطون سعاده، والظروف التي جعلتني قريبة من الزعيم ومن الحزب السوري القومي الاجتماعي كون أخي «أديب قدورة الذي دخل الحزب السوري القومي الاجتماعي من بداية حياته، وقد سجن سبع مرات من اجل الحزب. وكان «أديب قدورة» شاباً واعداً، الجميع كان ينتظر منه التحرك ليلعب دوراً مهماً وكبيراً في بيروت، لكن اخي بالرغم من الاغراءات والضغوطات رفض وآمن بالحزب ودخل فيه، فأنا اختلف عنه. انا لبنانية عربية وحدوية جداً، منذ طفولتي وانا في المدرسة كنت اصر على امي لتضع على ثوبي المدرسي العلم العربي، وعندما كبرت واصبحت في الجامعة فكانت الاجواء ايضاً عربية.
لكن كون اخي سورياً قومياً اجتماعياً انخرطت في الحزب كصديقة لهم، وكنت ادافع عن اخي عندما يسجن.
هل تعرفين الزعيم انطون سعاده شخصياً ؟
– بعدما عانيت ما عانيته من سجن اخي، وكنت في بداية عمري تلميذة في جامعة القاهرة أحضر الدكتوراة لانه لم يكن يوجد دكتوراه في الجامعة الاميركية، انا وهناك برفقة رفيق لي وكنا جالسين في مكان محترم جداً، سمعت من بعيد موسيقى تعزف، فرأيت الاستاذ «نعمة تابت» الذي كان صديق اخي وزميله في الحزب كما سجنا معاً مرات عدة، فنظرت صوبه واشتبهت بالزعيم معه لأني كنت ارى صورة معلقة عندنا في المنزل، فألقى علي الاستاذ نعمة السلام من بعيد، عندها اقتربت وسلمت على الزعيم، وفرحت جداً عندما رأيته، شكل ظريف، لطيف، وطبعاً كان لدي حنان لهم لاني كنت متعلقة جداً بأخي.
بعدها عدت إلى بيروت، فكان أخي على صلة قريبة ووثيقة بالزعيم وكان منزلنا قريباً من منزله والعلاقة بينهما وثيقة جداً، فكانت الزيارات متبادلة بينهما.
عندها، وبعدما اصبحت علاقتي جيدة مع الزعيم، طلب اخي مني ان ادخل الحزب السوري القومي الاجتماعي فكان جوابي لا، لأنكم في حزبكم تقولون اتحاد عربي وانا اقول وحدة عربية، فعندما تبدلوا هذه الكلمة ادخل معكم، فما دمتم تقولون امم عربية وأنا اقول امة عربية، لن ادخل معكم مع اني احبكم واقدركم وأجلكم.
وهنا تذكرت الدكتورة قدورة عندما مكث الزعيم مدة في العرزال وقالت: صعدت واخي لزيارته، فأعجبت به جداً، فهو رجل جميل، فهيم، محترم، مؤدب، حضاري وكل صفات الانسان المميز فيه. فتحدثنا عن الحزب وعن الامور العامة، فأنا احترم الحزب السوري القومي الاجتماعي جداً، لاني عشت معهم، واعرف إخلاصهم. فأنا كنت معجبة جداً بالزعيم وبنزاهة الحزب ونظافته، واعرف انهم لا يملكون شيئاً ولا احد يعطيهم شيئاً، فكانوا يبيعون من املاكهم لينفقوا على القضية وعلى انفسهم، فكان اخي يصر على انخراطي في الحزب، فكان يقول له الزعيم، اتركها لكي تقتنع، لان الزعيم لم يكن يهمه العدد بل الاقتناع في العقيدة.
