«رسائل معرفية»… نزهة في بساتين الأفكار!

محمد آل فاضل

كم هو جميل عندما يقع بين يديك كتاب يحوي مئات النصوص القصيرة جدّاً. لا قيود سردية ولا حبكات درامية. كلّ نصّ مشروع فكريّ قائم بذاته. تستطيع التوقّف والعودة متى شئت لا بل تستطيع فتح الكتاب على أيّ صفحة تشاء، وهذا أحد أسرار إعجابي بالكتابات الشذرية وكتب النصوص الأدبية القصيرة.

«رسائل معرفية»، تتويج لمشروع جميل أرسل فيه الدكتور محمد آل سعد خمسمئة بطاقة عبر وسائل التواصل، وذلك خلال خمسمئة يوم متواصلة إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف متلقٍّ. وبعد ذلك قرّر جمعها في إصدار. و كما يقول في مقدّمته: «جمعتها للأجيال الآتية في هذا الكتاب كأحد مشاريعي في الحياة، ولتكون شاهداً لهم على عصرنا».

كان المؤلف يؤرّخ لكلّ نصّ على حدة. وأعتبر هذا التأريخ ذكاء ونباهة من المؤلّف، فالكتاب يحوي آراء عن أحداث جرت حين إرسال البطاقات وربما قد تغيّرت الأحداث الآن وتبدّلت حولها الآراء. لهذا، كان التأريخ توثيقاً لِما جرى في حقبة من الزمن أُصدر فيها الكتاب.

يقع كتاب «رسائل معرفية» الصادر عام 2017 في 307 صفحات من القطع الوسط، وأدرج في فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية تحت فرع «الوصايا والحِكم».

«رسائل معرفية» ـ كما في وصف العنوان ـ عصارة أفكار وخبرات. وبالمناسبة، هذا الكتاب هو الإصدار السابع للدكتور محمد آل سعد فله إصدارات في أدب الرحلات والمقالات والرواية والقصة القصيرة، فضلاً عن خبراته الإدارية والتربوية الطويلة ومشاركاته المجتمعية المتعدّدة.

المؤلف كما يبدو جليّاً، صاحب خبرة ورؤية، وكما قال النفري: «كلّما اتّسعت الرؤية، ضاقت العبارة».

تدرّجت النصوص من الخواطر، مروراً بالآراء الجادّة والحكيمة، وصولاً عند الشذرة الفلسفية العميقة. وفي رأيي، إن نصوصاً كثيرة كانت في المنطقة الوسطى، «الآراء الجادّة والحكيمة» المليئة بالتجارب والنصائح وتطوير الذات.

«يقال: اُصمت كي لا تندم… كم ندمتُ بسبب الصمت». ص 34 .

«يقال: آمال معقودة… وآمال معلّقة. إذا عُقدت الآمال، أو عُلّقت، فكيف تصبح آمالاً؟». ص 174 .

نصّان يوضحان نقداً فلسفياً لبعض العبارات الشائعة أو الحِكم المضمّنة في اللاوعي. هذا النقد الممتع يجعل القارئ يتوقّف عن القراءة ليتأمل ويفكّر في الأمر من زاوية أخرى. بالفعل، الأمل فضاء، فكيف رضينا أن يكون معلّقاً أو معقوداً؟!

في نصوص كثيرة، يميل محمد آل سعد إلى توجيه رسائله المعرفية عن طريق التشبيه، وخصوصاً التشبيه التمثيلي، وهذا أمر طبيعيّ نلاحظه دائماً لدى أصحاب التجارب الناضجة في الحياة:

«ما أشبه رحلتنا الحياتية برحلة القمر الشهرية…

يبدأ هلالاً ثمّ يكتمل بدراً، ثمّ يعود هلالاً… قبل أن يغيب». ص 196 .

ولأنّ المجال التربوي أخذ نصيباً وافراً من رحلة محمد آل سعد الفكرية، فقد أتحفنا بعددٍ من الإضاءات التربوية، منها على سبيل المثال:

«أرأيت البذرة تبذرها؟

فتخرج نبتة طريّة

ثمّ يشتدّ عودها

ثمّ تؤتي ثمارها

هكذا الإنسان…

لا يثمر إلّا في مرحلة نضجه

على أنه قد تلقّى العطاء

في مراحله الأولى». ص 168 .

«اِجعل أبناءك كأسنان المشط

لا تفرّق بينهم لو بنظرة

لأنّك لا تستطيع أن تمشّط بمشط

تكسّرت بعض أسنانه». ص 61 .

ولعلّ هذان مثالان آخران عن إجادة المؤلّف أسلوب التشبيه لإيصال الرسائل المعرفية.

في «رسائل معرفية» يجمع محمد آل سعد باقة من خبراته الإدارية في قالب بسيط ومشوّق. الأمثلة وفيرة بين دفّتَي الكتاب. هذان نصّان من بين النصوص:

«صناعة القرار… اتّخاذ القرار… تنفيذ القرار

ثلاث عمليات، يوجد من يعتبرها عملية واحدة… سوء إدارة». ص 108 .

«إن تنتظر من يساندك فأنت تنتظر السراب… اِذهب بنفسك واَجلب المساندة إن لم تجدها في نفسك». ص 41 .

وفي المجموعة أيضاً إعادة لتعريف المفردات والمصطلحات كمفاهيم «الرزق» و«الكرامة». ص 164 .

كما أنّ هناك فقرات تأمّلية ذات طابع فلسفيّ جماليّ:

«إذا مرّت بك لحظة سعادة… فعامِلها كالقهوة التي لا يعانق مزاجَك طعمُها إلّا ترشّفاً». ص 111 .

لم يغب متلقّو الرسائل عن التتويج في ختام الإصدار، فكان لهم حضورهم البهيّ من خلال انطباعاتهم عن الرسائل. هكذا أراد المؤلّف ليكون ختاماً بالتغذية الراجعة. كما أنّ تدوين أسمائهم وآرائهم في نهاية الكتاب جاء احتفاءً بهم كشركاء داعمين ساهموا في خروج الرسائل المعرفية إلى النور لتصل إلى الشريحة الأوسع من القرّاء والمثقفين.

كاتب سعوديّ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى