من دفاتر الذكريات

من دفاتر الذكريات

في تلك الليالي المقمرة في القرية النائمة في حضن جبل، لم يعكّر سكون ليلها صوت زيز هنا أو نباح كلبٍ هناك أو عواء ذئب في الغابة البعيدة، هذه الأصوات لم تكن نشازاً، هي في بيئتها الطبيعية، لكن الغريب سكوتها. فحينذاك نشعر أنّ هناك شيئاً مفقوداً لتكتمل تلك اللوحة القرويّة.

من يعش في المدينة يتأقلم تلقائياً مع أصوات السيارات وضجّة الناس وزحمة الطرقات، وإذا سمع صوت زيز أو عواء ذئب، يكون غريباً على مسامعه، كما هو غريب على مسامعنا أصوات السيارات وأبواقها.

أن ترى جملاً في صحراء، جرذاً في مجرور، ضفدعاً في مستنقع، خنزيراً في الوحل، هذه حال الطبيعة الطبيعية، لكن أنّ ترى البعير أميراً، والضفدع إعلامياً على أشهر المحطّات، والجرذ فوق الأكتاف يخطب بالثوّار، أو خنزيراً يُفتي بالناس ويتكلّم عن الطهارة، فهذا ما يريدون أنّ نعتاد عليه ليُصبح طبيعياً، تسويق الشذوذ حتى يُصبح قاعدة، كان هو هدفهم.

ولكنّنا لم نتعوّد ولن يُصبح طبيعاً أن تذبح الناس في الساحات وتصبح النساء سلعة جنسية والأطفال عبيدَ متعة للشواذ. ولن يُصبح طبيعياً نحر الأعناق وتقديم البشر كأضاحٍ ولن يُصبح طبيعياً أنّ نكون عبيداً للمختلين عقلياً. لذلك كانت أصوات الظلاميين غريبة علينا في بلد النور سورية، ولذلك كان وجود التكفيريين شاذاً، ومحكوم عليه بالزوال، فلا البيئة بيئئتهم ولا التراب يناسب بذرتهم المسمومة ولا العقل يقبل جهلهم وحتى في أكثر المناطق تشدّداً وانغلاقاً في سورية من الذين احتضنوهم لم يقدروا على تحملّهم.

بكلّ بساطة، سورية القداسة لا تقبل النجاسة، سورية الحرّة لا تقبل العبودية، سورية النور لن تعيش في الظلام، سورية الشموخ والكرامة لن تركع لغاصب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى