الانتخابات النيابية وآفاق التحالفات
إبراهيم ياسين
مع بداية العام الجديد 2018، من المتوقع أن تبدأ الحركة الانتخابية في لبنان بالسخونة الملحوظة، لا سيما أنّ الوقت المتبقي لإجراء الانتخابات لا يتعدّى الأشهر الأربعة، في حين أنّ تشكيل اللوائح الانتخابية وفق القانون الجديد يجب أن يتمّ قبل أربعين يوماً من موعد الانتخابات، وهذا يعني أنّ النصف الثاني من شهر آذار المقبل يجب أن تكون اللوائح الانتخابية قد أبصرت النور، وبالتالي تكون صورة التحالفات الانتخابية قد توضّحت، وعرف الناخبون لمن سيقترعون. على أنّ الكثيرين يطرحون من الآن التساؤلات بشأن طبيعة هذه التحالفات التي ستنشأ، فالبعض يرى أنّ التحالف الرباعي الذي تمّ في انتخابات العام 2005 التي جرت في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري سوف يتكرّر، فيما البعض الآخر يرى أنّ ذلك التحالف لن يتكرّر بسبب اختلاف الظروف الحالية عن تلك التي كانت سائدة في حينه وأمْلت تشكيل ذلك التحالف الرباعي.
وهناك أيضاً من يرى أنّ التحالفات هذه المرة قد تكون مرتبطة بحسابات كلّ دائرة من الدوائر انطلاقاً من حسابات براغماتية، بمعنى أنّ حسابات الربح والخسارة هي التي ستتحكّم بهذه التحالفات، ما ينزع عنها صفة التحالفات السياسية المستندة إلى برامج واضحة في السياسة والاقتصاد والاجتماع، فيما يرى آخرون أنّ التحالفات الانتخابية هذه المرة ستكون أكثر انسجاماً وتعبيراً عن التحالفات السياسية المبدئية، انطلاقاً من المصلحة في الحصول على الأغلبية السياسية في البرلمان التي تضمن إعادة تشكيل السلطة وتطبيق هذه البرامج السياسية للقوى المتحالفة في الانتخابات.
أولاً: من يدقق في الظروف الحالية التي يشهدها لينان يلحظ بوضوح أنها مختلفة اختلافاً جذرياً عما كانت عليه إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في حينه كان هناك خطر كبير من الفتنة المذهبية يتهدّد البلاد وكانت أولوية المقاومة في العمل على احتوائها ومنع اشتعالها، وهو ما دفعها إلى الموافقة على هذا التحالف الرباعي الانتخابي تحت عنوان «درء خطر الفتنة المذهبية». أما اليوم فإنّ هذا الخطر لم يعد قائماً فيما المقاومة باتت أقوى ومحلّ شبه إجماع وطني على دورها في حماية لبنان وتجنيبه خطر الإرهاب التكفيري والاعتداءات الصهيونية وحماية ثروات لبنان وتعزيز الاستقرار الداخلي، وذلك عبر التعاون والتنسيق الكامل مع الجيش والأجهزة الأمنية، في حين أنّ موازين القوى المحلية قد تبدّلت بشكل كبير لمصلحة المقاومة والقوى الوطنية الحليفة لها، وهو ما تجسّد في انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهو المرشح الأساسي من قبل المقاومة، حيث أسهم وصوله إلى سدة الرئاسة في تكريس موازين قوى جديدة لصالح الخيار الوطني المقاوم، وهو ما اعتبر هزيمة سياسية لمشروع قوى 14 آذار السياسي.
وكان من الواضح أنّ هذا التغيير في موازين القوى المحلية قد جاء على خلفية الانتصارات التي كان يحققها محور المقاومة في سورية تحديداً في مواجهة الحرب الإرهابية الاستعمارية الرجعية، وبالتالي فإنّ من يتحدّث أو يعتقد أنّ التحالف الرباعي سوف يُعاد إنتاجه في الانتخابات المقبلة لا يدرك هذا التبدّل الجذري في الواقع اللبناني واستحالة تكرار ما حصل من تحالف رباعي.
ثانياً: أما التحالفات الانتخابية المستندة إلى حسابات المصالح البراغماتية في كلّ دائرة من الدوائر فهي احتمال وارد اعتماده من بعض القوى كما ترشح المعلومات حتى الآن، حيث يجري الحديث عن احتمال تشكيل لوائح في بعض المناطق تضمّ ممثلين عن التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، في حين أنّ بعض القوى الوطنية الأخرى قد تذهب باتجاه تشكيل لوائحها المشتركة بعيداً عن مثل هذا التحالف، خصوصاً أنّ اعتماد النسبية في الانتخابات يوفر فرصة حصول كلّ لائحة على نسبة من المقاعد تساوي النسبة التي حصلت عليها من أصوات الناخبين في أيّ دائرة من الدوائر.
ثالثاً: أما الاحتمال الثالث الذي يرى أنّ التحالفات الانتخاببة هذه المرة ستكون مبنية على أسس سياسية هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً لا سيما أنّ تحالف القوى الوطنية والمقاومة له مصلحة فعلية في خوض الانتخابات على هذه القاعدة للحصول على الأغلبية النيابية التي ترجّح الفوز بها بعد التبدّل الذي حصل في موازين القوى لمصلحتها في أعقاب انتصار محور المقاومة في سورية والعراق ولبنان على القوى الإرهابية التي راهنت عليها قوى 14 آذار وحلفاؤها الإقليميين والدوليين لإسقاط سورية وتغيير موازين القوى لمصلحتها للعودة إلى فرض هيمنتها في لبنان والسعي إلى محاصرة المقاومة ونزع سلاحها.
إذن، لا مصلحة لتحالف القوى الوطنية والمقاومة في تمكين أيّ قوة من خصومها في 14 آذار من الفوز في الانتخابات في إطار تحالفات غير مبدئية، لأنّ ذلك لا يساعد على توفير الأغلبية في إعادة إنتاج السلطة بما يمكّن القوى الوطنية من تحقيق أهدافها في إحداث التغيير في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق التنمية والعدالة، وتحارب الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة وصولاً إلى تكريس وحماية عروبة لبنان على أساس التمسك بخيار المقاومة وإعادة العلاقات الأخوية بين لبنان وسورية إلى مسارها الصحيح على القواعد التي تصون مصلحة البلدين والشعب الواحد في البلدين.
هذا الاحتمال يستمدّ أهميته وضروريته من هذه الاعتبارات الآنفة الذكر، ولذلك لا يُعْتقد بأنّ المقاومة المتمثلة بحزب الله سوف تخرج عن هذا السياق التحالفي، لا سيما أنّ الفرصة اليوم باتت متاحة في هذه الانتخابات للفوز بالأغلبية النيابية، في حين أنّ كلّ التطورات المتوقع حصولها في الأشهر المقبلة عشية الانتخابات تشير إلى المزيد من الانتصارات لمحور المقاومة في سورية، واحتمال إعلان النصر النهائي على الإرهاب، في وقت تعود فيه القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث إثر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني، مما أدّى إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، وتظاهرات عربية وإسلامية ودولية غير مسبوقة تضامناً مع الشعب الفلسطيني وانتفاضته وتنديداً بالقرار الأميركي، مما أسقط رهانات أميركا والعدو الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية في سعيها إلى تمرير صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
إنّ مثل هذا المناخ من عودة النهوض العربي دعماً لفلسطين وانتفاضتها يشكل أيضاً عاملاً يصبّ في صالح المقاومة والقوى الوطنية ويضعف من شعبية القوى المرتبطة بالمشروع الأميركي الصهيوني الرجعي العربي في لبنان.
لهذا كله فإنّ الانتخابات النيابية تأتي في ظروف نموذجية لمصلحة المقاومة والقوى الوطنية للمجيء بمجلس نيابيٍ جديد يعبّر عن تطلعاتها بالتغيير لمصلحة اللبنانيين وقضاياهم السياسية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية.