ترحيل مسلّحي النصرة من بيت جن… والجيش السوري يتقدّم في أرياف حماة وإدلب الأزمة الرئاسية مفتوحة على العام الجديد… لا وساطات… ولا مؤشرات حلول قريبة
كتب المحرّر السياسي
في مؤشرات جديدة على نقلة نوعية في العلاقات الأميركية التركية على خلفية دور تركي متوقع في لجم الانتفاضة الفلسطينية وترويض قوى المقاومة، أعلنت أنقرة عن عودة التعاون إلى الأقنية الأمنية والاستخبارية التركية الأميركية تحت عنوان «الحاجة للتنسيق في مواجهة عناصر داعش الذين فرّوا من سورية نحو تركيا والذين يُقدّر عددهم بثلاثة آلاف، بينهم مئات الأجانب»، بينما كانت الانتفاضة الفلسطينية تثبت حضورها في مواجهة شرطة الاحتلال وتوحّش آلة القمع في المحاكم والشوارع. وقد سجّلت جمعة الغضب الرابعة مواجهات حاشدة في شرق غزة ورام الله وبيت لحم وأريحا، وامتدت إلى الخليل ونابلس وقلنديا، مع سيطرة القلق على الدوائر «الإسرائيلية».
كما عبّرت القناة العاشرة «الإسرائيلية» بالكشف عن «اتفاق سرّي عُقد بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» في البيت الأبيض تمحور حول استراتيجية جديدة مشتركة بين البلدين لاحتواء إيران في المنطقة»، موضحةً أنّ «وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى برئاسة مستشار الأمن القومي مئير بن شباط قام بزيارة واشنطن في 12 تشرين الثاني الماضي والتقى خلاله مسؤولين أميركيين في وزارة الدفاع الأميركية و الاستخبارات الأميركية برئاسة مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ماكماستر»، فيما ربطت مصادر متابعة الكلام «الإسرائيلي» بحجم المواكبة الإعلامية التي ترافق الأحداث الجارية في بعض المدن الإيرانية على خلفية قضايا مطلبية ويتمّ تقديمها كعلامات على حراك سياسي يستعيد صورة ما عُرف بالثورة الخضراء عام 2009 التي قادها رئيس الحكومة السابق مير حسن موسوي والتي لم تُخفِ واشنطن ودول الخليج دعمهم لها، بينما نقلت وسائل الإعلام الأميركية والخليجية عن التحرّكات التي شهدتها مدينة مشهد شعارات تتصل بدعم إيران لقوى المقاومة والقضية الفلسطينية ما يضعها في دائرة التساؤل حول صلتها بالبرامج التي تحدّث عنها «الإسرائيليون» تحت شعار «احتواء إيران»، والمقصود بالطبع هو إرباكها.
في سورية تراجع الزخم السياسي لمحادثات جنيف وفرص تحقيقها تقدّماً في جولات جديدة في ظلّ موقف أميركي معطل لمفهوم التسوية السياسية، عبّر عنه وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بمواقف جديدة تعكس مزيداً من التورّط العسكري في سورية، بإعلانه زيادة العاملين المدنيين لدى القوات المسلحة الأميركية في سورية، وهو المصطلح المستخدم في وزارة الدفاع الأميركية لبناء تشكيلات مسلّحة سورية، وفي استقدام مرتزقة من خارج القوات النظامية، ليتوجّه في موقف آخر للقيادتين الروسية والسورية ناصحاً بعدم الاقتراب من وادي الفرات، معتبراً أنّ ذلك سيكون «غلطة كبيرة»، ملوّحاً بالتحرك في مناطق سيطرة الجيش السوري في حال حصول ذلك بقوله «نحن لن نتعقّب داعش في مناطق سيطرة النظام».
المناخ الجديد فرض نفسه على الميدان السوري بالمزيد من التركيز على حسم البؤر التي تسيطر عليها جبهة النصرة التي تعتبرها موسكو ودمشق تحت الرعاية الأميركية التركية «الإسرائيلية»، ففي الجنوب أُنجز ترحيل عناصر النصرة إلى إدلب بعد اتفاق بيت جن الذي أبرم في ظلّ التقدّم النوعي للجيش السوري على جبهات القتال في سفوح جبل الشيخ واعتبرتها «إسرائيل» انتكاسة استراتيجية، بينما شمالاً تحدّثت مصادر الجماعات المسلحة على صفحاتها عن تقدم سريع للجيش السوري وحلفائه في ثماني قرى وبلدات في ريف حماة وريف إدلب، على حساب مواقع تسيطر عليها جبهة النصرة، في ظلّ اتهامات متبادلة بين الجماعات المسلحة بالخيانات.
لبنانياً، تبدو الأزمة الرئاسية مفتوحة، حيث تراكمت المراسيم المعلّقة على المراسيم المعلّقة، والكلام الدستوري على الكلام السياسي، وبدا أنّ الأزمة تنذر بما هو أصعب ما لم يتداركها طرفاها المباشران في بعبدا وعين التينة، مع انعدام الوساطات، وعجز ما سبق منها عن إحداث اختراق، وعدم وجود مؤشرات على حلحلة قريبة.
الأزمة مفتوحة و«أمل» تلوّح بمقاطعة الحكومة
لم تسجّل أزمة مرسوم «الضباط» أمس، أي تطوّر إيجابي، حيث سترحّل الى العام الجديد مع مزيدٍ من التصعيد وسط استبعاد حصول مفاجأة خلال الأيام القليلة المتبقية من العام الحالي، مع دخول البلاد منذ اليوم في عطلة عيد رأس السنة الميلادية.
وقد أظهرت مواقف أطراف الخلاف أمس، تباعداً الى جانب تفاعل وتداخل الاشتباك بين السياسي والدستوري والقانوني قد تطال تداعياته مجلس الوزراء مع تلويح حركة أمل بمقاطعة جلسات الحكومة كإحدى أدوات المواجهة لتصحيح المرسوم وقوننته، حيث أشار وزير المال علي حسن خليل بأن «الحركة لم تحسم قرارها بعد بشأن المشاركة في الحكومة وأن لا تراجع في عين التينة ووزارة المال في ملف ضباط دورة عون والمواجهة مفتوحة».
ولفت خليل ، في حديث لقناة «أن بي أن» إلى أن «مفتاح الحل في ملف مرسوم ضباط دورة عون هو العودةُ عن المخالفة الدستور ية وإصدار مرسوم حسب الأصول ممهوراً بتوقيع وزير المال الى جانب التواقيع الأخرى»، لافتاً الى اننا «بذلك نكون قد عالجنا 95 في المئة من الأزمة، اما الـ 5 في المئة الباقية، فيمكن نقاشها». وشدّد على أنه «لا يوافق رئيس الحكومة سعد الحريري في قوله إن المشكلة صغيرة، فالأزمة تتعلق بتطبيق الدستور وفي الدستور لا حلول وسط، ولا وجهات نظر والحريري عليه مسؤولية كرئيس حكومة وبحكم توقيعه على مرسوم ضباط دورة عون».
وفي سياق ذلك، تؤكد مصادر مطلعة على موقف عين التينة لـ «البناء» أن «الخلاف ليس سياسياً، كما قال رئيس الجمهورية، وإلا فليعلنوا أين يتجلى هذا الخلاف السياسي، وفي أي مواضع ومواقع؟»، مشيرة الى أن «الخلاف دستوري وميثاقي بحت وتحديداً في المادة 54 من الدستور، وهذا ما أكده أكثر من مرجع ومصدر دستوري وميثاقي مشهود لهم ومن مختلف الانتماءات السياسية»، لكن رغم اشتداد الأزمة فإن عين التينة، بحسب المصادر، متفائلة بالخير وببركة الأعياد المجيدة، وتؤمن بأن «أي أزمة مهما طال أمدها فستجد طريقها الى الحل في النهاية»، وتلفت الى أن «المساعي مستمرة ولم تتوقف، لكنها لم تسجل تقدماً حتى الآن وهناك أفكار عدة تطرح وتناقش ورئيس المجلس منفتح على أي حل ضمن الأطر الدستورية والميثاقية»، وتشير الى أن «توقيع وزير المال على المرسوم أحد الحلول أو العودة الى اقتراح القانون في المجلس النيابي».
وتكشف المصادر عن تجميد التحاق 25 شخصاً من الناجحين في مجلس الخدمة المدنية في مديرية الملاحة الجوية، بسبب غياب التوازن الطائفي رغم أنهم من الفئة الرابعة، فكيف برتبة عمداء تندرج ضمن الفئات الأولى؟ فكيف يمكن أن يصبح المرسوم نافذاً ولا يحقق التوازن داخل مؤسسة الجيش؟
وتكرّر المصادر التأكيد بأن «مقاربة الرئيس نبيه بري للأزمة ليس من منطلق طائفي بل ميثاقي دستوري ووطني يتمثل بالتمسك بالأعراف والحرص على مؤسسة الجيش».
وترى المصادر في موقف رئيس الحكومة سعد الحريري أمس الاول، أنه «اعتراف بوجود أزمة وبالتالي ارتكاب خطأ ما في المرسوم والحريري هو أحد أطراف الازمة، وعليه أن يتدارك الامر، وهو تداركه في نصفه الأول بوقف نشر المرسوم في الجريدة الرسمية. وهذا اعتراف بعدم دستوريته ويبقى أن يعالج نصفه الثاني بإعادة النظر فيه وقوننته»، ولفتت الى أن «مقاطعة وزراء أمل جلسات مجلس الوزراء لم تطرح حتى الآن، بل الرئيس بري حريص على وحدة الحكومة والاستقرار السياسي في البلد لكن ضمن الأصول الدستورية».
