أطفال فلسطين يصنعون فجر الحرية
عباس الجمعة
أطفال فلسطين، أطفال الانتفاضة الشعبية الباسلة، أطفال المجد والبطولة والمواجهة يصنعون لنا الفجر والعزة والكرامة، ويؤكدون للعالم بأنّ الصراع وجودي لا حدودي، وبأنّ القدس عاصمة دولة فلسطين، فهم يولدون ويحملون معاناتهم، يترعرعون تحت سطوة المحتلّ وتكبر معهم المعاناة، وتكبر فيهم المقاومة والشعور بالعداء لمحتلي أرضهم. ومن هذه المعادلة البسيطة تنمو شخصية الفلسطيني المقاوم.
إنهم أطفال فلسطين، جيل الانتفاضة، أطفال المواجهة والحجارة، أبطال النصر الذين امتشقوا أحلامهم ومآسيهم والحجر، فارضين على العالم صورة جديدة للطفل، مجترحين معجزة المواجهة المريرة بأكثر الأدوات بساطة، هم شعاع النصر الذي لا يخبو وميضه، وهم المشروع المستقبلي وعدة المجابهة التاريخية للمشروع النقيض على أرض وطنهم، مشروع تكريس الاحتلال والهيمنة والتوسع «الإسرائيلي».
نقول ذلك لأنّ هؤلاء الأطفال الذين كبروا بفعلهم في عيون الدنيا قاطبة، يشكلون أحد استهدافات المخطط الصهيوني لتدمير الذات الفلسطينية، وإنّ استهدافهم يعني استهداف بذور تتحرّك بتسارع في أرضية الصراع والمواجهة، وتومئ إلى مستقبل يشرّع أبوابه على أفق التحرّر والاستقلال، حيث استيقظ هؤلاء الأطفال في ظلام الاحتلال على طفولة شقيّة موزعة بين حلم الانعتاق وحنين الاستقلال، كما أطفال فلسطين في الشتات والمنافي يتطلعون لحق العودة، وفي كلتا الحالتين كان البحث عن الهوية وتأكيدها هاجساً ينمو مع العمر.
أمام كلّ هذه الظروف نقول لقد تنوّعت الأساليب العدوانية التي مارستها سلطات الاحتلال الصهيوني ضدّ الطفل الفلسطيني، فاتخذت أشكالاً مختلفة كالقتل المتعمّد إلى الحرمان من التعليم بإغلاق المؤسسات التعليمية مدداً طويلة، وإطلاق صفارات الخطر لترويع الأطفال ومنعهم من النوم، واستخدام الأساليب النفسية كضرب الآباء أمام الأبناء، واقتياد الأطفال إلى أماكن خالية وضربهم بعنف، إضافة الى آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين ولدوا بعد أن دخل آباؤهم السجن، ولم يروهم إلا بعد سنوات عديدة، وآلاف الأطفال لا زالت مناظر هدم المنازل التي ولدوا وعاشوا فيها أو هدم منازل الأقارب والجيران ماثلة أمامهم، وصور جنود الاحتلال المدجّجين بالسلاح وهم يقومون بعملية النسف أو الهدم لن تغادر ذاكرة هؤلاء الأطفال. فقد انطبعت في ذاكرتهم صور القمع الوحشية لقوات العدو الصهيوني فيها للأبد، ولكن هم يقفزون إلى قلب الدائرة المشتعلة.
وفي ظلّ هذه الأوضاع وبعد قرار ترامب وقرار حزب الليكود الصهيوني، نقول إنّ الانتفاضة بوتقة نضالية استطاعت أن تستوعب كلّ جموع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة لمواجهة العدو الصهيوني، غير أنّ اللافت للنظر المشاركة المتميّزة للطفل الفلسطيني ومعاناته النضالية التي يتحمّلها يومياً من جراء مشاركته في الانتفاضة، فتعليق الأعلام وكتابة الشعارات الوطنية وإقامة المتاريس في الشوارع والتصدّي لآليات الاحتلال العسكرية، جميعها مهام نضالية تكفّل بها الأطفال، حيث تشير بوضوح إلى نسبة مشاركة الأطفال الفلسطينيين في الانتفاضة، كذلك عدد المعتقلين في سجون الاحتلال، حيث خلقت من الطفل الفلسطيني طفلاً آخر له سمات مميّزة تميّزه عن باقي أطفال العالم، فسياسة الضرب المبرح التي يتعرّض لها الطفل من قوات الاحتلال، وسياسة الاعتقال والقتل ومداهمة المنازل أثناء الليل والتنكيل بالمواطنين كانت سبباً كبيراً لتنامي عنصر التمرّد لدى الطفل الفلسطيني، حيث تتولد عنده ردة فعل عنيفة ينعكس من خلالها سلوكه اليومي، وجعلت منه طفلاً تلاشت عنده حاسة الخوف، وامتلكته الجرأة والإقدام على المغامرة، وعدم المبالاة بالأخطار المترتبة على هذا السلوك، وأصبح طفل الحجارة مستهدفاً في كلّ شبر داخل فلسطين المحتلة، كأنه قنبلة موقوتة يخشى المحتلّ الصهيوني انفجارها لتدميره.
من هنا نرى انّ الشارع الفلسطيني يشهد أساليب عدوانية متعدّدة تمارسها سلطات الاحتلال حيث تكشف الدماء الفلسطينية حجم ازدواجية تعامل المجتمع الدولي مع الفلسطينيين، وها هم سادة العالم ودعاة الإنسانية يسدّون أفواههم ويعمون أعينهم ويصمّون آذانهم عن الانتهاكات الخطيرة التي يتعرّض لها أطفال فلسطين بشكل عام وأطفال القدس بشكل خاص، حيث يتعرّضون الى تعذيب وترهيب واعتقالات وحجز حريات من قبل جنود الاحتلال الذين ضربوا بعُرض الحائط جميع المواثيق والقرارات الدولية التي تنصّ على حماية الأطفال. أفعال شنيعة وجرائم خطيرة ما كان لهم أن يرتكبوها لولا الصمت والتعامي الدولي عن أفعالهم.
وأمام قتامة وسوداوية ذلك المشهد، نرى قلوب أطفال القدس وفلسطين تكاد أن تصرخ غضباً وقهراً من تمييز المؤسسات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، ولكن نقول إنّ نضال أطفال فلسطين انطلق من رحم أوجاعهم المستمرة التي بدأت مع اغتصاب الأرض وتهجير الآلاف من أبنائها، ليأتي نضالهم أسلوباً ينتفضون من خلاله وعبره على الواقع الأليم الذي يعيشونه في كنف احتلال استطاب الرقص على جثث أطفال فلسطين.
ختاماً نقول… أطفال فلسطين هم مقاومون بواسل، لم يستسلموا أمام جبروت الاحتلال، أبوا إلا أن يجابهوا، حملوا دماءهم على أكفّهم وانطلقوا، حيث زرعوا الرعب في قلب المحتلّ الغاشم، وها هم ينجحون في قلب المعادلة، فألف تحية إلى أطفال فلسطين الذين يخطّون بسواعدهم أرقى ملاحم البطولة، وألف تحية إلى شابات وشباب فلسطين الذين يتجاوزون الواقع العربي في نضال مستمرّ وليكرّسوه حقاً وليتمسكوا بأحقية إنجازه، ويرسمون من جديد تاريخاً نضالياً يُضاف إلى سجل هذا الشعب الأبي الذي لن يستكين حتى تحرير الأرض والإنسان.
كاتب سياسي