لكن في اي محنة كان يتورط فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي، كالسجن وغيره، كنت اذهب مع عمتي ابتهاج قدورة التي كانت رئيسة الاتحاد النسائي العربي العام، وعمي الدكتور نادر قدورة فكان له كلمته وشخصيته وعمي الدكتور حليم قدورة كان نائباً لبيروت مرتين، وكل العائلة كنا نذهب ونسعى للجميع ونفعل وساطات لتخفيف الحكم والمحاكمة، فكان آنذاك عملنا الذي نقوم فيه، قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي، فكل العائلة كانت مجندة في خدمة الشباب، لأنهم كانوا شباباً ممتازين عن عقيدة وعن ايمان، وانا اقول لك، جميعهم لم يكن معهم اموال، وكان ممكن لاي دولة ان تدفع لهم. فلم يكونوا يقبلوا ابداً. هذه للحقيقة معرفتي بالزعيم، فعندما سجن وعند محاكمته ذهبت واختي السيدة «وديعة قدورة خرطبيل» كانت متزوجة رجلاً فلسطينياً وعاشت في فلسطين وأسست الاتحاد النسائي الفلسطيني هنا في لبنان، فكانت تعمل للقضية الفلسطينية، وتذهب دائماً إلى مؤتمرات عالمية وكانت تعمل على مستوى عال، وهي كانت قريبة جداً من الحزب السوري القومي الاجتماعي حتى في المفاهيم اقرب مني إليهم. فكنا سوياً يوم اعدامه عند شخصيات كبيرة واخذنا الضوء لنذهب إلى سوريا وحضرنا ذهابنا وجلبنا سيارة لنقلنا بعد نصف ساعة، لكن قبلها ذهبنا عند شخصية كبيرة ومهمة في رأس بيروت وبعدها للانطلاق إلى سوريا، فكانت الساعة تقريباً الواحدة بعد منتصف الليل، فسمعنا اصوات صفير سيارات، فلم نعرف السبب في البداية، لكنهم كانوا يقلّون الزعيم انطون سعاده إلى الاعدام.
خسارة، لقد كان هدف ذهابنا إلى سوريا تأجيل المحاكمة لتنجلي..
هذه علاقتي بالحزب، من اجل هذا لدي عطف ومحبة واحترام لهم.
هوامش:
1 المنفذ، عميد الدفاع، عضو المجلس الاعلى فرئيسه، نقيب الصيادلة اكثر من مرة. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
2 الصفحة 21 من كتاب «حقائق ومواقف» للأمين أديب قدورة .
3 بموجب المرسوم الصادر في 11 نيسان عام 1949
4 يفيد الأمين جبران جريج في الصفحة 91 من مؤلفه «مع انطون سعاده»، الجزء الرابع، وتحت عنوان «المؤتمر النسائي» ما يلي:
«لم اعد اذكر، ان كان هذا المؤتمر النسائي، مؤتمراً عالمياً او عربياً. ارجح انه كان عالمياً منعقداً في بيروت. اغتنم الزعيم الفرصة ودعا بعض السيدات القوميات الاجتماعيات إليه وحثهن على العمل للاشتراك فيه وابراز وجود الحزب فيه.
اذكر من اللاتي قمن بجهود هائلة لتحقيق هذه الفكرة ساذج نصار، والدة الرفيق فاروق نصار ، وديعة قدورة خرطبيل،
الرفيقة فائزة معلوف انتيبا وغيرهن ممن لم تعد الذاكرة تحتفظ باسمائهن.
لا تسل، ايها القارئ، عن العقبات التي اعترضت سبيلهن وكيف انهن استطعن تذليلها بالمثابرة والملاحقة، لابراز وجود الحزب كانت اكثر من ان تحصى.
لقد توصلن ليس فقط إلى الاشتراك في المؤتمر واثبات وجودهن وبالتالي وجود الحزب والمساهمة في اتخاذ المقررات والتوصيات، بل نجحن في جذب عدد لا بأس به من المشتركات الاجنبيات إلى مقابلة الزعيم والاستماع إليه.
ولهذه الغاية اقيمت ما عدا المواعيد الخاصة حفلة شاي في احد المنازل دارت فيها احاديث كثيرة حول الاوضاع في بلادنا.
اتاحت هذه الحفلة والمواعيد الاخرى الفرصة للزعيم لايصال صوت النهضة إلى اوساط بعيدة كل البعد عن الاهتمام بقضايا وطننا وبخاصة الصهيونية وتأسيس الدولة اليهودية في الجزء الجنوبي من بلادنا.
5 الدكتورة فايزة سعد الدين: السيدة ابتهاج قدورة رائدة النهضة النسائية. مجلة تاريخ العرب والعالم: العدد25.
الجدير ذكره أن حفل التكريم أقيم في التاسع من آذار العام 1964.
6 الشعلة: مجلة اسبوعية كانت تصدر عن «الديار»، ثم توقفت.