..وبعبدا على موقفها
ولم توحِ أجواء بعبدا الى تعديل في مواقفها من الأزمة، وقالت أوساط وزارية مقربة من رئيس الجمهورية لـ «البناء» إن «بعبدا مصرّة على موقفها بأن المرسوم لا يرتّب أعباءً مالية والمشكلة هي الخلاف إن كان المرسوم إدارياً أم مالياً، ويصبح مالياً عندما ترفع قيادة الجيش ترقيات أو تسريحاً، وترى بعبدا أن مرسوم الترقيات الذي أرسلته وزارة الدفاع الى المالية يحتاج الى توقيع وزير المالية، لأنه يرتب أعباءً مالية لكن منح سنة أقدمية هو مرسوم إداري»، ورجّحت الأوساط أن تطرح حلول مطلع العام الجديد ويصار الى تطويق الازمة التي من الممكن أن تنعكس على كل البلد»، مشيرة الى «بعض المخارج والافكار والفتاوى الدستورية التي تطرح على رئيس الجمهورية»، ونفت أن «ينعكس ذلك على عمل مجلس الوزراء أو على الوضع الاقتصادي في البلد»، مؤكدة أن «مجلس الوزراء سيشهد مطلع العام انطلاقة جديدة وفاعلة لتحقيق مزيد من الانجازات على صعيد الملفات والازمات الاقتصادية والحياتية القائمة».
وأكد رئيس الجمهورية أمام وفد الاغتراب الذي زاره في بعبدا أن مستقبل لبنان سيكون أفضل من ماضيه القريب والبعيد «لأننا سنبني دولة مهما كانت الامور صعبة»، مشيراً الى «اننا سنتمكن في وقت قريب جداً من استنهاض الوضعين الاقتصادي والمالي ليعود الازدهار الينا».
خلاف دستوري أم سياسي؟
وفي حين يتعمّق الخلاف الدستوري بين الرئاستين الأولى والثانية واتخاذه طابعاً سياسياً، كما أشار رئيس الجمهورية، انقسمت آراء المراجع الدستورية، ففي حين أشار رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني الى أن «المرسوم غير دستوري وأن الازمة غير دستورية، إنما ذات أبعاد سياسية أخرى»، أكد ضرورة توقيع وزير المال على مرسوم ترقية الضباط بحسب الدستور . واعتبر في حديث تلفزيوني، أن «اعتماد النظام النسبي بالتمثيل في الانتخابات النيابية هو تطبيق لقانون الطائف ، وهناك ثغر في قانون الانتخاب أدّت الى الصوت الطائفي والسجالات السياسية، وهذه السجالات لن تقف عند حد «دورة عون» وستستمر».
من جهته، أكد النائب سمير الجسر أن «رئيس الحكومة سعد الحريري يتعاطى بواقعية سياسية، ومرسوم أقدمية ضباط دورة 1994 ادى الى خلاف يفترض حله سياسياً وضمن الأطر الدستورية بعيداً عن التجاذبات». أضاف في حديث إذاعي: «حتى لو افترضنا الحاجة الى توقيع أحد الوزراء، لكن المرسوم عندما يصدر بقرار من مجلس الوزراء لا يعود لأحد الحق بالتمنع عن توقيعه». وأشار الجسر إلى أنه في حال تعذّر التوصل الى حل سياسي، فإن الحد القضائي يبقى الخيار الأخير، مذكراً «بأن الدستور أناط مهمة تفسير القوانين بالمجلس الدستوري إذا كان ثمة اختلاف سياسي».
وأمس وقّع رئيس الجمهورية مراسيم إدراج أسماء ضباط في قوى الأمن الداخلي والأمن العام و الضابطة الجمركية والمديرية العامة لأمن الدولة، على جداول الترقية الى رتبة أعلى للعام 2018. وحملت المراسيم، التي اقترنت بتوقيع رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والمالية، الأرقام الآتية: 2124-2125-2126-2127-2128-2129 تاريخ 29/12/2017.
وأتى توقيع الرئيس عون مراسيم القيد على جداول الترقية لضباط الاسلاك الامنية والعسكرية حفاظاً على حقوق هؤلاء في الترقية بعد أن صدر قرار عن وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف بقيد ضباط في الجيش للترقية الى رتبة أعلى لعام 2018، وذلك عملاً بأحكام الفقرتين 4 و 5 من المادة 48 من قانون الدفاع الوطني الرقم 102/1983 وتعديلاته. علماً ان هذه المراسيم، كما قرار وزير الدفاع الوطني تنشئ حقاً لهؤلاء الضباط في الترقية، والتي يتم إعلانها بموجب مراسيم تصدر لاحقاً.